للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَطْعُ الْمَرْفِقِ (فَمَاتَ) سِرَايَةً (قُطِعَ مَرْفِقُهُ، وَقُتِلَ) بَعْدَهُ لِيَرُدَّ الْحَدِيدَةَ عَلَى مُورِدِهَا فِي الْجِنَايَةِ، وَلَا عِبْرَةَ بِزِيَادَةِ الْكَفِّ الْهَالِكَةِ بِهَلَاكِ النَّفْسِ (فَإِنْ قَطَعَهُ) أَيْ مَرْفِقَهُ (وَعَفَا) عَنْهُ وَلِيُّ الْمَقْطُوعِ (بِمَالٍ فَنِصْفُ دِيَةٍ) تَجِبُ لِلْعَافِي (إلَّا أَرْشَ سَاعِدٍ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى كَفًّا وَسَاعِدًا، وَصَوَّرَ الْأَصْلُ الْمَسْأَلَةَ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ وَحَكَمَ عَلَيْهَا بِمَا يَلِيقُ بِالتَّصْوِيرِ، وَالْكُلُّ صَحِيحٌ.

(وَإِنْ مَاتَ مَقْطُوعُ يَدٍ) سِرَايَةً، وَقَدْ (اقْتَصَّ) هُوَ مِنْ الْجَانِي (فَلِوَلِيِّهِ حَزُّ الْجَانِي، أَوْ نِصْفُ دِيَةٍ إنْ عَفَا) عَنْ النَّفْسِ بِالْبَدَلِ، وَالْيَدُ الْمُسْتَوْفَاةُ مُقَابَلَةٌ بِالنِّصْفِ (فَإِنْ عَفَا وَالْمَقْطُوعُ) مِنْهُ (يَدَانِ فَلَا شَيْءَ) لَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ الدِّيَةَ بِقِصَاصِ الْيَدَيْنِ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ عِنْدَ التَّسَاوِي دِيَةً كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ. فَلَوْ قَطَعَ ذِمِّيٌّ يَدَ مُسْلِمٍ، أَوْ يَدَيْهِ فَاقْتَصَّ مِنْهُ وَمَاتَ الْمُسْلِمُ سِرَايَةً وَعَفَا وَلِيُّهُ عَنْ النَّفْسِ بِالْبَدَلِ فَلَهُ فِي الْأُولَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ دِيَةِ مُسْلِمٍ وَفِي الثَّانِيَةِ ثُلُثَاهَا (وَلَوْ مَاتَا) بَعْدَ الِاقْتِصَاصِ سِرَايَةً (مَعًا، أَوْ سَبَقَ الْمُقْتَصُّ) الْجَانِي فَقَدْ (اسْتَوْفَى) حَقَّهُ مِنْ الْجَانِي بِالْقَطْعِ وَالسِّرَايَةِ (وَلَوْ سَبَقَهُ الْجَانِي، وَالْمَقْطُوعَةُ يَدٌ النِّصْفَ الدِّيَةَ) يَجِبُ لَهُ (فِي تَرِكَةِ الْجَانِي) ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَسْبِقُ الْجِنَايَةَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي مَعْنَى السَّلَمِ فِي الْقِصَاصِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ. قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمُوضِحَةِ وَجَبَ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الدِّيَةِ، وَنِصْفُ عُشْرِهَا، وَقَدْ أُخِذَ بِقِصَاصِ الْمُوضِحَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ.

(فَرْعٌ) لَوْ (قَتَلَ) شَخْصٌ (قَاطِعَ يَدِهِ وَمَاتَ) بِالسِّرَايَةِ (حَصَلَ التَّقَاصُّ) هَذَا بِخِلَافِ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ أَنَّ التَّقَاصَّ إنَّمَا يَجْرِي فِي النُّقُودِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ أَوَائِلَ الْبَابِ مَعَ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِهِ، وَلَيْتَهُ بَعْدَ أَنْ عَبَّرَ بِهِ عَبَّرَ بِالتَّقَاصِّ بِالْإِدْغَامِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْقِصَاصِ فَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ وَوَافَقَ قَوْلَ الْأَصْلِ صَارَ قِصَاصًا (وَإِنْ انْدَمَلَ) الْقَطْعُ (قُتِلَ) قِصَاصًا (وَلَهُ دِيَةُ يَدِهِ) فِي تَرِكَةِ الْجَانِي.

