فأنكر سبحانه على اليهود أنهم قتلوه وصلبوه وأخبر أنه رفعه إليه، وقد كان ذلك منه تعالى رحمة به وتكريمًا له، وليكون آية من آياته التي يؤتيها من يشاء من رسله، وما أكثر آيات الله في عيسى ابن مريم عليه السلام أولاً وآخرًا! ومقتضى الإضراب في قوله تعالى {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} . أن يكون سبحانه وتعالى قد رفع عليه الصلاة والسلام بدنًا وروحًا حتى يتحقق به الرد على زعم اليهود أنهم صلبوه وقتلوه، لأن القتل والصلب إنما يكون للبدن أصالة ولأن رفع الروح وحدها، لا ينافي دعواهم القتل والصلب، فلا يكون رفع الروح وحدها ردًّا عليهم، ولأن اسم عيسى عليه السلام حقيقة في الروح والبدن جميعًا، فلا ينصرف إلى أحدهما عند الإطلاق إلا بقرينة، ولا قرينة هنا، ولأن رفع روحه وبدنه جميعًا مقتضى كمال عزة الله وحكمته وتكريمه ونصره من شاء من رسله، حسبما قضى به قوله تعالى في ختام الآية {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} .
[عيسى سينزل آخر الزمان]
س ٢ إذا كان عيسى عليه السلام حيًّا، فهل سنزل آخر الزمان ويحكم بين الناس ويتبع في ذلك دين محمد صلى الله عليه، وما الدليل، وبم نرد على من زعم أن عيسى لن يُبعث آخر الزمان ولن يحكم بين الناس؟
ج نعم سينزل نبي الله عيسى ابن مريم آخر الزمان، ويحكم بين الناس بالعدل متبعا في ذلك شريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام، وسيؤمن به أهل الكتاب اليهود والنصارى جميعًا قبل موته بعد أن ينزل آخر الزمان، قال تعالى {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} . (سورة النساء، الآية ١٣٦) . فأخبر تعالى بأن جميع أهل الكتاب اليهود والنصارى سوف يؤمنون بعيسى ابن مريم عليه السلام قبل موته - أي موت عيسى - وذلك عند نزوله آخر الزمان حكما وعدلاً داعيًا إلى الإسلام كما سيجيء بيانه في الحديث الدال على نزوله. وهذا المعنى هو المتعين، فإن الكلام سيق لبيان موقف اليهود من عيسى وصنيعهم معه