للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهَادَتُهُمَا إذْ لَا مَانِعَ وَلَوْ حَذَفَ رُدَّتْ الْأُولَى كَانَ أَوْلَى (وَإِنْ) شَهِدَا بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ بِمَا ذُكِرَ فِي الثَّانِيَةِ وَ (لَمْ يُعَيِّنَا) فِي شَهَادَتِهِمَا بِالْإِقْرَارِ بِالشُّرْبِ أَنَّ الْمُقِرَّ عَيَّنَ (وَقْتًا) لِلشُّرْبِ (سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ وَعُمِلَ بِمَا يَقْتَضِيهِ) تَعْيِينُهُ (وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى خَصْمِهِ ثُمَّ قَالَ) لِلْقَاضِي (لَا تَحْكُمْ بِبَيِّنَتِي حَتَّى تُحَلِّفَهُ) بَطَلَتْ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ كَالْمُعْتَرِفِ بِأَنَّهَا مِمَّا لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهَا (قَالَ النَّوَوِيُّ قُلْت) هَذَا مُشْكِلٌ فَقَدْ يَقْصِدُ تَحْلِيفَهُ لِيُقِيمَ بَعْدَهُ الْبَيِّنَةَ وَيُظْهِرَ إقْدَامَهُ عَلَى يَمِينٍ فَاجِرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ الَّتِي لَا تَقْتَضِي قَدْحًا فِي الْبَيِّنَةِ فَحِينَئِذٍ (يَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْطُلَ) بَيِّنَتُهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هَذَا كَلَامُ مَنْ سَبَقَ فَهْمُهُ إلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَهِيَ مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا قَالَهُ بَعْدَهَا فَتَبْطُلُ بِمَا أَيَّدَاهُ مِنْ الْفَائِدَةِ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ كَمَا قَالَ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ مِنْ بُطْلَانِ الْبَيِّنَةِ إنَّمَا نَقَلَهُ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَفِيهِ خَلَلٌ وَاَلَّذِي فِيهَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي الْبَيِّنَةِ انْتَهَى وَمَعَ ذَلِكَ فَكَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بَاقٍ بِحَالِهِ (وَلَوْ قَالَ) الْخَصْمُ (لِلْقَاضِي قَدْ حَلَّفْتنِي لَهُ) مَرَّةً عَلَى مَا ادَّعَاهُ بِطَلَبِهِ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفِي (وَلَمْ يَذْكُرْ) الْقَاضِي تَحْلِيفَهُ (حَلَّفَهُ وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَاضِيَ مَتَى تَذَكَّرَ حُكْمَهُ أَمْضَاهُ وَإِلَّا فَلَا يَعْتَمِدُ بَيِّنَةً (فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) لِلْقَاضِي (قَدْ حَلَّفَنِي عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ) أَوْ أَطْلَقَ (فَحَلِّفْهُ) أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْنِي (مُكِّنَ) مِنْهُ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ وَقَوْلِي أَوْ أَطْلَقَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ يَسْتَفْسِرُهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ قَدْ يُحَلِّفُهُ وَيَظُنُّ أَنَّهُ كَتَحْلِيفِ الْقَاضِي لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ خَصْمُهُ لَا يَتَفَطَّنُ لِذَلِكَ (وَلَا يَسْمَعُ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ الْمُدَّعِي) بِأَنْ قَالَ لَا أَحْلِفُ فَقَدْ حَلَّفَنِي عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ أَنَّنِي مَا حَلَّفْته فَحَلِّفْهُ أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْنِي لِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ (فَإِنْ) أَقَامَ بَيِّنَةً تَخَلَّصَ عَنْ الْخُصُومَةِ وَإِنْ (اسْتَمْهَلَ فِي) إقَامَةِ (الْبَيِّنَةِ أُمْهِلَ ثَلَاثًا) مِنْ الْأَيَّامِ عَلَى قِيَاسِ الْبَيِّنَاتِ الدَّوَافِعِ (فَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا حَلَفَ أَنَّهُ مَا حَلَّفَهُ ثُمَّ يُطَالِبُهُ) بِالْحَلِفِ وَقَوْلُ الْأَصْلِ ثُمَّ يُطَالَبُ بِالْمَالِ سَبْقُ قَلَمٍ لِأَنَّ دَعْوَى الْمَالِ تَقَدَّمَتْ وَلَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ مَالٌ بَعْدُ نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْبُلْقِينِيِّ.

(وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينَ الرَّدِّ) وَسَقَطَتْ الدَّعْوَى (لَا يَمِينَ الْأَصْلِ إلَّا بِدَعْوَى أُخْرَى) لِأَنَّهُمَا الْآنَ فِي غَيْرِ الدَّعْوَى الْأُولَى قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَفَقُّهًا فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِئْنَافِ الدَّعْوَى حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَاسْتَحَقَّ انْتَهَى وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافِ الدَّعْوَى نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْبَغَوِيّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ مَرْدُودٌ إذْ لَا وَجْهَ لِإِبْطَالِ الدَّعْوَى الْأُولَى بِالْعَارِضِ الَّذِي زَالَ حُكْمُهُ وَلِي بِمَا قَالَهُ أُسْوَةٌ (وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى شَخْصٍ (مَالًا فَحَلَفَ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُهُ) إلَيْهِ (ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ ادَّعَاهُ) عَلَيْهِ (وَقَالَ) لَهُ حَلَفْت يَوْمَئِذٍ لِأَنَّك (كُنْت مُعْسِرًا) لَا يَلْزَمُك تَسْلِيمُ شَيْءٍ إلَيَّ (وَالْيَوْمَ يَلْزَمُك) لِأَنَّك قَدْ أَيْسَرْت (سُمِعَتْ) دَعْوَاهُ لِإِمْكَانِهَا وَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (مَا لَمْ تَتَكَرَّرْ) فَإِنْ تَكَرَّرَتْ لَمْ تُسْمَعْ لِظُهُورِ تَعَنُّتِهِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (تَأْخِيرُ الْيَمِينِ) أَيْ يَمِينُ خَصْمِهِ وَتَحْلِيفِهِ إيَّاهَا (بِالدَّعْوَى السَّابِقَةِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنْهَا (وَلَغَتْ يَمِينُ) الْخَصْمِ (قَبْلَ طَلَبِ الْمُدَّعِي) لَهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَقَدْ يُقَالُ لَا تَلْغُو إذَا حَلَّفَهُ الْقَاضِي لِكَوْنِهِ ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ أَنَّهُ يُرِيدُ التَّحْلِيفَ وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْهُ لِجَهْلٍ أَوْ عِيٍّ (وَإِنْ أَبْرَأَهُ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْيَمِينِ (لَمْ يُحَلِّفْهُ إلَّا بِتَجْدِيدِ دَعْوَى) لِسُقُوطِ حَقِّهِ مِنْهَا فِي الدَّعْوَى الْأُولَى قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الْعِرَاقِيِّينَ الْآتِي بَيَانُهُ فِي نُكُولِ الْمُدَّعِي عَنْ يَمِينِ الرَّدِّ أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْمَرَاوِزَةِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا تَسُوغُ لَهُ الدَّعْوَى ثَانِيًا انْتَهَى وَيَفْرُقُ بِأَنَّ إبْرَاءَهُ عَنْ الْيَمِينِ لَا يَقْتَضِي إسْقَاطَ الْحَقِّ فَسَاغَ لَهُ تَجْدِيدُ الدَّعْوَى بِهِ بِخِلَافِ نُكُولِهِ عَنْ يَمِينِ الرَّدِّ فِيمَا يَأْتِي ثَمَّ

