مَا فِي النِّهَايَةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عِنْدَ الطَّلَبِ إلَّا أَنْ تَظْهَرَ مَصْلَحَةٌ فِي التَّأْخِيرِ، وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُ الرَّافِعِيِّ بِمُخَالَفَتِهِ إطْلَاقَ النِّهَايَةِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ مِثْلَ مَا فِي النِّهَايَةِ وَعَنْ الْمَاوَرْدِيِّ خِلَافَهُ اهـ وَالْأَوْجَهُ مَا أَفَادَهُ كَلَامُ السُّبْكِيّ مِنْ حَمْلِ هَذَا عَلَى مَا إذَا ظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ فِي التَّأْخِيرِ، وَمَا فِي النِّهَايَةِ عَلَى خِلَافِهِ فَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ وَاحِدًا سَلَّمَهُ إلَيْهِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا؛ لِأَنَّ إعْطَاءَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ أَوْلَى مِنْ إقْرَاضِهِ أَوْ إيدَاعِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْقِسْمَةِ عَلَيْهِمْ الْمُكَاتَبُ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ نُجُومٌ وَأَرْشُ جِنَايَةٍ وَدَيْنُ مُعَامَلَةٍ فَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ دَيْنِ الْمُعَامَلَةِ ثُمَّ الْأَرْشِ ثُمَّ النُّجُومِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا حَجْرَ بِالنُّجُومِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَدْيُونِ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقَسِّمُ كَيْفَ شَاءَ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى صِحَّةِ التَّصَرُّفِ لَكِنْ يَنْبَغِي إذَا اسْتَوَوْا وَطَالَبُوا حَقَّهُمْ عَلَى الْفَوْرِ أَنْ تَجِبَ التَّسْوِيَةُ، وَإِذَا تَأَخَّرَتْ قِسْمَةُ مَا قَبَضَهُ الْحَاكِمُ (فَيُقْرِضُهُ أَمِينًا مُوسِرًا) قَالَ السُّبْكِيُّ: يَرْتَضِيهِ الْغُرَمَاءُ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُ مُمَاطِلٍ (فَإِنْ فُقِدَ أَوْدَعَهُ ثِقَةً تَرْتَضِيهِ الْغُرَمَاءُ) وَالتَّقْيِيدُ بِالْفَقْدِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْقَصْدُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ لَا يَضَعَهُ عِنْدَ نَفْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التُّهْمَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْإِقْرَاضِ رَهْنٌ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَلَعَلَّ سَبَبَهُ أَنَّ الْمُوسِرَ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ، وَهُوَ إنَّمَا قَبِلَهُ لِمَصْلَحَةِ الْمُفْلِسِ وَفِي تَكْلِيفِهِ الرَّهْنَ سَدٌّ لَهَا، وَبِذَلِكَ خَالَفَ اعْتِبَارَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الطِّفْلِ وَنَحْوِهِ (فَإِنْ اخْتَلَفُوا) فِيمَنْ يُودَعُ عِنْدَهُ أَوْ عَيَّنُوا غَيْرَ ثِقَةٍ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ السَّابِقُ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (فَمَنْ رَآهُ الْقَاضِي) مِنْ الْعُدُولِ أَوْلَى (فَإِنْ تَلِفَ مَعَهُ) أَيْ الْمُودِعِ (فَمِنْ ضَمَانِ الْمُفْلِسِ وَلَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ) لَا مِنْ ضَمَانِ الْحَاكِمِ أَوْ الْمُودِعِ.
