للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَجْلُودِ رَقِيقَ جِلْدٍ يَدْمَى بِالضَّرْبِ الْخَفِيفِ (وَيَتَّقِي) أَيْ الْمَجْلُودُ (بِيَدِهِ) الْيُمْنَى، وَالْيُسْرَى (فَلَا يُشَدُّ وَلَا يُمَدُّ) عَلَى الْأَرْضِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاتِّقَاءِ بِيَدَيْهِ، فَلَوْ وَضَعَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا عَلَى مَوْضِعٍ عَدَلَ عَنْهُ الضَّارِبُ إلَى آخَرَ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ أَلَمِهِ بِالضَّرْبِ فِيهِ (وَلَا يُجَرَّدُ مِنْ قَمِيصٍ أَوْ قَمِيصَيْنِ بَلْ) يُجَرَّدُ (مِنْ) جُبَّةٍ (مَحْشُوَّةٍ وَفَرْوَةٍ) وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَدْفَعُ الْأَلَمَ مُلَاحَظَةً لِمَقْصُودِ الْحَدِّ

(وَيُجْلَدُ) الرَّجُلُ (قَائِمًا، وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةً) ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا، فَلَوْ عَكَسَهُ الْجَلَّادُ أَسَاءَ وَأَجْزَأَهُ وَلَا يَضْمَنُ أَنْ تَلِفَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَغْيِيرُ حَالٍ لَا زِيَادَةُ ضَرْبٍ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ وَلَا يُنَافِيهِ التَّعْبِيرُ بِالْإِسَاءَةِ (وَيَجْلِدُهَا) أَيْ الْمَرْأَةَ (رَجُلٌ) ؛ لِأَنَّ الْجَلْدَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ (وَامْرَأَةٌ) أَوْ نَحْوُهَا كَمَحْرَمٍ (تُشَدُّ ثِيَابُهَا) وَظَاهِرٌ أَنَّ الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ فِيمَا ذُكِرَ لَكِنْ لَا يَخْتَصُّ بِشَدِّ ثِيَابِ الْمَرْأَةِ وَنَحْوِهَا، وَيَحْتَمِلُ تَعْيِينَ الْمَحْرَمِ وَنَحْوِهِ (وَيُوَالِي الضَّرْبَ) بِحَيْثُ يَحْصُلُ بِهِ زَجْرٌ وَتَنْكِيلٌ فَلَا يُفَرَّقُ عَلَى الْأَيَّامِ، وَالسَّاعَاتِ لِعَدَمِ الْإِيلَامِ وَالزَّجْرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لِيَضْرِبَنَّهُ عَدَدًا فَفَرَّقَهُ عَلَى الْأَيَّامِ مَثَلًا، فَإِنَّهُ يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَّبَعَ هُنَاكَ مُوجِبُ اللَّفْظِ وَهُنَا الزَّجْرُ، وَالتَّنْكِيلُ، فَلَوْ حَصَلَ مَعَ التَّفْرِيقِ هُنَا إيلَامٌ قَالَ الْإِمَامُ: فَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ مَا يَزُولُ بِهِ الْأَلَمُ الْأَوَّلُ كَفَى وَإِلَّا فَلَا (فَإِنْ ضَرَبَ فِي الزِّنَا فِي يَوْمٍ خَمْسِينَ مُتَوَالِيَةً وَفِي غَدٍ خَمْسِينَ كَذَلِكَ جَازَ) لِحُصُولِ الْإِيلَامِ، وَالزَّجْرِ بِذَلِكَ وَهَذَا مِثَالٌ، وَالضَّابِطُ مَا تَقَرَّرَ عَنْ الْإِمَامِ

(فَرْعٌ لَا يُحَدُّ وَلَا يُعَزَّرُ فِي الْمَسْجِدِ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ» وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَلَوَّثَ مِنْ جِرَاحَةٍ تَحْدُثُ (فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ) كَالصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ وَقَضِيَّتُهُ تَحْرِيمُ ذَلِكَ وَبِهِ جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَكِنْ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِي بَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ بَلْ يُكْرَهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيِّ

(بَابٌ) (التَّعْزِيرُ) هُوَ لُغَةً التَّأْدِيبُ وَشَرْعًا تَأْدِيبٌ عَلَى ذَنْبٍ لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (وَهُوَ) مَشْرُوعٌ (فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِآدَمِيٍّ وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ مُقَدِّمَاتِ مَا فِيهِ حَدٌّ كَمُبَاشَرَةِ أَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ وَسَرِقَةِ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ، وَالسَّبُّ بِمَا لَيْسَ بِقَذْفٍ أَمْ لَا كَالتَّزْوِيرِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ، وَالضَّرْبِ بِغَيْرِ حَقٍّ بِخِلَافِ الزِّنَا لِإِيجَابِهِ الْحَدَّ وَبِخِلَافِ التَّمَتُّعِ بِالطِّيبِ وَنَحْوِهِ فِي الْإِحْرَامِ لِإِيجَابِهِ الْكَفَّارَةَ وَقَدْ يَنْتَفِي التَّعْزِيرُ مَعَ انْتِفَاءِ الْحَدِّ، وَالْكَفَّارَةِ كَمَا فِي صَغِيرَةٍ صَدَرَتْ مِنْ وَلِيٍّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَكَمَا فِي قَطْعِ شَخْصٍ أَطْرَافَ نَفْسِهِ وَكَمَا فِي وَطْءِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فِي دُبُرِهَا فَلَا يُعَذَّرُ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ بَلْ يُنْهَى عَنْ الْعَوْدِ، فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَصَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَكَمَا فِي تَكْلِيفِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ فَوْقَ مَا يُطِيقُ مِنْ الْخِدْمَةِ فَلَا يُعَزَّرُ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ أَيْضًا وَكَمَا لَوْ رَعَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقُوَّةِ مِنْ الْحِمَى الَّذِي حَمَاهُ الْإِمَامُ لِلضَّعَفَةِ وَنَحْوِهِمْ فَلَا