(الْبَابُ الرَّابِعُ فِي النُّكُولِ) (لَا يُقْضَى لَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (بِنُكُولِ خَصْمِهِ) عَنْ الْيَمِينِ (بَلْ يَرُدُّهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ) لِيَحْلِفَ لِتَحَوُّلِ الْحَلِفِ إلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى طَالِبِ الْحَقِّ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَلِأَنَّ نُكُولَ الْخَصْمِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَوَرُّعًا عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَحَرُّزًا عَنْ الْكَاذِبَةِ فَلَا يُقْضَى بِهِ مَعَ التَّرَدُّدِ فَرُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعِي (وَيَعْرِفُ اسْتِحْقَاقَهُ بِهَا) لِمَا ادَّعَاهُ (إنْ جَهِلَ) تَحَوُّلَهَا إلَيْهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ بِهَا.

(فَإِنْ حَلَفَ بَعْدَ أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي لَا قَبْلَهُ قُضِيَ لَهُ) وَإِنَّمَا يُرَدُّ الْيَمِينُ إذَا كَانَ الْحَقُّ لِمُعَيَّنٍ وَالنُّكُولُ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي (احْلِفْ أَوْ قُلْ وَاَللَّهِ) أَوْ بِاَللَّهِ (لَا) أَنْ يَقُولَ لَهُ (أَتَحْلِفُ بِاَللَّهِ فَيَقُولُ لَا أَوْ يَقُولُ أَنَا نَاكِلٌ)

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْطُلَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ إنَّمَا نَقَلَهُ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ إلَخْ) لَفْظُهَا إذَا قَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ وَطَلَبَ تَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ عَلَى الْحَاكِمِ تَحْلِيفُهُ قَالَ الْقَفَّالُ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ تَحْلِيفُهُ بَلْ يَقُولُ احْضِرْ الْبَيِّنَةَ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ حَاضِرَةً أَيْ فِي الْمَجْلِسِ فَقَالَ حَلِّفْهُ لَعَلَّهُ يُقِرَّ فَلَا يَجُوزُ وَجْهًا وَاحِدًا وَكَذَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً فَقَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ قَالَ لَا تَحْكُمُ بِشَيْءٍ حَتَّى تُحَلِّفَهُ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ بَيِّنَتَهُ بَاطِلَةٌ قُلْت وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ لَا تَحْكُمُ بِشَيْءٍ حَتَّى تُحَلِّفَهُ لَا يَقْدَحُ فِي الْبَيِّنَةِ غ (قَوْلُهُ وَقَوْلُ الْأَصْلِ ثُمَّ يُطَالِبُ بِالْمَالِ سَبْقِ قَلَمٍ) لَيْسَ بِسَبْقِ قَلَمٍ بَلْ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ إذْ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ عُهْدَةِ الْمُطَالَبَةِ بِالْمَالِ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِ حَلَّفَنِي الْمُدَّعِي مَرَّةً (قَوْلُهُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْبَغَوِيّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْمَرَاوِزَةِ) وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَاهُ

[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي النُّكُولِ فِي الْيَمِينِ]

(الْبَابُ الرَّابِعُ فِي النُّكُولِ) (قَوْلُهُ أَنَا نَاكِلٌ أَوْ نَكَلَتْ) فَلَوْ قَالَ لَا أَحْلِفُ وَأَعْطَى الْمَالَ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُدَّعِي الْقَبُولُ مِنْ غَيْرِ إقْرَارِهِ وَلَهُ تَحْلِيفُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَدَّعِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ نَكَلَ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي الْحَلِفَ فَقَالَ لَا تَحْلِفْ وَأَنَا أُعْطِيك الْمَالَ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ اسْتِرْدَادَهُ فَيَقُولُ لَهُ الْحَاكِمُ إمَّا أَنْ تُقِرَّ بِالْحَقِّ أَوْ حَلِفَ الْمُدَّعِي

<<  <  ج: ص:  >  >>