عنهم قد غسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه، ولو كان حيا حياته الدنيوية ما فعلوا به ما يفعل بغيره من الأموات، ولأن فاطمة رضي الله عنها قد طلبت إرثها من أبيها صلى الله عليه وسلم لاعتقادها بموته، ولم يخالفها في ذلك الاعتقاد أحد من الصحابة، وقد أجابها أبو بكر رضي الله عنه بأن الأنبياء لا يورثون ولأن الصحابة رضي الله عنهم قد اجتمعوا لاختيار خليفة للمسلمين يخلفه، وتم ذلك بعقد الخلافة لأبي بكر رضي الله عنه، ولو كان حيا كحياته في دنياه لما فعلوا ذلك، فهو إجماع منهم على موته، ولأن الفتن والمشاكل لما كثرت في عهد عثمان وعلي رضي الله عنهما، وقبل ذلك وبعده لم يذهبوا إلى قبره لاستشارته أو سؤاله في المخرج من تلك الفتن والمشكلات وطريقة حلها، ولو كان حيا كحياته في دنياه لما أهملوا ذلك وهم في ضرورة إلى من ينقذهم مما أحاط بهم من البلاء.
س٢ هل يسمع النبي صلى الله عليه وسلم كل دعاء ونداء عند قبره الشريف أو صلوات خاصة حين يصلى عليه، كما في الحديث من صلى علي عند قبري سمعته إلى آخر الحديث. أهذا الحديث صحيح أو ضعيف أو موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
ج ٢ الأصل أن الأموات عموما لا يسمعون نداء الأحياء من بني آدم ولا دعاءهم، كما قال تعالى {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} ولم يثبت في الكتاب ولا في السنة الصحيحة ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع كل دعاء أو نداء من البشر حتى يكون ذلك خصوصية له، وإنما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه يبلغه صلاة وسلام من يصلي ويسلم عليه فقط، سواء كان من يصلي عليه عند قبره أو بعيدا عنه كلاهما سواء في ذلك؛ لما ثبت عن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم (أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فنهاه، وقال ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا، وصلوا علي فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم ". أما حديث من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي بعيدا بلغته فهو حديث ضعيف عند أهل العلم وأما ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام " فليس بصريح أنه يسمع سلام المسلم، بل يحتمل أنه يرد عليه إذا بلغته الملائكة ذلك، ولو فرضنا سماعه سلام المسلم لم يلزم منه أن يلحق به غيره من الدعاء والنداء.