بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان ليعقوب عليه الصلاة والسلام زوجتان، وجمع سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام بين مائة امرأة إلا واحدة، وطاف بهن في ليلة واحدة رجاء أن يرزقه الله من كل واحدة منهن غلامًا يقاتل في سبيل الله، وليس هذا بدعا في التشريع ولا مخالفا للعقل ولا لمقتضى الفطرة، بل هو مقتضى الحكمة، فإن النساء أكثر من الرجال حسب ما دل عليه الإحصاء المستمر وأن الرجل قد يكون لديه من القوة ما يدعوه إلى أن يتزوج أكثر من واحدة، لقضاء وطره في الحلال بدلاً من قضائه في الحرام، أو كبت نفسه، وقد يعتري المرأة من الأمراض أو الموانع كالحيض والنفاس ما يحول بين الرجل وقضاء وطره معها، فيحتاج إلى أن يكون لديه زوجة أخرى يقضي معها وطره بدلاً من الكبت أو ارتكاب الفاحشة، وإذا كان تعدد الزوجات مباحًا ومستساغًا عقلاً وفطرة وشرعًا، وقد وجد العمل به في الأنبياء السابقين وقد توجبه الضرورة أو تستدعيه الحاجة أحيانًا، فلا عجب أن يقع ذلك من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهناك حكم أخرى لجمعه صلى الله عليه وسلم بين زوجات، ذكرها العلماء، منها توثيق العلاقات بينه وبين بعض القبائل، وتقوية الروابط عسى أن يعود ذلك على الإسلام بالقوة ويساعد على نشره لما في المصاهرة من زيادة الألفة وتأكيد أواصر المحبة والإخاء، ومنها إيواء بعض الأرامل وتعويضهن خيرًا مما فقدن، فإن في ذلك تطييبًا للخواطر وجبْرًا للمصائب، وشرع سنة للأمة في نهج سبيل الإحسان إلى من أصيب أزواجهن في الجهاد ونحوه، ومنها رجاء زيادة النسل مسايرة للفطرة وتكثيرًا لسواد الأمة ودعمًا لها بمن يؤمل أن ينهض بها في نصر الدين ونشره.. وليس الداعي إلى جَمْعه صلى الله عليه وسلم، مجرد الشهوة، لما ثبت من أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يتزوج بكرًا ولا صغيرة إلا عائشة رضي الله عنها، وبقية نسائه ثيّبات، ولو كانت شهوته تحكمُه والغريزة الجنسية هي التي تدفعه إلى كثرة الزواج لتخيّر الأبكار الصغيرات لإشباع غريزته، وخاصة بعد أن هاجر وفتحت الفتوحات وقامت دولة الإسلام وقويت شوكة المسلمين وكثر سوادهم، ومع رغبة كل أسرة في أن يصاهرها، وحبها أن يتزوج منها، ولكنه لم يفعل، إنما كان يتزوج لمناسبات كريمة ودواعٍ سامية يعرفها من تتبع ظروف زواجه بكل واحدة من نسائه، وأيضًا لو كان شهوانيًّا لعرف ذلك في سيرته أيام شبابه وقوته، يوم لم يكن عنده إلا زوجته الكريمة خديجة بنت خويلد، وهي تكبره سنًّا، ولعرف عنه الانحراف والجور في قسمه بين نسائه وهن متفاوتات في السن والجمال، ولكنه لم يعرف عنه إلا كمال العفة والأمانة في عِرضه وصيانته لنفسه وحفظه لفرجه في شبابه وكِبَر سنه، مما يدل على كمال نزاهته وسمو خُلُقه. واستقامته في جميع شؤونه حتى عرف بذلك واشتهر بين أعدائه.