للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ بَعْدَ الْأَمَانِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ لَكِنْ غَلَّطُوهُ فِيهِ وَأَنَّهُ صَلَّى بِالْأَنْبِيَاءِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لِيَظْهَرَ أَنَّهُ إمَامُ الْكُلِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَكَانَ أَبْيَضَ الْإِبْطِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ لِلشَّعْرِ وَكَانَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ إذْ لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ يَسْتَدْرِكُ خَطَأَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَبْلُغُهُ سَلَامُ النَّاسِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيَشْهَدُ لِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ بِالْأَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَانَ إذَا مَشَى فِي الشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ لَا يَظْهَرُ لَهُ ظِلٌّ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ فِي جَمِيعِ أَعْضَائِهِ وَجِهَاتِهِ نُورًا وَخَتَمَ بِقَوْلِهِ وَاجْعَلْنِي نُورًا وَلَا يَقَعُ مِنْهُ الْإِيلَاءُ وَلَا الظِّهَارُ؛ لِأَنَّهُمَا حَرَامَانَ وَهُوَ مَعْصُومٌ وَيَسْتَحِيلُ اللِّعَانُ فِي حَقِّهِ وَنَقَلَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الذُّبَابُ وَلَا يَمْتَصُّ دَمَهُ الْبَعُوضُ (وَذِكْرُ الْخَصَائِصِ مُسْتَحَبٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ بَلْ لَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ لِئَلَّا يَرَى جَاهِلٌ بَعْضَ الْخَصَائِصِ فِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ فَيَعْمَلُ بِهِ أَخْذًا بِأَصْلِ التَّأَسِّي فَوَجَبَ بَيَانُهَا لِتُعْرَفَ فَأَيُّ فَائِدَةٍ أَهَمُّ مِنْ هَذِهِ فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ مَنَعَ الْكَلَامَ فِيهَا مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ أَمْرٌ انْقَضَى فَلَا مَعْنَى لِلْكَلَامِ فِيهَا

(الْبَابُ الثَّانِي فِي مُقَدَّمَاتِ النِّكَاحِ) (وَهُوَ لِلتَّائِقِ) أَيْ الْمُحْتَاجِ لَهُ وَلَوْ خَصِيًّا (الْقَادِرِ) عَلَى مُؤَنِهِ مِنْ الْمَهْرِ وَكِسْوَةِ فَصْلِ التَّمْكِينِ وَنَفَقَةِ يَوْمِهِ (أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ) وَإِنْ كَانَ مُتَعَبِّدًا تَحْصِينًا لِلدِّينِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ بَقَاءِ النَّسْلِ وَحِفْظِ النَّسَبِ وَالِاسْتِعَانَةِ عَلَى الْمَصَالِحِ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» بِالْمَدِّ أَيْ قَاطِعٌ لِلشَّهْوَةِ.

وَالْبَاءَةُ بِالْمَدِّ لُغَةً: الْجِمَاعُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا ذَلِكَ، وَقِيلَ: مُؤَنُ النِّكَاحِ، وَالْقَائِلُ بِالْأَوَّلِ رَدَّهُ إلَى مَعْنَى الثَّانِي إذْ التَّقْدِيرُ عِنْدَهُ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْجِمَاعَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْهُ لِعَجْزِهِ عَنْهَا فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ وَإِنَّمَا قَدَّرَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْجِمَاعَ لِعَدَمِ شَهْوَتِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الصَّوْمِ لِدَفْعِهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] إذْ الْوَاجِبُ لَا يُعَلَّقُ بِالِاسْتِطَابَةِ وَلِقَوْلِهِ {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: ٣] وَلَا يَجِبُ الْعَدَدُ بِالْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] .

