للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي بَيْعِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ يُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ قُلْنَا: مَوْرِدُهَا الْعَيْنُ لَمْ يَصِحَّ إيرَادُ عَقْدٍ آخَرَ عَلَيْهَا، أَوْ: الْمَنْفَعَةُ جَازَ.

(الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ فِيمَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُ الْعَقْدِ) وَضْعًا أَوْ عُرْفًا (فَعَلَى الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْحَضَانَةِ حِفْظُ الصَّبِيِّ وَتَعَهُّدُهُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَتَطْهِيرِهِ) مِنْ النَّجَاسَاتِ (وَتَدْهِينِهِ وَتَكْمِيلِهِ وَإِضْجَاعِهِ) فِي الْمَهْدِ وَنَحْوِهِ (وَرَبْطِهِ وَتَحْرِيكِهِ لِلنَّوْمِ) وَنَحْوِهَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِاقْتِضَاءِ اسْمِ الْحَضَانَةِ عُرْفًا لِذَلِكَ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحِضْنِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَهُوَ مَا تَحْتَ الْإِبْطِ وَمَا يَلِيهِ (وَلَا يَسْتَتْبِعُ وَاحِدٌ مِنْ الْإِرْضَاعِ وَالْحَضَانَةِ الْآخَرَ) فِي الْإِجَارَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ (وَلَوْ عَقَدَ عَلَيْهِمَا فَانْقَطَعَ اللَّبَنُ انْفَسَخَ الرَّضَاعُ) بِمَعْنَى الْإِرْضَاعِ أَيْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ (لَا الْحَضَانَةُ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَقْصُودٌ وَيَسْقُطُ قِسْطُ الْإِرْضَاعِ مِنْ الْأُجْرَةِ (وَعَلَى الْمُرْضِعَةِ الْفِدَاءُ بِمَا يُدِرُّهَا) أَيْ يُدِرُّ لَبَنَهَا (وَتُطَالَبُ بِهِ) أَيْ وَلِلْمُكْتَرِي أَنْ يُطَالِبَهَا بِمَا يُدِرُّ لَبَنَهَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قُلْت وَالصَّيْمَرِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: إنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ أَكْلِ مَا يَضُرُّ بِاللَّبَنِ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُهُمْ فِي النَّفَقَاتِ لِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ تَنَاوُلِ مَا يَضُرُّ بِهَا.

(وَالْمُعْتَمَدُ فِي حِبْرِ النُّسَّاخِ، وَخَيْطِ الْخَيَّاطِ، وَصِبْغِ الصَّبَّاغِ، وَذَرُورِ الْكَحَّالِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مَا يُذَرُّ فِي الْعَيْنِ (وَطَلْعِ التَّلْقِيحِ الْعُرْفُ فَإِنْ اخْتَلَفَ) أَوْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى (وَجَبَ) لِصِحَّةِ الْعَقْدِ (ذِكْرُهُ) أَيْ كُلٍّ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ وَلَا يَجِبُ تَقْدِيرُهُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ كَاللَّبَنِ (فَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ) أَيْ ذِكْرَهُ بِأَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُرْفُ (فَشَرَطَهُ بِلَا تَقْدِيرٍ بَطَلَ) الْعَقْدُ لِأَنَّ اللَّفْظَ عِنْدَ تَرَدُّدِ الْعَادَةِ وَعَدَمِ التَّقْيِيدِ يَلْتَحِقُ بِالْمُجْمَلِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّرَهُ وَمَا ذُكِرَ مِنْ اتِّبَاعِ الْعُرْفِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحَيْهِ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وُجُوبُ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْإِجَارَةِ وَأَمْرُ اللَّبَنِ وَنَحْوِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلضَّرُورَةِ وَاسْتَدْرَكَ فِي الْمِنْهَاجِ عَلَيْهِ بِالْأَوَّلِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّ التَّرَدُّدَ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَقْدُ عَلَى الذِّمَّةِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَيْنِ لَمْ يَجِبْ غَيْرُ نَفْسِ الْعَمَلِ وَقَطَعَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى مُدَّةٍ وَجَوَّزَ التَّرَدُّدَ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى عَمَلٍ وَكَالْمَذْكُورَاتِ فِيمَا ذُكِرَ قَلَمُ النُّسَّاخِ وَمِرْوَدُ الْكَحَّالِ وَإِبْرَةُ الْخَيَّاطِ وَنَحْوُهَا.

(فَصْلٌ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا فَحَدَثَ فِيهَا عَيْبٌ يَنْقُصُ الْمَنْفَعَةَ) كَمَيْلِ جِدَارٍ وَكَسْرِ سَقْفٍ وَتَعَسُّرِ فَتْحِ غَلْقٍ (أَوْ قَارَنَ) الْعَيْبُ (الْعَقْدَ) كَأَنْ أَجَّرَ دَارًا لَا بَابَ لَهَا وَلَا مِيزَابَ (وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ) عِنْدَ الْعَقْدِ (فَلَهُ الْخِيَارُ) لِأَنَّ ذَلِكَ مُخِلٌّ بِالِانْتِفَاعِ (إلَّا إنْ بُودِرَ إلَى إصْلَاحِهِ) فَلَا خِيَارَ لَهُ أَمَّا إذَا عَلِمَ بِالْمُقَارِنِ فَلَا خِيَارَ لَهُ مُطْلَقًا وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ مُوَطِّنٌ نَفْسَهُ عَلَى أَنَّ الْمُؤَجِّرَ يُزِيلُهُ وَالضَّرَرُ يَتَجَدَّدُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَفِي إلْزَامِهِ الْبَقَاءَ مَعَ مُصَابَرَةِ الضَّرَرِ عُسْرٌ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ امْتِلَاءِ الْخَلَاءِ ابْتِدَاءً فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُكْتَرِي كَمَا سَيَأْتِي وَلَمْ يَخُصُّوهُ بِحَالَةِ الْجَهْلِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْآخَرَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْجَهْلِ فَلَا إشْكَالَ (وَلَوْ وَكَفَ) أَيْ قَطَرَ سَقْفُ الْبَيْتِ (مِنْ الْمَطَرِ) لِتَرْكِ التَّطْيِينِ (فَلَهُ الْخِيَارُ) لِمَا مَرَّ (فَإِنْ انْقَطَعَ) الْمَطَرُ وَلَمْ يَحْدُثْ بِسَبَبِهِ نَقْصٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (سَقَطَ خِيَارُهُ وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى الْإِصْلَاحِ) لِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ (وَلَوْ قَلَّ كَتَعَسُّرِ) فَتْحِ (الْغَلْقِ) لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِ عَيْنٍ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا الْعَقْدُ وَقِيلَ يُجْبَرُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَلَوْ غُصِبَتْ) .

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

الدَّارِ فَوَجْهَانِ يُتَّجَهُ بِنَاؤُهُمَا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ قَالَ شَيْخُنَا يُجَابُ بِأَنَّ الْخِلَافَ وَإِنْ كَانَ لَهُ فَوَائِدُ لَكِنَّهُ لَيْسَ خِلَافًا مُحَقَّقًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِمَا قَالَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

[الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ وَفِيهِ طَرَفَانِ]

[الطَّرَف الْأَوَّل فِيمَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُ الْعَقْدِ وَضْعًا أَوْ عُرْفًا]

(الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْإِجَارَةِ)

(قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ) وَلَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْوَطْءِ خَوْفُ الْإِحْبَالِ.

(قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ فِي حِبْرِ النُّسَّاخِ إلَخْ) فِي مَعْنَى مَا ذُكِرَ مَرْهَمُ الْجَرَائِحِيِّ وَصَابُونُ وَمَاءُ الْغَسَّالِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَأَمَّا الْأَقْلَامُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا عَلَى النَّاسِخِ كَإِبْرَةِ الْخَيَّاطِ لِلْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ بِهَا.

