للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَأُجْرَةِ كِتَابَةِ الصَّكِّ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَرَجَّحَ الْأَصْحَابُ الْأَوَّلَ لِمَا مَرَّ وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ لِدَفْعِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ كَمَا مَرَّ لَا لِدَفْعِ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ، وَالْمُؤْنَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحِصَصِ فَأَخَذُوا بِقَدْرِهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ مَا يَلْزَمُهُ بِالْقِسْمَةِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهَذَا خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْأُمِّ قَالَ: وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُمَا فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ، وَبِهَذَا الْقَوْلِ أَقُولُ.

(وَكَذَا) تَثْبُتُ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ (إنْ وَرِثُوهَا) لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ مُوَرِّثِهِ.

(فَرْعٌ)

لَوْ (مَاتَ) مَالِكُ دَارٍ (عَنْ ابْنَيْنِ، ثُمَّ) مَاتَ (أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا) نَصِيبَهُ (فَالشُّفْعَةُ) تَثْبُتُ (لِلْعَمِّ وَالْأَخِ) لَا لِلْأَخِ فَقَطْ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمِلْكِ، وَالنَّظَرُ فِي الشُّفْعَةِ إلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ لَا إلَى سَبَبِ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ الْمُحْوِجَ إلَى إثْبَاتِهَا لَا يَخْتَلِفُ (وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَرِيكَيْنِ مَلَكَا بِسَبَبٍ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ الشُّرَكَاءِ) مَلَكَ (بِسَبَبٍ آخَرَ) فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ (مِثَالُهُ بَيْنَهُمَا دَارٌ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، أَوْ وَهَبَهُ لِرَجُلَيْنِ، ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي) لِمَا مَرَّ.

(وَإِنْ مَاتَ) شَخْصٌ (عَنْ بِنْتَيْنِ وَأُخْتَيْنِ وَخَلَّفَ دَارًا فَبَاعَتْ إحْدَاهُنَّ) هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ إحْدَى الْبِنْتَيْنِ (نَصِيبَهَا شَفَعْنَ كُلُّهُنَّ) أَيْ الْبَاقِيَاتُ لَا أُخْتُهَا فَقَطْ (وَإِنْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَ نَصِيبِهِ مِنْ زَيْدٍ ثُمَّ بَاقِيَهُ مِنْ عَمْرٍو فَإِنْ شَفَعَ الشَّرِيكُ عَلَى) النَّصِيبِ (الْأَوَّلِ) أَيْ اسْتَعْلَى عَلَيْهِ بِأَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ (انْفَرَدَ بِالثَّانِي) لِزَوَالِ مِلْكِ مَنْ اشْتَرَاهُ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الْأَوَّلُ بِالشُّفْعَةِ بَلْ عَفَا عَنْهَا (شَارَكَهُ) الْمُشْتَرِي (الْأَوَّلُ) لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ سَبَقَ الصَّفْقَةَ الثَّانِيَةَ وَاسْتَقَرَّ بِعَفْوِ الشَّرِيكِ الْقَدِيمِ فَيَسْتَحِقُّ بِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلَ " الْأَوَّلُ ": فِي الْآخَرِ، أَيْ: وَإِلَّا شَارَكَهُ الْأَوَّلُ فِي الْآخَرِ أَيْ فِي النَّصِيبِ الثَّانِي.

[فَصْلٌ عَفَا الشَّفِيعُ عَنْ بَعْضِ الشُّفْعَةِ]

(فَصْلٌ: لَوْ عَفَا) الشَّفِيعُ (عَنْ بَعْضِ الشُّفْعَةِ سَقَطَ الْكُلُّ) كَالْقِصَاصِ.

(وَلَوْ عَفَا أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ شَفِيعَيْنِ عَنْ حَقِّهِ (أَخَذَ الْآخَرُ الْكُلَّ، أَوْ تَرَكَ) هـ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِي جَمِيعِ الشِّقْصِ لِوُجُودِ مُقْتَضِيهِ وَهُوَ الشَّرِكَةُ، وَإِنَّمَا قُسِمَ عِنْدَ التَّزَاحُمِ لِعَدَمِ التَّرْجِيحِ فَإِذَا أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ زَالَتْ الزَّحْمَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَخَيَّرْنَاهُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ كَالْمُنْفَرِدِ وَلَيْسَ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَخْذِ نَصِيبِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي.

(وَلَوْ مَاتَ كُلٌّ مِنْ الشَّفِيعَيْنِ عَنْ ابْنَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمْ) عَنْ حَقِّهِ (صَارَتْ) أَيْ الشُّفْعَةُ (لِلثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا) .

[فَرْعٌ ادَّعَى الْمُشْتَرِي عَفْوَ الشَّفِيعَيْنِ الْوَارِثَيْنِ فَنَكَلَا عَنْ الْيَمِينِ]

(فَرْعٌ لَوْ ادَّعَى) الْمُشْتَرِي (عَفْوَ الشَّفِيعَيْنِ الْوَارِثَيْنِ فَنَكَلَا) عَنْ الْيَمِينِ (حَلَفَ الْمُشْتَرِي وَسَقَطَتْ) شُفْعَتُهُمَا (أَوْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا) فَقَطْ (لَمْ يَحْلِفْ الْمُشْتَرِي) إذْ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِي حَلِفِهِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ ثَبَتَ عَفْوُ أَحَدِهِمَا أَخَذَ الثَّانِي تَمَامَ الشِّقْصِ (وَلِلْحَالِفِ مُخَاصَمَةُ أَخِيهِ فَإِنْ حَلَفَ) أَخُوهُ (النَّاكِلُ) أَوْ صَدَّقَهُ الْحَالِفُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْفُ (اشْتَرَكَا) فِي الشُّفْعَةِ وَلَا يَمْنَعُ النَّاكِلَ مِنْ الْحَلِفِ نُكُولُهُ فِي جَوَابِ الْمُشْتَرِي (أَوْ نَكَلَ) أَيْضًا (وَحَلَفَ الْآخَرُ) أَيْ الْحَالِفُ أَوَّلًا (أَخَذَ الْجَمِيعَ) بِالشُّفْعَةِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ فَنَكَلَا مَا لَوْ حَلَفَا أَيْ عَلَى الْبَتِّ فَيَأْخُذَانِ بِالشُّفْعَةِ أَمَّا لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي عَفْوَ مُوَرِّثِهِمَا فَإِنَّهُمَا إنَّمَا يَحْلِفَانِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ.

[فَصْلٌ اسْتَحَقَّ الشُّفْعَة ثَلَاثَةٌ بِالسَّوَاءِ فَبَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ]

(فَصْلٌ)

