للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّتِي يَجِبُ تَعَلُّمُهَا (لَا دَقَائِقُهَا) تَعَلُّمَ (مَا يُحْتَاجُ) إلَيْهِ (لِإِقَامَةِ فَرَائِضِ الدِّينِ كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَشُرُوطِهِمَا) ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَعْلَمُهَا لَا يُمْكِنُهُ إقَامَةُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ لَا دَقَائِقُهَا مَرْفُوعٌ عَطْفًا عَلَى مِنْ ظَوَاهِرَ أَوْ مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى ظَوَاهِرِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ تَعَلُّمُ الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الدَّقَائِقِ وَالْمَسَائِلِ الَّتِي لَا تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى.

(وَ) إنَّمَا (يَجِبُ تَعَلُّمُهُ) أَيْ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِقَامَةِ الْفَرَائِضِ (بَعْدَ الْوُجُوبِ) لَهَا (وَكَذَا قَبْلَهُ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ) أَيْ مِنْ تَعَلُّمِهِ (بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ مَعَ الْفِعْلِ) كَمَا يَجِبُ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ قَبْلَ الْوَقْتِ عَلَى مَنْ بَعُدَ مَنْزِلُهُ (وَ) كَأَرْكَانِ وَشُرُوطِ (الْحَجِّ وَتَعَلُّمِهِ) أَيْ الْحَجِّ أَيْ أَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ (عَلَى التَّرَاخِي) كَالْحَجِّ (وَ) كَأَرْكَانِ وَشُرُوطِ (الزَّكَاةِ إنْ مَلَكَ مَالًا) فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ تَعَلُّمُ ظَاهِرِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهَا (وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ سَاعٍ) يَكْفِيه الْأَمْرَ إذْ قَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا لَا يَعْلَمُهُ السَّاعِي (وَأَحْكَامُ) أَيْ وَكَأَحْكَامِ (الْبَيْعِ وَالْقِرَاضِ إنْ تَاجَرَ) أَيْ إنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ وَيُتَاجِرَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ يُرِيدُ بَيْعَ الْخُبْزِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ خُبْزِ الْبُرِّ بِالْبُرِّ وَلَا بِدَقِيقِهِ وَعَلَى مَنْ يُرِيدُ الصَّرْفَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

(وَتَعَلُّمُ دَوَاءِ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ) وَحُدُودِهَا وَأَسْبَابِهَا (كَالْحَسَدِ وَالرِّيَاءِ) فَإِنْ رُزِقَ شَخْصٌ قَلْبًا سَلِيمًا مِنْهَا كَفَاهُ ذَلِكَ.

(وَ) يَتَعَيَّنُ (اعْتِقَادُ مَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ) .

(وَأَمَّا عِلْمُ) أَيْ تَعَلُّمُ عِلْمِ (الْفَلْسَفَةِ وَالشَّعْبَذَةِ وَالتَّنْجِيمِ وَالرَّمَلِ وَعِلْمِ الطَّبَائِعِيِّينَ وَالسِّحْرِ فَحَرَامٌ) .

(وَالشِّعْرُ) أَيْ تَعَلُّمُهُ (مُبَاحٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ سُخْفٌ أَوْ حَثٌّ عَلَى شَرٍّ وَإِنْ حَثَّ عَلَى الْغَزَلِ وَالْبَطَالَةِ كُرِهَ) .

[فَرْعٌ تَعْطِيلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ]

(فَرْعٌ يَأْثَمُ بِتَعْطِيلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ) كُلُّ (مَنْ عَلِمَ) بِتَعْطِيلِهِ (وَقَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ وَإِنْ بَعُدَ) عَنْ الْمَحَلِّ (وَكَذَا) يَأْثَمُ (قَرِيبٌ) مِنْهُ (لَمْ يَعْلَمْ) بِهِ (لِتَقْصِيرِهِ فِي الْبَحْثِ) عَنْهُ قَالَ الْإِمَامُ وَيَخْتَلِفُ هَذَا بِكِبَرِ الْبَلَدِ وَصِغَرِهِ.

(وَإِنْ قَامَ بِهِ الْجَمِيعُ فَكُلُّهُمْ مُؤَدٍّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ وَإِنْ تَرَتَّبُوا) فِي أَدَائِهِ إذْ لَا مَزِيَّةَ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْ حَيْثُ الْوُجُوبُ وَالثَّوَابُ وَالْإِثْمُ إنْ تَعَطَّلَ الْفَرْضُ.

(وَلِلْقَائِمِ بِهِ مَزِيَّةٌ عَلَى الْقَائِمِ بِفَرْضِ الْعَيْنِ) وَصَرَّحَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَالْإِمَامُ وَأَبُوهُ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ مَنْ فَرْضِ الْعَيْنِ (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الْقَائِمَ بِفَرْضِ الْعَيْنِ (أَسْقَطَ الْحَرَجَ عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا) أَيْ الْقَائِمُ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ (أَسْقَطَ الْحَرَجَ عَنْهُ وَعَنْ الْأُمَّةِ) وَلِأَنَّ ذَاكَ لَوْ تَرَكَ الْفَرْضَ اخْتَصَّ بِالْإِثْمِ وَهَذَا لَوْ تَرَكَهُ أَثِمَ الْجَمِيعُ وَلَا يَسْتَبْعِدُ ذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ السُّنَّةَ قَدْ تَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ الْوَاجِبِ فَلَا يَبْعُدُ تَفْضِيلُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَلَى فَرْضِ الْعَيْنِ لِمَا ذُكِرَ.

