للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَصْدًا، وصلاتُه أيضًا قصدًا؛ (١) لأنّ من فقه الرّجل قصر خطبته وطُول صلاته (٢).

وحَكَى المؤرِّخون عن عثمان كذبة عظيمة؛ أنّه صَعِدَ المِنْبَرَ فَأُرْتجَ عليه، فقال كلامًا منه: وأنتم إلى إمام فَعَّالٍ أَحْوَج منكم إلى إمام قَوَّالٍ (٣)، فيا لِله لقائل هذا وللعقول (٤)، إنّ أقَلَنَّا اليوم لا يُرْتَجُ عليه، فكيف عثمان؟ لا سيّما وأقوى أسباب الحَصْر في الخُطْبَة أنّه لا يدري (٥) ما يُرْضِي السّامعين ويستميل (٦) قلوبهم؛ لأنّه يقصد الظهور عندهم. ومن كانت خطبته لله، فليس يُحصَر عن حَمْدٍ وصلاةٍ، وحَضً على فعلِ خيرٍ، وتحذيرٍ من شَرِّ أي شيء (٧) كان، ولم يخلق من يحصر إلّا من كان له غرض غير الحقِّ، فربّما أعانه عليه بالفصاحة فتنة، وربّما خَلَقَ اللهُ له العِيَّ في ذلك المقام (٨).

وقوله (٩): "كانَتْ صَلاَتُهُ قَصْدًا، وخُطْبَتُهُ قَصدًا" والقصدُ في العربيّة: كلُّ شيءٍ جاء على وجه الحقِّ.

المسألة الثّالثة عشر (١٠):

قال علماؤنا: ويقرأُ الخطيب القرآنَ على المِنْبَرِ في خطبته، وبه قال الشّافعيّ (١١)، ولو لم يقرأه أعادَ الخُطْبَة، ولو اقتصر على القرآن لأجزَأَهُ.


(١) إشارة إلى ما جاء في حديث مسلم (٨٦٦) عن جابر بن سَمُرَة.
(٢) إشارة إلى ما جاء في حديث مسلم (٨٦٩) عن أبي وائل.
(٣) أصل الحكاية أخرجها ابن سعد في الطبقات: ٣/ ٦٢ عن إبراهيم بن أبير ربيعة المخزومي، ومن طريقة ابن عساكر في تاريخ دمشق: ٢٣٠ [ترجمة عثمان] كما أخرجها أبو هلال العسكري في الأوائل: ١/ ٢٦٠ في أوّل ما أرْتجِ عليه في الخطبة، عن أبي العالية، وأوردها السرقسطي في كتاب الدلائل في غريب الحديث: ٢/ ٥٢٣، وابن عبد ربه في العقد الفريد: ٤/ ٦٦، كما أورد هذه الحكاية القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ١٨/ ١١٥، وذكرها الزيلعي في نصب الراية: ٢/ ١٩٧ وقال: "ذكره الإمام القاسم بن ثابت السَّرَقُسطِي في كتاب غريب الحديث من غير سَنَدٍ" وتال علي القارئ في المصنوع في معرفة الحديث الموضوع: ١٣٠ "قال ابن الهمام: لم تُعْرَف في كتب الحديث، بل في كتب الفقه" وأوردها أيضًا ابن كثير في البداية والنهاية: ١٠/ ٢١٦. وقال: "وهو شيء يذكُرُهُ صاحب العِقْد وغيره ممَّن يذكُرُ طرف الفوائد، ولكن لم أر هذا بإسنادٍ تَسْكُنُ النَّفْسُ [إليه] ".
(٤) في النُّسَخ: "وللفضول" والمثبت من العارضة.
(٥) في النُّسَخِ: "لا يرى" والمثبت من العارضة.
(٦) م: "ويستنزل"، جـ: "ويشتمل"، العارضة: "يميل".
(٧) في النُّسَخ: "وتحذير وتبشير أي" والمثبت من العارضة.
(٨) تعجيزًا.
(٩) أي قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث مسلم (٨٦٦).
(١٠) انظرها في العارضة: ٢/ ٢٩٦ - ٢٩٧.
(١١) في الأم: ٣/ ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>