(فَرْعٌ) لَوْ (قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ، وَقَتَلَ آخَرَ ثُمَّ مَاتَ الْمَقْطُوعُ بِالسِّرَايَةِ قُطِعَ) الْجَانِي بِالْمَقْطُوعِ (ثُمَّ قُتِلَ بِالْآخَرِ وَبَقِيَ لِلْمَقْطُوعِ نِصْفُ الدِّيَةِ) فِي تَرِكَةِ الْجَانِي، وَإِنَّمَا قُتِلَ بِالْآخَرِ دُونَ الْمَقْطُوعِ مَعَ أَنَّهُ مَاتَ أَيْضًا بِالسِّرَايَةِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِلْمَقْطُوعِ وَجَبَ بِالسِّرَايَةِ، وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ وُجُوبِهِ لِلْمَقْتُولِ (فَإِنْ مَاتَ) الْجَانِي (بِسِرَايَةٍ الْقَطْعِ) فَقَدْ (اسْتَوْفَى) قَاطِعُهُ حَقَّهُ (وَلِلْمَقْتُولِ) فِي تَرِكَتِهِ (الدِّيَةُ) .

[فَصْلٌ التَّرَاضِي مِنْ الْقَاطِعِ وَالْمَقْطُوعِ بِقَطْعِ عُضْوٍ عَنْ آخَرَ]

(فَصْلٌ: التَّرَاضِي) مِنْ الْقَاطِعِ وَالْمَقْطُوعِ (بِقَطْعِ) عُضْوٍ عَنْ آخَرَ كَقَطْعِ (الْيَسَارِ عَنْ الْيَمِينِ فَاسِدٌ فَيَأْثَمَانِ) بِذَلِكَ عِنْدَ الْعِلْمِ بِفَسَادِهِ لَكِنْ لَا قِصَاصَ فِي الْيَسَارِ لِشُبْهَةِ الْبَدَلِ (وَيَضْمَنُ الْقَاطِعُ) لَهَا دِيَتَهَا (وَيَسْقُطُ قِصَاصُ الْيَمِينِ إلَى الدِّيَةِ) بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِهِ عَفْوٌ عَنْ قَطْعِهَا بِخِلَافِ الصُّلْحِ الْفَاسِدِ عَنْ الْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ مَا جَعَلَهُ عِوَضًا هُنَا، وَهُوَ قَطْعُ الْيَسَارِ قَدْ حَصَلَ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ بَدَلًا فِي الْحُكْمِ بِخِلَافِ عِوَضِ الصُّلْحِ (وَيُعَزَّرُ) كُلٌّ مِنْ قَاطِعِ الْيَسَارِ وَمُخْرَجِهَا عِنْدَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ (وَإِنْ طَلَبَ الْمُقْتَصُّ يَمِينَهُ فَأَخْرَجَ) لَهُ (يَسَارَهُ عَالِمًا) ، أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ فِيمَا يَظْهَرُ (أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ) عَنْ الْيَمِينِ (بِنِيَّةِ الْإِبَاحَةِ) لَهَا (أُهْدِرَتْ وَأُهْدِرَ إنْ مَاتَ) سِرَايَةً؛ لِأَنَّهُ بَذَلَهَا مَجَّانًا، وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ فِعْلُ الْإِخْرَاجِ مَقْرُونًا بِالنِّيَّةِ فَكَانَ كَالنُّطْقِ، وَهَذَا (كَمَنْ قَالَ أَعْطِنِي مَالِك لِأُلْقِيَهُ فِي الْبَحْرِ، أَوْ طَعَامَك لِآكُلَهُ فَنَاوَلَهُ) لَهُ، وَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ، أَوْ أَكَلَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (وَلَيْسَ عَدَمُ الدَّفْعِ) ، وَلَوْ (مِنْ الْقَادِرِ إبَاحَةً) فَلَوْ قَطَعَ يَدَ غَيْرِهِ ظُلْمًا فَلَمْ يَدْفَعْهُ وَسَكَتَ حَتَّى قَطَعَهَا وَجَبَ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ لَفْظٌ، وَلَا فِعْلٌ فَصَارَ كَسُكُوتِهِ عَنْ إتْلَافِ مَالِهِ (وَلَا يَسْقُطُ) بِقَطْعِ الْيَسَارِ مَعَ نِيَّةِ الْإِبَاحَةِ (قِصَاصُ الْيَمِينِ إلَّا إنْ مَاتَ) الْمُبِيحُ (أَوْ قَالَ الْقَاطِعُ) لِلْيَسَارِ (ظَنَنْتهَا تُجْزِئُ) عَنْ الْيَمِينِ، أَوْ عَلِمْت أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ عَنْهَا لَكِنْ جَعَلْتهَا عِوَضًا عَنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ (فَتَجِبُ دِيَتُهَا) فِيهِمَا (لَا دِيَةُ الْيَسَارِ) ؛ لِأَنَّهَا، وَقَعَتْ هَدَرًا، وَإِنَّمَا سَقَطَ قِصَاصُ الْيُمْنَى فِي الْأُولَى لِتَعَذُّرِهِ بِالْمَوْتِ وَفِي الثَّانِيَةِ لِرِضَا الْمُقْتَصِّ بِسُقُوطِهِ اكْتِفَاءً بِالْيَسَارِ (وَعَلَى الْمُبِيحِ الْكَفَّارَةُ) إنْ مَاتَ سِرَايَةً (كَقَاتِلِ نَفْسِهِ) ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ عَلَى الْمُبَاشِرِ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ حَصَلَتْ بِقَطْعٍ يُسْتَحَقُّ مِثْلُهُ وَبِهَذَا فَارَقَ مَا سَيَأْتِي فِي الطَّرَفِ الثَّانِي مِنْ الْبَابِ الْآتِي -