(فَصْلٌ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ) عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ (حَتَّى عَلَى الصَّبِيِّ سُنَّةُ) عَيْنٍ إنْ كَانَ الْمُسْلِمُ وَاحِدًا وَسُنَّةُ (كِفَايَةٍ) إنْ كَانَ جَمَاعَةً أَمَّا كَوْنُهُ سُنَّةً فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: ٦١] أَيْ لِيُسَلِّمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ وَقَوْلُهُ {لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: ٢٧] وَلِلْأَمْرِ بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَأَمَّا كَوْنُهُ كِفَايَةً فَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «يُجْزِئُ عَنْ الْجَمَاعَةِ إذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ وَيُجْزِئُ عَنْ الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: وَصَرَّحَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَالْإِمَامُ وَأَبُوهُ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ مَنْ فَرَضَ الْعَيْنَ لِأَنَّ ذَلِكَ إلَخْ) قَالَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَالْمُتَبَادِرُ إلَى الْأَذْهَانِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ فِيمَا عَلِمْت أَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ أَفْضَلُ لِشِدَّةِ اعْتِنَاءِ الشَّارِعِ بِهِ بِقَصْدِهِ حُصُولَهُ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ فِي الْأَغْلَبِ وَلِمُعَارَضَةِ هَذَا الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى النَّظَرِ بِقَوْلِهِ زَعَمَهُ. اهـ.

وَقَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ صَرِيحًا وَإِلَّا فَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَقَدْ قَالُوا: إنَّ قَطْعَ الطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَكْرُوهٌ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ لَا يَحْسُنُ تَرْكُهُ فَرْضَ الْعَيْنِ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الطَّوَافِ، وَنَصُّ الْأُمِّ إنْ كَانَ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَحْبَبْت أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ ثُمَّ يَعُودَ إلَى طَوَافِهِ وَيَبْنِيَ عَلَيْهِ وَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْوِتْرِ أَوْ سُنَّةَ الْفَجْرِ أَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ فَلَا أُحِبُّ تَرْكَ الطَّوَافِ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَقْطَعَ فَرْضًا لِنَفْلٍ أَوْ فَرْضَ كِفَايَةٍ اهـ وَهَذَا التَّعْلِيلُ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ أَفْضَلُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَوْ اجْتَمَعَ جِنَازَةٌ وَجُمُعَةٌ وَضَاقَ الْوَقْتُ قُدِّمَتْ الْجُمُعَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَالَ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ فِي سَفَرِ الْجِهَادِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ الْفَرْضَ الْمُتَعَيِّنَ عَلَيْهِ وَيَشْتَغِلَ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَكُلُّ هَذَا يَرُدُّ إطْلَاقَ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ الْقِيَامَ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ بِفَرْضِ الْعَيْنِ مِنْ جِهَةِ إسْقَاطِهِ الْحَرَجَ عَنْ الْأُمَّةِ وَالْعَمَلُ الْمُتَعَدِّي أَفْضَلُ مِنْ الْقَاصِرِ وَمِنْ هَذَا لَيْسَ لِلْوَالِدَيْنِ مَنْعُ الْوَلَدِ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الصَّحِيحِ بِخِلَافِ الْجِهَادِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَاهُمَا لِأَنَّ رِضَاهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَفَرْضُ الْعَيْنِ مُقَدَّمٌ اهـ.

وَكَتَبَ أَيْضًا وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْكُسُوفِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ جِنَازَةٌ وَجُمُعَةٌ وَضَاقَ الْوَقْتُ قُدِّمَتْ الْجُمُعَةُ فَالتَّقْدِيمُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ لَا لِلْأَفْضَلِيَّةِ بِدَلِيلِ تَقْدِيمِ الْجِنَازَةِ إذَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ وَكَذَلِكَ تَقْدِيمُ إنْقَاذِ الْغَرِيقِ عَلَى الصِّيَامِ فِي صَائِمٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إلَّا بِالْإِفْطَارِ إنَّمَا هُوَ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ وَلَا دَلَالَةَ فِي التَّقْدِيمِ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ إذْ تُقَدَّمُ السُّنَّةُ عَلَى الْفَرْضِ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ كَالْكُسُوفِ مَعَ الْمَكْتُوبَةِ الْمُتَّسَعَةِ الْوَقْتَ إذَا خِيفَ الِانْجِلَاءُ اهـ وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ فِي كِتَابِ لَطَائِفِ الْمَعَارِفِ إنَّ فُرُوضَ الْأَعْيَانِ أَفْضَلُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.

[فَصْلٌ الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ]

(فَصْلُ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ) (قَوْلُهُ: وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ) أَيْ فَلَا يُسَنُّ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ (قَوْلُهُ: حَتَّى عَلَى الصَّبِيِّ) يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ وَضِيئًا يُخْشَى مِنْهُ الِافْتِتَانُ كَالشَّابَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ (قَوْلُهُ سُنَّةُ كِفَايَةٍ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ (قَوْلُهُ {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور: ٢٧] أَيْ تَسْتَأْذِنُوا كَمَا قُرِئَ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>