للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليك كما فعل تعالى {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم} . والمراد بقوله {ثم يتوبون من قريب} أي قبل الموت والدليل قوله بعدها {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} وليستمر على توبته وليثبت عليها ولا يوسوس له الشيطان بأن توبته غير مقبوله أو أنه محاسب على ذنبه الذي تاب منه لكن إذا كانت التوبة تتعلق بحقوق المخلوقين فإنه يجب عليه ردها إلى أهلها أو استحلالهم منها فإن كان لا يعلم أهلها ولا ورثتهم إن كانوا قد ماتوا فإنه يتصدق بهم عنهم تخلصاً منها، مثال ذلك إذا كان ذنبه أخذ مال للغير ثم تاب، فإنه يجب عليه أن يرد هذا المال لصاحبه إن كان حياً وإلى ورثته إن كان ميتاً فإن لم يعلمه أو نسيه فإنه يتصدق بذلك ناوياً بالصدقة أن تكون عمن أخذ ماله وإن شاء يقول عمن له المال لأنه يحتمل أنه مات فينتقل إلى ورثته، فينوي بالصدقة أن تكون عمن له هذا المال والله سبحانه وتعالى يعلم به وسيوصله إلى مستحقه.

أما قوله أنه يخاف أن توثر على توبته فلا خوف لأن الذنوب السابقة على التوبة تهدمها التوبة هدماً ولا يكون لها تأثير إطلاقاً، وربما يكون الإنسان بعد التوبة خيراً منه قبل التوبة، لأنه إذا حصل له بتوبته إنابة إلى الله سبحانه وتعالى وهيبة منه فربما يحدث له من الأحوال القلبية والأعمال البدنية وما يرقيه إلى مرتبة فوق مرتبته الأولى، ألم تر إلى قول الله تبارك وتعالى عن آدم {وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى} أما قوله هل يقع اللعن وقت وقع المعصية فنقول إن اللعن قد يقع وقت وقوع المعصية وقد يتأخر موجب اللعنة حسب ما تقتضيه إرادة الله وحكمته ولكن إذا مّن الله عليه بالتوبة علمنا أن هذا اللعن انتفى، لأن اللعن معناه الطرد والابعاد عن رحمة الله، ومن تاب إلى الله فهو في رحمة الله.

وأما قوله إن كان جاهلاً بعقوبة هذه الأشياء، فالجهل بالعقوبة مع العلم بالتحريم لا يرفع العقوبة سواء كانت دنيوية أو أخروية، وإذا كان الإنسان يقول في نفسه لو علمت أن هذه العقوبة ما فعلت فإن هذا ليس عذراً، لأن الانتهاك للحرمات حصل بفعله المحرم الذي يعلم أنه محرم، ولهذا لو أن شخصاً زنى وهو يعلم تحريم الزنى (وكل مسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>