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

فَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ وَلَا نَعْلَمُ لِلشَّافِعِيِّ نَصًّا يُعَارِضُهُ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِلْجَلَّادِ: اضْرِبْ الرَّأْسَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ فِي الرَّأْسِ فَفِي إسْنَادِهِ الْمَسْعُودِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَهُوَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اضْرِبْ وَأَوْجِعْ وَاتَّقِ الْفَرْجَ وَالرَّأْسَ

(قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْإِمَامُ، فَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ مَا يَزُولُ بِهِ الْأَلَمُ كَفَى وَإِلَّا فَلَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ حَكَاهُ عَنْهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَأَقَرَّهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ ضَرَبَ فِي الزِّنَا فِي يَوْمٍ خَمْسِينَ مُتَوَالِيَةً وَفِي غَدٍ خَمْسِينَ كَذَلِكَ جَازَ) قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ وَإِنَّمَا خُصَّ الْخَمْسُونَ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهَا تَعْدِلُ حَدَّ الْعَبْدِ فَجَازَ ذَلِكَ عَلَى الْخُصُوصِ

[فَرْعٌ إقَامَة الْحَدُّ وَالتَّعْزِيرُ فِي الْمَسْجِدِ]

(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ تَحْرِيمُ ذَلِكَ) أَيْ إنْ خِيفَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ بَلْ يُكْرَهُ) أَيْ إنْ لَمْ يُخَفْ تَلْوِيثُهُ وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا إذَا لَمْ يُشَوِّشْ عَلَى الْمُصَلِّينَ، فَإِنْ شَوَّشَ عَلَيْهِمْ حَرُمَ؛ لِأَنَّ الْبُقْعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُصَلِّينَ

[بَابٌ التَّعْزِيرُ]

(قَوْلُهُ وَهُوَ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ) التَّعْزِيرُ يُشْرَعُ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ كَمَنْ يَكْتَسِبُ بِاللَّهْوِ الَّذِي لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مَعَ أَنَّ فِعْلَهُمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ السَّرِقَةِ عَنْ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ أَنَّ الْمُحْتَسِبَ يَمْنَعُهُ وَيُؤَدَّبُ عَلَيْهِ الْآخِذُ وَالْمُعْطِي وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الْقَتْلِ بَعْدَ الْقِصَاصِ وَقَالُوا أَخْطَأْنَا، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُعَزِّرُهُمْ لِعَدَمِ التَّثَبُّتِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: وَسَرِقَةُ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ) أَيْ وَإِدَارَةُ كَأْسِ الْمَاءِ كَالْخَمْرِ قَالَ شَيْخُنَا بِقَصْدِ التَّشْبِيهِ بِشَرِبْتُهُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَنْتَفِي التَّعْزِيرُ مَعَ انْتِفَاءِ الْحَدِّ وَالْكَفَّارَةِ كَمَا فِي صَغِيرَةٍ صَدَرَتْ إلَخْ) وَالْأَصْلُ لَا يُعَزَّرُ لِحَقِّ الْفَرْعِ كَمَا لَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْإِمَامِ مِنْ ذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِذَا رَأَى مَنْ يَزْنِي بِزَوْجَتِهِ وَهُوَ مُحْصَنٌ فَقَتَلَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا تَعْزِيرَ عَلَيْهِ وَإِنْ افْتَاتَ عَلَى الْإِمَامِ لِأَجْلِ الْحَمِيَّةِ وَالْغَيْظِ حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ ابْنِ دَاوُد وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَإِنْ كَانَ يُقَادُ بِهِ فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْأُمُّ.

وَإِذَا ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ، فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ أَوَّلَ مَرَّةٍ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَإِذَا آذَى زَوْجَتَهُ بِلَا سَبَبٍ، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ إلَّا إنْ نَهَاهُ الْحَاكِمُ وَعَادَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَتَعْزِيرُهُ إمَّا لِمُخَالَفَتِهِ نَهْيَهُ أَوْ لِتَضْمِينِ النَّهْيِ الْحُكْمَ بِمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ إذْ عِنْدَ الْحُكْمِ تَرْتَفِعُ شُبْهَةُ الْخِلَافِ فِي حَقِّ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ إذْ الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَأْتِي غَيْرُهُ وَإِذَا تَلَاعَنَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِالْأَوَّلِ نُهِيَ، فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ وَمِنْهَا أَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إذَا قَالَ لِصَاحِبِهِ: إنَّهُ ظَالِمٌ أَوْ فَاجِرٌ أَوْ نَحْوُهُ فِي حَالِ الْمُخَاصَمَةِ يُحْتَمَلُ ذَلِكَ مِنْهُ أَيْ وَلَا يُعَزَّرُ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَإِذَا نَظَرَ إلَى بَيْتِ غَيْرِهِ فَرَمَاهُ صَاحِبُهُ، فَإِنْ أَصَابَهُ لَمْ يُعَزِّرْهُ السُّلْطَانُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ عَزَّرَهُ وَقَوْلُهُ: صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَيَّدَهُ شَيْخُنَا بِمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ رِعَايَةُ التَّدْرِيجِ وَقَوْلُهُ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَتَعْزِيرُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>