(فَرْعٌ لَا يَلْزَمُ الْغُرَمَاءَ) عِنْدَ الْقِسْمَةِ (الْإِثْبَاتُ) أَيْ إقَامَةُ بَيِّنَةٍ أَوْ إخْبَارٌ مِنْ حَاكِمٍ (بِنَفْيِ غَيْرِهِمْ) أَيْ بِأَنْ لَا غَرِيمَ غَيْرُهُمْ لِاشْتِهَارِ الْحَجْرِ فَلَوْ كَانَ ثَمَّ غَرِيمٌ لَظَهَرَ، وَيُخَالِفُ نَظِيرَهُ فِي الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ أَضْبَطُ مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَهَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى نَفْيٍ يَعْسُرُ مَدْرَكُهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِهَا فِي الْأَضْبَطِ اعْتِبَارُهَا فِي غَيْرِهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلِأَنَّ الْغَرِيمَ الْمَوْجُودَ تَيَقُّنًا اسْتِحْقَاقُهُ لِمَا يَخُصُّهُ وَشَكَكْنَا فِي مُزَاحِمِهِ، وَهُوَ بِتَقْدِيرِ وُجُودِهِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ فِي الذِّمَّةِ، وَلَا تَتَحَتَّمُ مُزَاحَمَةُ الْغَرِيمِ فَإِنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ أَوْ أَعْرَضَ أَخَذَ الْآخَرُ الْجَمِيعَ وَالْوَارِثُ يُخَالِفُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَعُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ بِالْإِثْبَاتِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ (فَإِنْ ظَهَرَ غَرِيمٌ) بَعْدَ الْقِسْمَةِ (لَمْ تَنْقَضِ الْقِسْمَةُ بَلْ يُشَارِكُهُمْ فِيمَا قَبَضُوهُ بِالْحِصَّةِ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْمُسَوِّغِ لَهَا ظَاهِرًا وَفَارَقَ نَقْضَهَا فِيمَا لَوْ ظَهَرَ بَعْدَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ وَارِثٌ بِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ فِي عَيْنِ الْمَالِ بِخِلَافِ حَقِّ الْغَرِيمِ فَإِنَّهُ فِي قِيمَتِهِ فَلَوْ قَسَمَ مَالَ الْمُفْلِسِ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى غَرِيمَيْنِ لِأَحَدِهِمَا عِشْرُونَ وَلِلْآخَرِ عَشَرَةُ فَأَخَذَ الْأَوَّلُ عَشَرَةَ، وَالْآخَرُ خَمْسَةً ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ لَهُ ثَلَاثُونَ رَجَعَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِنِصْفِ مَا أَخَذَهُ.
(فَإِنْ أَعْسَرَ أَحَدُهُمْ جَعَلَ) مَا أَخَذَهُ (كَالْمَعْدُومِ وَشَارَكَ) مَنْ ظَهَرَ (الْبَاقِينَ فَإِنْ أَيْسَرَ رَجَعُوا عَلَيْهِ بِالْحِصَّةِ) فَلَوْ أَتْلَفَ أَحَدُ الْغَرِيمَيْنِ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ مَا أَخَذَهُ وَكَانَ مُعْسِرًا كَانَ مَا أَخَذَهُ الْآخَرُ كَأَنَّهُ كُلُّ الْمَالِ فَلَوْ كَانَ الْمُتْلِفُ آخِذَ الْخَمْسَةِ اسْتَرَدَّ الْحَاكِمُ مِنْ آخِذِ الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِهَا لِمَنْ ظَهَرَ ثُمَّ إذَا أَيْسَرَ الْمُتْلِفُ أَخَذَ مِنْهُ الْآخَرَانِ نِصْفَ مَا أَخَذَهُ وَقَسَمَاهُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ دَيْنَيْهِمَا، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ ظَهَرَ الثَّالِثُ وَظَهَرَ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ قَدِيمٌ أَوْ حَادِثٌ بَعْدَ الْحَجْرِ صُرِفَ مِنْهُ إلَيْهِ بِقِسْطِ مَا أَخَذَهُ الْأَوَّلَانِ وَالْفَاضِلُ يُقَسَّمُ عَلَى الثَّلَاثَةِ نَعَمْ إنْ كَانَ دَيْنُهُ حَادِثًا فَلَا مُشَارَكَةَ لَهُ فِي الْمَالِ الْقَدِيمِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا تَقَدَّمَ سَبَبُهُ فَكَالْقَدِيمِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَلَوْ غَابَ غَرِيمٌ وَعَرَفَ قَدْرَ حَقِّهِ قُسِّمَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ، وَلَمْ تُمْكِنْ مُرَاجَعَتُهُ وَلَا حُضُورُهُ رَجَعَ فِي قَدْرِهِ إلَى الْمُفْلِسِ فَإِنْ حَضَرَ وَظَهَرَ لَهُ زِيَادَةٌ فَهُوَ كَظُهُورِ غَرِيمٍ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَإِنْ أَمْكَنَتْ مُرَاجَعَتُهُ وَجَبَ الْإِرْسَالُ إلَيْهِ قَالَ: وَلَوْ تَلِفَ بِيَدِ الْحَاكِمِ مَا أَفْرَزَ لِلْغَائِبِ بَعْدَ أَخْذِ الْحَاضِرِ حِصَّتَهُ أَوْ إفْرَازِهَا فَعَنْ الْقَاضِي أَنَّ الْغَائِبَ لَا يُزَاحَمُ مِنْ قَبْضٍ (فَإِنْ ظَهَرَ) لِلْمُفْلِسِ، وَلَوْ (بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ) عَنْهُ (مَالٌ قَدِيمٌ) أَيْ مَوْجُودٌ قَبْلَهُ (وَحَدَثَ لَهُ) قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ (مَالٌ) بِاحْتِطَابٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَغُرَمَاءُ فَالْقَدِيمُ) الْمَذْكُورُ (لِلْقُدَمَاءِ) لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ قَبْلَ الْفَكِّ وَلِأَنَّا تَبَيَّنَّا بِذَلِكَ بَقَاءَ الْحَجْرِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ نَعَمْ الْحَادِثُ مِنْهُ بَعْدَ الْحَجْرِ لَا يُشَارِكُ فِيهِ الْغَرِيمُ الْحَادِثُ مِنْهُمْ بَعْدَ حُدُوثِهِ أَوْ مَعَهُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
[فَصْلٌ الْأَوْلَى لِلْحَاكِمِ أَنْ يُقَسِّمُ مَا قَبَضَهُ مِنْ أَثْمَانِ أَمْوَالِ الْمُفْلِس]
قَوْلُهُ: وَعَنْ الْمَاوَرْدِيِّ) أَيْ وَالْعِمْرَانِيُّ وَأَبِي حَامِدٍ (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ مَا أَفَادَهُ كَلَامُ السُّبْكِيّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ دَيْنِ الْمُعَامَلَةِ) لِأَنَّ لِلْأَرْشِ وَالنُّجُومِ تَعَلُّقًا آخَرَ بِتَقْدِيرِ الْعَجْزِ عَنْهُمَا، وَهُوَ الرَّقَبَةُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأَرْشُ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِرُّ، وَالنُّجُومُ مُتَعَرِّضَةٌ لِلسُّقُوطِ (قَوْلُهُ قَالَ السُّبْكِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: قَالَ السُّبْكِيُّ يَرْتَضِيهِ الْغُرَمَاءُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بَاطِلٌ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْإِقْرَاضِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَمَنْ رَآهُ الْقَاضِي مِنْ الْعُدُولِ أَوْلَى) لَوْ اتَّفَقَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ عَلَى وَضْعِ الْمَرْهُونِ عِنْدَ غَيْرِ عَدْلٍ لَمْ يَعْتَرِضْهُمَا الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ لَهُ فِي الْمَرْهُونِ بِخِلَافِ مَالِ الْمُفْلِسِ وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُتَرَاهِنَيْنِ لَا يَتَجَاوَزُهُمَا، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ قَدْ يَتَجَاوَزُهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ، وَهُوَ غَرِيمٌ آخَرُ غَائِبٌ فَجَازَ لِحَقِّهِ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِمْ فِي الِاخْتِيَارِ.
(قَوْلُهُ وَفَارَقَ نَقْضَهَا فِيمَا لَوْ ظَهَرَ بَعْدَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ إلَخْ) شَمِلَتْ قِسْمَةُ التَّرِكَةِ مَا لَوْ قَسَّمَهَا الْحَاكِمُ، وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قِيَاسُ مَسْأَلَتِنَا أَنَّ الْحَاكِمَ لَوْ قَسَّمَ التَّرِكَةَ ثُمَّ ظَهَرَ وَارِثