للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهُ {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: ٦١] أَيْ أَسْكَنَكُمْ مُدَّةَ أَعْمَارِكُمْ وَالرُّقْبَى مِنْ الرُّقُوبِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ.

(فَرْعٌ) لَوْ (جَعَلَ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ دَارِهِ لِلْآخَرِ عُمُرَهُ عَلَى أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَهُ عَادَتْ إلَى صَاحِبِ الدَّارِ، أَوْ غَيْرِهِ صَحَّتْ) أَيْ الصِّيغَةُ لِمَا مَرَّ (وَهِيَ رُقْبَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَوْ بَاعَ بِصُورَةِ الْعُمْرَى) فَقَالَ مَلَّكْتُكَهَا بِعِشْرَةِ عُمُرِكَ (لَمْ يَصِحَّ) لِتَطَرُّقِ الشَّرْطِ إلَى جَهَالَةِ الثَّمَنِ وَقِيلَ تَصِحُّ كَالْعُمْرَى وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ بَلْ قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ (وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا) أَيْ الْعُمْرَى وَفِي نُسْخَةٍ تَعْلِيقُ الْعُمْرَى كَقَوْلِهِ إذَا مَاتَ فُلَانٌ، أَوْ قَدِمَ، أَوْ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ فَهِيَ لَك عُمُرَك (فَإِنْ عَلَّقَهَا بِمَوْتِهِ) فَقَالَ إذَا مِتّ فَهَذِهِ الدَّارُ لَك عُمُرَك فَإِذَا مِتّ فَهِيَ لِوَرَثَتِك، أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى: فَهَذِهِ الدَّارُ لَك عُمُرَك، أَوْ زَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ فَإِذَا مِتّ عَادَتْ إلَيَّ، أَوْ إلَى وَرَثَتِي إنْ مِتّ (فَوَصِيَّةٌ) تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ (وَلَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ حُكْمُ) الْعَقْدِ (الْمُنَجَّزِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ) فَتَصِحُّ.

(الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمَوْهُوبُ فَمَا جَازَ بَيْعُهُ) مِنْ الْأَعْيَانِ (جَازَتْ هِبَتُهُ) وَأَوْلَى؛ لِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ (وَمَا لَا) يَجُوزُ بَيْعُهُ كَمَجْهُولٍ وَضَالٍّ (فَلَا) يَجُوزُ هِبَتُهُ بِجَامِعِ أَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ وَهَذَا (فِي الْغَالِبِ، وَقَدْ يَخْتَلِفَانِ) كَمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ ثَمَرَةُ الْبَائِعِ بِثَمَرَةِ الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَيَجُوزُ هِبَتُهَا لِلْآخَرِ وَكَالْأُضْحِيَّةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ لَحْمِهَا وَيَجُوزُ هِبَتُهُ وَكَالْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا تَجُوزُ هِبَتُهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الصُّلْحِ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ وَكَحَبَّتَيْ الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا عَلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا وَتَجُوزُ هِبَتُهُمَا لِانْتِفَاءِ الْمُقَابِلِ فِيهَا لَكِنْ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: إنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ أَوْ وَهْمٌ فَفِي الرَّافِعِيِّ فِي تَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ أَنَّ مَا لَا يُتَمَوَّلُ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ وَزَبِيبَةٍ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ مَا فِي الْمِنْهَاجِ.

إذْ لَا مَحْذُورَ فِي الْمُتَصَدِّقِ بِتَمْرَةٍ أَوْ شِقِّهَا كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ فَكَذَا الْهِبَةُ انْتَهَى وَقَدْ يُقَالُ التَّصَدُّقُ بِذَلِكَ بِمَعْنَى نَقْلِ الْيَدِ عَنْهُ لَا تَمْلِيكِهِ لِعَدَمِ تَمَوُّلِهِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هِبَتِهِ بِمَعْنَى تَمْلِيكِهِ وَقَدْ مَالَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى نَقْلِ الْيَدِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ هِبَتُهُ (فَتَجُوزُ هِبَةُ أَرْضٍ مَزْرُوعَةٍ مَعَ زَرْعِهَا وَ) هِبَةُ (أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَوْ قَبْلَ) بُدُوِّ (الصَّلَاحِ) وَلَوْ (بِلَا شَرْطِ قَطْعٍ) ذِكْرُ عَدَمِ شَرْطِ الْقَطْعِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَهُوَ إنْ صَحَّ إنَّمَا يَصِحُّ فِي هِبَةِ الزَّرْعِ وَحْدَهُ (وَ) تَجُوزُ (هِبَةُ مُشَاعٍ) وَإِنْ كَانَ (لَا يَنْقَسِمُ) كَعَبْدٍ (وَ) هِبَةُ (مَغْصُوبٍ لِقَادِرٍ) عَلَى انْتِزَاعِهِ (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) عَلَيْهِ (فَوَجْهَانِ) رَجَّحَ مِنْهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ الْمَنْعَ كَالْبَيْعِ.

(فَإِنْ وَكَّلَ الْمُتَّهِبُ) لِلْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةِ، أَوْ الْمَغْصُوبَةِ (الْمُسْتَعِيرَ، أَوْ الْغَاصِبَ) لَهَا (فِي الْقَبْضِ) مِنْ نَفْسِهِ (وَقَبِلَ) الْوَكَالَةَ بِأَنْ لَمْ يَرُدَّهَا صَحَّ (أَوْ) إذَا (مَضَتْ مُدَّةٌ يَتَأَتَّى فِيهَا) الْقَبْضُ (قَالَ) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ مَلَكَهُ، (وَبَرِئَا) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ، وَالْغَاصِبُ (مِنْ الضَّمَانِ، وَقَاعِدَتُهُمْ فِي الْقَبْضِ) مِنْ عَدَمِ جَوَازِ اتِّحَادِ الْقَابِضِ، وَالْمُقْبِضِ (تُخَالِفُهُ) وَأَجَابَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّهَا لَا تُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ فِي قَبْضٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى إقْبَاضِ مُقْبِضٍ بِأَنْ يَكُونَ الْحَقُّ فِي الذِّمَّةِ لَا مُعَيَّنًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ الْوَاهِبُ فِي الْقَبْضِ مِنْ نَفْسِهِ صَحَّ وَجَزَمَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ بِالْبُطْلَانِ لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ انْتَهَى.

، وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَأْذَنَ الْوَاهِبُ لِلْمُتَّهِبِ فِي الْقَبْضِ مِمَّنْ ذُكِرَ وَيُوَكِّلَهُ الْمُتَّهِبُ فِي الْقَبْضِ لَا أَنْ يَأْذَنَ الْوَاهِبُ لِمَنْ ذُكِرَ فِي الْإِقْبَاضِ وَيُوَكِّلَهُ الْمُتَّهِبُ فِي الْقَبْضِ (وَلَوْ وَهَبَ مَرْهُونًا وَكَلْبًا) وَلَوْ مُعَلَّمًا (وَخَمْرًا) وَلَوْ (مُحْتَرَمَةً وَجِلْدَ مَيْتَةٍ قَبْلَ دَبْغِهِ لَمْ يَصِحَّ) كَالْبَيْعِ (وَهِبَةُ الدَّيْنِ) لِلْمَدِينِ (إبْرَاءٌ) لَهُ مِنْهُ (لَا تَحْتَاجُ قَبُولًا) نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَتَرْكُهُ لَهُ كِنَايَةُ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[فَرْعٌ تَعْلِيقُ الْعُمْرَى]

