للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو حنيفة (١): هو واجب يعاقَبُ تارِكُهُ، وهو في المشيئة.

وليس له في هذه المسألة دليلٌ يُعَوَّلُ (٢) عليه، وكلّ حديث تعلَّقَ به فباطلٌ، وقد نزع سحنون بهذه المسألة إلى رَأْي أبي حنيفة، فقال: إنّ من تركَ الوِتْرَ يُؤَدَّبُ، وإنّما الْتَقَفَهَا من أسَد بن الفرات (٣)، وحديث الأعرابي يقطعُ به قوله: "إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ" (٤).

تكملة (٥):

اعملوا -نور الله قلوبكلم بالمعارف- أنّ الوِترَ خاتمة النّوافل، وذلك أنّ البارئ تعالى شرع الفرائضَ وِتْرًا شرعًا مفروضًا، فشرع لكلِّ (٦) النّوافل وترًا (٧) شرعًا مسنونًا؛ لأنّ الله وِترٌ يحبُّ الوِتْرَ، ولولا الوِتْرُ ماخلقَ الشَّفْع، وإنّما خلقَ الشَّفْع ليتبيَّنَ الوِتْر به. فغاية الفَرْضِ سبع عشرة ركعة، وإلى هذا العدوإنتهى النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - بالنوافل في صلاة اللّيل، ولم يزد عليه. وإنّما يكون الوِتْرُ باللّيل دون النهار، لقوله صلّى الله عليه: "صلاةُ اللّيْل مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ، صَلَّى ركعَةً واحدةً تُوتِر لَهُ مَا قَدْ صَلَّي" (٨) فلا تلتفتوا إلى قول أبي حنيفة؛ لأنّه جاء بشَيْءٍ: شَاذًّ، وهو خَرْقٌ في الشّريعة لا يرقع , وليس له فيه حديث أشبه من قوله: "أَوتِرُوا يا أَهْلَ القُرآنِ" (٩) ولم يصحّ من جهة السَّنَدِ، ولا قوي من جهة المعنى، فإنّما يريد به أهل القرآن الّذين يقومون به ليلًا، وقيامُ اللّيل ليس بمفروضِ في أصله، فكيف يكون فرْضًا في وصفه؟ وقد ناقض فقال: إنّ الوِتْرَ يُفعَلُ على الرّاحلة.

فحجَّتُنَا أنّ نقول: صلاة تُفْعَلُ على الراحلة مع الأمن والقُدْرَةِ، فلا تكون واجبة كركعتي الفجر، عكسهُ الصُّبح.


(١) انظر المبسوط: ١/ ١٥٦.
(٢) في النُّسَخ: "يقوى" والمثبت من القبس.
(٣) زاد في القبس: "وهي لعمر الله ملح غير فرات".
(٤) أخرجه مالكٌ في الموطَّأ (٤٨٥) رواية يبيح. من حديث طلحة بن عبيد الله.
(٥) انظرها في القبس: ١/ ٢٩٤ - ٢٩٦.
(٦) جـ: "في كلِّ".
(٧) " وترًا" زيادة من القبس.
(٨) أخرجه البخاريّ (٤٧٢)، ومسلم (٧٤٩) من حديث ابن عمر.
(٩) أخرجه من حديث عليّ: الطيالسي (١١٥)، وأحمد: ١/ ١٤٨، وعبد بن حميد (٧٠)، والدارمي (١٥٨٧)، وأبو داود (١٤١٦)، وبن ماجه (١١٦٩)، والترمذي (٤٥٣) وقال: "حديث حسن"، وابن خزيمة (١٠٦٧)، والبيهقي: ٢/ ٤٦٨. يقول المؤلِّف في العارضة: ٢/ ٢٤٤ "ولو صحّ فهو قول علىّ لا قول النبيّ - صلّى الله عليه وسلم -".

<<  <  ج: ص:  >  >>