للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكما أن كُفر تارك الصلاة مقتضى الدليل السمعي الأثري، فهو مقتضى الدليل العقلي النظري، فكيف يكون عند الشخص إيمان مع تركه للصلاة التي هي عمود الدين، وجاء من الترغيب في فعلها ما يقتضي لكل عاقل مؤمن أن يقوم بها ويبادر إلى فعلها؟! وجاء من الوعيد على تركها ما يقتضي لكل عاقل مؤمن أن يحذر من تركها وإضاعتها، فتركها مع قيام هذا المقتضى لا يبقي إيماناً مع التارك.

وأما قول الصحابة رضي الله عنهم - فإن جمهورهم بل حكى غير واحد إجماعهم على كفر تارك الصلاة، قال عبد الله بن شقيق " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ". رواه الترمذي والحاكم وصححه على شرطهما، وقال الإمام اسحاق بن راهويه الإمام المعروف " صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر " وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم، إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمدًا من غير عذر حتى يخرج وقتها كافر.

وذكر ابن حزم أنه قد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين -، قال "ولا نعلم لهؤلاء مخالفاً من الصحابة ". نقله عنه المنذري في الترغيب والترهيب، وزاد من الصحابة عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبا الدرداء - رضي الله عنهم - قال ومن غير الصحابة أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، والنخعي، والحكم بن عتيبة، وأيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب وغيرهم، قلت وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وهو أحد قولي الشافعي كما ذكره ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} . وذكر بن القيم في كتابه الصلاة أنه أحد الوجهين في المذهب الشافعي وأن الطحاوي نقله عن الشافعي نفسه.

فإن قيل ما الجواب عما استدل به من لا يرى كفر تارك الصلاة؟ قلنا الجواب عن ذلك أن ما استدل به هؤلاء فإما أن لا يكون فيه دلالة أصلاً، وإما أن يكون مقيداً بوصف لا يتأتى معه ترك الصلاة، وإما أن يكون مقيداً بحال يعذر فيها بترك الصلاة، وإما أن يكون عاماً مخصوصاً بأدلة تكفير تارك الصلاة - فلا تخرج الأدلة التي استدل بها من لا يرى كفر تارك الصلاة عن هذه الأحوال الأربع. وهذه المسألة من أهم المسائل وأعظمها، والواجب على الإنسان أن يتقي الله تعالى في نفسه، وأن يحافظ على الصلاة حتى يكون ممن قال الله فيهم {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>