وأما الحركة المستحبة فهي الحركة لفعل مستحب في الصلاة، كما لو تحرك من أجل استواء الصف، أو رأى فرجة أمامه في الصف المقدم فتقدم نحوها وهو في صلاته، أو تقلص الصف فتحرك ليكمله، أو ما شابه ذلك من الحركات التي يحصل بها فعل مستحب في الصلاة؛ لأن ذلك من أجل إكمال الصلاة، ولهذا لما صلى ابن عباس رضي الله عنهما مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقام عن يساره أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسه من ورائه فجعله عن يمينه.
وأما الحركة المباحة فهي اليسيرة لحاجة، أو الكثيرة للضرورة، أما اليسيرة لحاجة فمثلها فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جدها من أمها، فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها.
وأما الحركة الكثيرة للضرورة فمثالها الصلاة في حال القتال؛ قال الله تعالى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ* فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} . فإن من يصلي وهو يمشي لا شك أن عمله كثير ولكنه لما كان للضرورة كان مباحاً لا يبطل الصلاة.
وأما الحركة المكروهة فهي ما عدا ذلك وهو الأصل في الحركة في الصلاة، وعلى هذا نقول لمن يتحركون في الصلاة إن عملكم مكروه، منقص لصلاتكم، وهذا مشاهد عند كل أحد فتجد الفرد يعبث بساعته، أو بقلمه، أو بغترته، أو بأنفه، أو بلحيته، أو ما أشبه ذلك، وكل ذلك من القسم المكروه إلا أن يكون كثيراً متوالياً فإنه محرم مبطل للصلاة. وأما تقديم إحدى القدمين على الأخرى فهذا أيضًا لا ينبغى، بل السنة أن تكون القدمان متساويتين بل وجميع أقدام المصلين متساوية متحاذية، بل إن تسوية الصفوف أمر واجب لابد منه. وإذا تركه الناس كانوا آثمين عاصين للرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يسوي أصحابه فيمسح صدورهم ومناكبهم، ويقول " لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ". وقد رأى يوماً بعدما عقلوا عنه رجلاً بادياً صدره فقال " عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ". والمهم أن تسوية الصف أمر واجب وهو من مسئوليات الإمام والمأمومين أيضاً فعليه تفقد الصف وتسويته، وعليهم تسوية صفوفهم وتراصهم.