لَوْ (اسْتَحَقَّهَا ثَلَاثَةٌ) كَأَنْ كَانَتْ دَارٌ لِأَرْبَعَةٍ (بِالسَّوَاءِ) فَبَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ وَاسْتَحَقَّهَا الْبَاقُونَ (فَحَضَرَ أَحَدُهُمْ أَخَذَ الْكُلَّ، أَوْ تَرَكَهُ) فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ حِصَّتِهِ فَقَطْ لِئَلَّا تَتَبَعَّضَ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَوْ لَمْ يَأْخُذْ الْغَائِبَانِ (وَلَوْ أَخَّرَ الْأَخْذَ لِحُضُورِهِمَا جَازَ) لِعُذْرِهِ فِي أَنْ لَا يَأْخُذَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى أَخْذِ الْبَعْضِ فَيُؤَخَّرُ لِيُنْظَرَ هَلْ يَأْخُذُ الْغَائِبَانِ فَيَأْخُذُ مَعَهُمَا أَوْ لَا (فَإِنْ أَخَذَ الْكُلَّ وَحَضَرَ الثَّانِي نَاصَفَهُ) بِنِصْفِ الثَّمَنِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا شَفِيعَانِ (وَيَأْخُذُ الثَّالِثُ إنْ حَضَرَ مِنْ كُلٍّ) مِنْ الْمُتَنَاصَفَيْنِ (ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ) إنْ شَاءَ (فَإِنْ رَدَّ الْأَوَّلُ) مَا أَخَذَهُ (بِعَيْبٍ) ثُمَّ حَضَرَ الثَّانِي (فَلِلثَّانِي أَخْذُ الْكُلِّ، وَإِنْ خَرَجَ الشِّقْصُ مُسْتَحَقًّا) بَعْدَ مَا ذُكِرَ (رَجَعَ الْأَوَّلُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَ) رَجَعَ (الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ وَ) رَجَعَ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: كَأُجْرَةِ كِتَابَةِ الصَّكِّ) ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَسْقَطَهُ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَكَوْنُ أُجْرَتِهَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ بِالسَّوَاءِ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ حِصَصُهُمْ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ لَا أَسْتَحْضِرُ الْآنَ هَلْ ذُكِرَتْ فِي الْقَضَاءِ أَمْ لَا وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَهَبَ لِشَخْصٍ مَثَلًا ثُلُثَ دَارٍ وَلِآخَرَ نِصْفَهَا وَلِآخَرَ سُدُسَهَا فَأُجْرَةُ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِمْ بِالسَّوَاءِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَتَفَاوَتُ فِي قَدْرِ الْحِصَصِ وَكَذَلِكَ حِفْظُ الشَّهَادَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أُجْرَةُ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ يَسْتَوِي فِيهَا الْمَالُ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ.

(قَوْلُهُ: وَبِهَذَا الْقَوْلِ أَقُولُ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ السِّرَايَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ السِّرَايَةَ مِنْ بَابِ الْإِتْلَافِ وَالشُّفْعَةَ مِنْ بَابِ مَرَافِقِ الْمِلْكِ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: قَوْلُهُ: " إنَّ مَا صَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ خَطَأٌ إنَّمَا تَسْتَقِيمُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ إذَا كَانَ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ وَاحِدٌ. اهـ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ رَجَّحَ أَحَدَهُمَا اسْتَقَامَ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَذْهَبَهُ مَا رَجَّحَهُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ (تَنْبِيهٌ)

إنَّمَا ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ لِلْوَارِثِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ خَلَّفَ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ» وَكَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ

[فَرْعٌ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَالشُّفْعَة تَثْبُتُ لِلْعَمِّ وَالْأَخِ]

(فَصْلٌ) .

(قَوْلُهُ: لَوْ عَفَا عَنْ بَعْضِ الشُّفْعَةِ سَقَطَ الْكُلُّ) فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ مَا لَمْ يَعْفُ عَنْهُ وَإِنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالتَّبْعِيضِ

(قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ حِصَّتِهِ فَقَطْ) أَيْ وَإِنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالتَّبْعِيضِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخَّرَ الْأَخْذَ لِحُضُورِهِمَا جَازَ) مَحَلُّهُ مَا إذَا قَالَ أُؤَخِّرُ الْأَخْذَ إلَى حُضُورِ الشُّرَكَاءِ فَإِنْ أَخَذُوا، وَإِلَّا أَخَذْتُ، أَوْ قَالَ أُؤَخِّرُ الْأَخْذَ إلَى حُضُورِ الشُّرَكَاءِ فَأَمَّا لَوْ قَالَ لَا آخُذُ إلَّا قَدْرَ حِصَّتِي سَوَاءٌ شَارَكَهُ الْغَائِبُونَ أَمْ لَا سَقَطَ حَقُّهُ صَرَّحَ بِهَا الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ مَنْ صَرَّحَ بِالْإِعْرَاضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>