(وَالْعَاجِزُ) عَنْ مُؤَنِهِ (يَصُومُ) أَيْ الْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ النِّكَاحَ وَيَكْسِرَ شَهْوَتَهُ بِالصَّوْمِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَالْأَمْرُ فِيهِ لِلْإِرْشَادِ وَبَالَغَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَقَالَ يُكْرَهُ لَهُ النِّكَاحُ (فَإِنْ لَمْ تَنْكَسِرْ شَهْوَتُهُ إلَّا بِكَافُورٍ وَنَحْوِهِ تَزَوَّجَ) وَلَا يَكْسِرُهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الِاخْتِصَاءِ، وَقَالَ الْبَغَوِيّ: يُكْرَهُ أَنْ يَحْتَالَ لِقَطْعِ شَهْوَتِهِ (وَالْقَادِرُ) عَلَى مُؤَنِهِ (غَيْرُ التَّائِقِ) وَلَا عِلَّةَ بِهِ (إنْ تَخَلَّى لِلْعِبَادَةِ فَهُوَ) أَيْ التَّخَلِّي لَهَا (أَفْضَلُ) مِنْ النِّكَاحِ إنْ كَانَ مُتَعَبِّدًا اهْتِمَامًا بِهَا (وَإِلَّا فَالنِّكَاحُ) أَفْضَلُ لَهُ مِنْ تَرْكِهِ لِئَلَّا تُفْضِيَ بِهِ الْبِطَالَةُ إلَى الْفَوَاحِشِ

(وَيُكْرَهُ نِكَاحُ عِنِّينٍ) وَفِي نُسْخَةٍ وَيُكْرَهُ لِنَحْوِ عِنِّينٍ (وَمَمْسُوحٍ وَزَمِنٍ) وَلَوْ وَاجِدَيْنِ مُؤَنَهُ (وَ) نِكَاحُ (عَاجِزٍ) عَنْ مُؤَنِهِ (غَيْرِ تَائِقٍ) لَهُ لِانْتِفَاءِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهِ مَعَ الْتِزَامِ الْعَاجِزِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَخَطَرِ الْقِيَامِ بِوَاجِبِهِ فِيمَنْ عَدَاهُ وَنَصَّ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ التَّائِقَةَ يُنْدَبُ لَهَا النِّكَاحُ وَفِي مَعْنَاهَا الْمُحْتَاجَةُ إلَى النَّفَقَةِ وَالْخَائِفَةِ مِنْ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[الْبَابُ الثَّانِي فِي مُقَدَّمَاتِ النِّكَاحِ]