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: اقْتَصَّ هُوَ) أَيْ أَوْ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَفَا وَالْمَقْطُوعُ مِنْهُ يُدَانِ فَلَا شَيْءَ) ، وَلَوْ قَطَعَ الْوَلِيُّ يَدَ الْجَانِي وَعَفَا عَنْ الْبَاقِي بِالدِّيَةِ فَلَهُ نِصْفُهَا فَقَطْ، وَلَوْ انْدَمَلَ قَطْعُ الْيَدَيْنِ فَاقْتَصَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِوَاحِدَةٍ فَأَهْلَكَ الْجَانِي فَلَهُ دِيَةُ الْأُخْرَى فِي تَرِكَتِهِ، وَإِنْ اقْتَصَّ بِوَاحِدَةٍ، وَأَخَذَ دِيَةَ الْأُخْرَى وَمَاتَ بِنَقْضِ الْجِرَاحَةِ بَرِئَ الْجَانِي، وَإِنْ زَادَ الْأَرْشُ عَلَى الدِّيَةِ كَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَإِنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَعَفَا عَنْ الْبَاقِي بِالدِّيَةِ لَمْ تَجِبْ أَوْ بِغَيْرِهَا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا وُجُوبُهُ إنْ قَبِلَ الْجَانِي (قَوْلُهُ: فَلَوْ قَطَعَ ذِمِّيٌّ يَدَ مُسْلِمٍ إلَخْ) أَوْ بِقَطْعِ امْرَأَةٍ يَدَ رَجُلٍ وَعَفَا الْوَلِيُّ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ دِيَةِ قَتِيلِهِ أَوْ بِقَطْعِهَا يَدَيْهِ فَلِوَلِيِّهِ بِالْعَفْوِ نِصْفُ دِيَةٍ أَوْ بِقَطْعِ عَبْدٍ يَدَ حُرٍّ فَأَعْتَقَهُ السَّيِّدُ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَسْقُطُ مِنْ دِيَتِهِ نِصْفُهَا، وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِهَا وَجَمِيعُ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَالثَّانِي يَسْقُطُ قَدْرُ نِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ الْأَقَلُّ مِنْ بَاقِي الدِّيَةِ وَجَمِيعِ قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ. وَقَوْلُهُ: فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ دِيَةِ قَتِيلِهِ كَتَبَ عَلَيْهِ فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ فِي نَظَائِرِ هَذَا الْمِثَالِ، وَالْقِيَاسُ جَرَيَانُهُ فِي عَكْسِهَا كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ النَّقِيبِ، وَقَالَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ مَسْطُورًا.

[فَرْعٌ قَتَلَ شَخْصٌ قَاطِعَ يَدِهِ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ]

(قَوْلُهُ: حَصَلَ التَّقَاصُّ) لِمَوْتِ الْقَاتِلِ بَعْدَ مَوْتِ مَقْتُولِهِ سِرَايَةً قَطَعَهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ اُعْتُبِرَ بِالتَّقَاصِّ إلَخْ) هُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ فِيمَا يَظْهَرُ) هُوَ كَمَا قَالَ (قَوْلُهُ: أُهْدِرَتْ) قَدْ مَرَّ أَنَّ قَصْدَ الرَّقِيقِ الْإِبَاحَةَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي سُقُوطِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: أَوْ قَالَ الْقَاطِعُ ظَنَنْتهَا تُجْزِئُ إلَخْ) كَلَامُهُمْ يُفْهِمُ أَنَّ التَّصْوِيرَ بِمُبَاشَرَةِ الْمُسْتَحِقِّ لَكِنْ تَقَدَّمَ عَدَمُ تَمْكِينِهِ فِي الطَّرَفِ، وَقَدْ صَوَّرَهَا فِي التَّتِمَّةِ بِمَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ) ، وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْأَوْلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>