(تَنْبِيهٌ) : إذَا أَوْجَبْنَا الْخَيْطَ عَلَى الْخَيَّاطِ، أَوْ الصِّبْغَ عَلَى الصَّبَّاغِ فَهَلْ نَقُولُ إنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ يَمْلِكُ مِلْكَ الْأَعْيَانِ حَتَّى يَتَصَرَّفَ فِي الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ تَصَرُّفًا وَارِدًا عَلَى الثَّوْبِ وَالصِّبْغِ مَعًا، أَوْ أَنَّ الْأَجِيرَ أَتْلَفَهَا عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ الْمَاءُ الَّذِي لِلْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مَالِكِ الْأَرْضِ وَيَنْتَفِعُ الْمُسْتَأْجِرُ بِسَقْيِهِ وَمِثْلُهُ اللَّبَنُ وَالْكُحْلُ وَحَطَبُ الْخَبَّازِ، وَأَمَّا الْخَيْطُ وَالصِّبْغُ

فَالضَّرُورَةُ

تُحْوِجُ إلَى تَقْدِيرِ نَقْلِ الْمِلْكِ قَالَهُ السُّبْكِيُّ قَالَ الْغَزِّيِّ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ السُّبْكِيُّ إذَا أَوْجَبْنَا الْخَيْطَ وَالصِّبْغَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فَهَلْ نَقُولُ: إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَمْلِكُ حَتَّى يَتَصَرَّفَ فِيهِ كَالثَّوْبِ، أَوْ إنَّ الْمُؤَجِّرَ أَتْلَفَهُ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ، أَوْ كَيْفَ الْحَالُ وَقَرِيبٌ مِنْهُ الْكَلَامُ فِي مَاءِ الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلزَّرْعِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ لِنَفْسِهِ وَفِي اللَّبَنِ وَالْكُحْلِ كَذَلِكَ وَأَمَّا الْخَيْطُ وَالصِّبْغُ فَالضَّرُورَةُ تُحْوِجُ إلَى تَقْدِيرِ نَقْلِ الْمِلْكِ وَأَلْحَقُوا بِمَا تَقَدَّمَ الْحَطَبَ الَّذِي يَقُدُّهُ الْخَبَّازُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَتْلَفُ عَلَى مِلْكِهِ. اهـ. وَقَوْلُهُ: يَمْلِكُهُ حَتَّى يَتَصَرَّفَ فِيهِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إلَخْ قَالَ شَيْخُنَا وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّ الْأَجِيرَ عَلَى صَبْغِ الثَّوْبِ بَائِعٌ لِصِبْغِهِ وَحِينَئِذٍ فَيَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّ هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ لَا سِيَّمَا وَالْمَبِيعُ مَجْهُولُ الْعَيْنِ وَالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا تَابِعٌ كَاللَّبَنِ فَإِنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْإِجَارَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ وَأَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ وَالْعَيْنِ.

[فَصْلٌ اسْتَأْجَرَ دَارًا فَحَدَثَ فِيهَا عَيْبٌ يَنْقُصُ الْمَنْفَعَةَ]

(قَوْلُهُ: وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ امْتِلَاءِ الْخَلَاءِ إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ اسْتِيفَاءَ مَنْفَعَةِ السُّكْنَى يَكَادُ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى تَفْرِيغِ الْخَلَاءِ بِخِلَافِ مَا هُنَا وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ قَدْ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِدُونِ إزَالَةِ الْكُنَاسَةِ وَالرَّمَادِ بِخِلَافِ تَنْقِيَةِ الْبَالُوعَةِ وَالْحَشِّ (قَوْلُهُ: وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى الْإِصْلَاحِ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ الْمَالِكُ مَا لَوْ أَجَّرَ مِلْكَ مَحْجُورِهِ أَوْ وَقْفًا لِنَظَرِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَعْمُرْهُ لِفَسْخِ الْمُسْتَأْجِرِ وَتَعَطُّلِ وَتَضَرُّرِ الْمَحْجُورِ، أَوْ مُسْتَحِقِّ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْعِمَارَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>