(الْبَابُ الثَّانِي فِي مُقَدِّمَاتِ النِّكَاحِ) (قَوْلُهُ وَهُوَ لِلتَّائِقِ الْقَادِرِ إلَخْ) قَدْ لَا يُسْتَحَبُّ النِّكَاحُ لِلْقَادِرِ التَّائِقِ لِعَارِضٍ بِأَنْ كَانَ مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ فِيهَا لِخَوْفِ الْكُفْرِ وَالِاسْتِرْقَاقِ عَلَى وَلَدِهِ بِأَنْ تُسْتَرَقَّ الزَّوْجَةُ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ وَلَا تُصَدَّقَ فِي أَنَّ حَمْلَهَا مِنْ مُسْلِمٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَعَلَى كَرَاهَةِ التَّسَرِّي وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ فِي مَوَانِعِ النِّكَاحِ يُكْرَهُ نِكَاحُ الْحَرْبِيَّةِ وَتَعْلِيلُهُمْ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَالْبَاءُ بِالْمَدِّ لُغَةً الْجِمَاعُ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْبَاءَةُ بِالْمَدِّ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُؤَنِ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْأُهْبَةِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ رِوَايَةُ النَّسَائِيّ «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا طَوْلٍ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ» وَأَمَّا الْبَاءُ بِالْقَصْرِ فَهِيَ الْوَطْءُ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ إلَخْ) يَجِبُ النِّكَاحُ إذَا خَافَ مِنْ الزِّنَا ذَكَرَهُ الْجُوَيْنِيُّ وَكَذَا لَوْ كَانَ بِهِ عِلَّةٌ تُوجِبُ هَلَاكَهُ لَوْ لَمْ يَطَأْ بِقَوْلِ طَبِيبَيْنِ مَقْبُولَيْنِ وَلَا يَمْلِكُ مَا يَتَسَرَّى بِهِ وَوَجَدَ طَوْلَ حُرَّةٍ، وَقَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْجُوَيْنِيُّ أَشَارَ شَيْخُنَا إلَى تَصْحِيحِهِ وَكُتِبَ عَلَيْهِ أَيْ وَتَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِهِ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ الْعَدَدُ بِالْإِجْمَاعِ) ذَكَرَ بَعْضُهُمْ صُورَةً يَجِبُ فِيهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَتَانِ فَظَلَمَ وَاحِدَةً بِتَرْكِ الْقَسْمِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُوَفِّيَهَا حَقَّهَا مِنْ نَوْبَةِ الضَّرَّةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا لِيُوَفِّيَهَا حَقَّهَا مِنْ نَوْبَةِ الْمَظْلُومِ بِسَبَبِهَا وَعَلَى هَذَا فَلَهَا رَفْعُهُ إلَى الْحَاكِمِ وَدَعْوَاهَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَعَلَى الْحَاكِمِ أَمْرُهُ بِتَوْفِيَةِ حَقِّهَا بِنَظِيرِ مَا ظَلَمَ بِهِ فَإِنْ امْتَنَعَ عَزَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) فَخُيِّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّسَرِّي وَالتَّسَرِّي لَا يَجِبُ إجْمَاعًا فَكَذَا مَا عُطِفَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَا يَكْسِرُهَا بِذَلِكَ) فُهِمَ مِنْهُ جَمْعُ تَحْرِيمِ الْكَافُورِ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ وَجَمَعَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِأَنَّ الْجَوَازَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّدَاوِي بِأَدْوِيَةٍ لَا تَقْطَعُ النِّكَاحَ مُطْلَقًا بَلْ تُفَتِّرُ الشَّهْوَةَ فِي الْحَالِ وَلَوْ أَرَادَ إعَادَتَهَا بِاسْتِعْمَالِ ضِدّ تِلْكَ الْأَدْوِيَةِ لَأَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَالْمَنْعُ عَلَى الْقَاطِعِ لَهُ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ إنْ تَخَلَّى لِلْعِبَادَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ انْقَطَعَ بِسَبَبِ النِّكَاحِ عَنْ الْعِبَادَةِ فَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهَا فَالنِّكَاحُ مُسْتَحَبٌّ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ ر فِي مَعْنَى التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ (قَوْلُهُ كَيْ لَا تُفْضِيَ بِهِ الْبِطَالَةُ) بِكَسْرِ الْبَاءِ

(قَوْلُهُ وَنَصَّ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ التَّائِقَةَ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ النِّسْوَةُ أَصْنَافٌ: صِنْفٌ يَتُوقُ إلَى النِّكَاحِ فَهَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ النِّكَاحُ بِلَا شَكٍّ فَإِنْ خَافَتْ الْعَنَتَ جَاءَ فِيهَا وَجْهٌ بِوُجُوبِ النِّكَاحِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، وَصِنْفٌ لَا يَتُوقُ إلَيْهِ وَيَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْقِيَامَ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ وَلَيْسَ بِمُحْتَاجٍ إلَى النَّفَقَةِ وَالْمُتَّجَهُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُتَعَبِّدًا فَالتَّرْكُ أَوْلَى وَإِلَّا فَالنِّكَاحُ أَفْضَلُ كَمَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ، وَصِنْفٌ غَيْرُ تَائِقٍ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى النَّفَقَةِ وَلَا يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْقِيَامَ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ فَيَحْتَمِلُ الِاسْتِحْبَابَ لِحَاجَةِ النَّفَقَةِ وَالْمَنْعَ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِأَدَاءِ الْحُقُوقِ فَإِذَا تَعَارَضَ الْمَانِعُ وَالْمُقْتَضِي قُدِّمَ الْمَانِعُ وَصِنْفٌ غَيْرُ تَائِقٍ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى النَّفَقَةِ وَيَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْقِيَامَ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ فَلَا يُتَّجَهُ فِيهِ غَيْرُ الِاسْتِحْبَابِ وَصِنْفٌ بِهِ رَتْقٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>