قَوْلُهُ: فَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ هِبَتُهُ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ اسْتَوْلَدَ الرَّاهِنُ الْأَمَةَ الْمَرْهُونَةَ أَوْ أَعْتَقَهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا لِلضَّرُورَةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ هِبَتُهَا لَا مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَمَجْهُولٍ إلَخْ) يُسْتَثْنَى مِنْ الْمَجْهُولِ مَا سُومِحَ بِهِ فِي مَوَاضِعَ كَاخْتِلَاطِ الثِّمَارِ، وَالْحِجَارَةِ الْمَدْفُونَةِ وَالصَّبْغِ فِي الْغَصْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَفِي فَرَائِضِ الرَّافِعِيِّ: لَوْ اصْطَلَحَ الَّذِينَ وُقِفَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى تَسَاوٍ، أَوْ تَفَاوُتٍ جَازَ وَلَا بُدَّ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَهُمْ تَوَاهُبٌ وَهَذَا التَّوَاهُبُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ جَهْلٍ لَكِنْ يَحْتَمِلُ لِلضَّرُورَةِ فَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضُهُمْ نَفْسَهُ مِنْ الْبَيْنِ وَوُهِبَ لَهُمْ عَلَى جَهْلٍ بِالْحَالِ جَازَ قَالَ الْإِمَامُ وَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ الْهِبَةِ فَلَوْ كَانَ فِيهِمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ كَزَوْجَةٍ صَغِيرَةٍ صَالَحَ عَنْهَا وَلِيُّهَا وَلَا يَجُوزُ نَقْصُهَا عَمَّا بِيَدِهَا فَلَوْ كَانَتْ إحْدَى ثَمَانٍ فَلَيْسَ لَهُ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمَوْقُوفِ اهـ وَمِنْ هَذَا اخْتِلَاطُ حَمَامِ الْبُرْجَيْنِ وَاخْتِلَاطُ الصُّبْرَتَيْنِ، وَالْمَائِعَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَوْ قَالَ أَنْت فِي حِلٍّ مِمَّا تَأْخُذُ مِنْ مَالِي، أَوْ تُعْطِي أَوْ تَأْكُلُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ دُونَ الْأَخْذِ، وَالْإِعْطَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ إبَاحَةٌ وَهِيَ تَصِحُّ مَجْهُولَةً بِخِلَافِهِمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ قَالَ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ اُدْخُلْ كَرْمِي وَخُذْ مِنْ الْعِنَبِ مَا شِئْت لَا يَزِيدُ عَلَى عُنْقُودٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَاسْتُشْكِلَ، وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَوْ قَالَ اُدْخُلْ بُسْتَانِي وَأَبَحْت لَك أَنْ تَأْخُذَ مِنْ ثِمَارِهِ مَا شِئْت كَانَ إبَاحَةً (قَوْلُهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ) حَيْثُ قَالَ إنَّ إيرَادَ الْهِبَةِ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ مُمْتَنِعٌ (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَتَجُوزُ هِبَتُهَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ قَالَ فِي الدَّقَائِقِ بِلَا خِلَافٍ.

(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى نَقْلِ الْيَدِ عَنْهُ إلَخْ) كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ فِي أَوَّلِ الدَّعَاوَى صَرِيحٌ فِي جَوَازِ التَّمَلُّكِ كَمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ الْمُعْتَضِدُ بِالدَّلِيلِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ الصَّدَقَةُ بِتَمْرَةٍ وَهِيَ نَوْعٌ مِنْ الْهِبَةِ (قَوْلُهُ: فَتَجُوزُ هِبَةُ أَرْضٍ مَزْرُوعَةٍ إلَخْ) قَالَ الْجُرْجَانِيُّ حُكْمُ الْهِبَةِ فِي الِاسْتِتْبَاعِ حُكْمُ الْبَيْعِ فَمَا تُبِعَ فِيهِ تُبِعَ فِيهَا (قَوْلُهُ: رَجَّحَ مِنْهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ الْمَنْعَ) وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: وَأَجَابَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّهَا لَا تُخَالِفُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ: وَجَزَمَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ بِالْبُطْلَانِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ كَالْبَيْعِ) أَمَّا هِبَةُ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ عَلَى إرَادَةِ نَقْلِ الْيَدِ لَا التَّمْلِيكِ فَجَائِزَةٌ (قَوْلُهُ: وَهِبَةُ الدَّيْنِ إبْرَاءٌ لَا تَحْتَاجُ قَبُولًا) مِثْلُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>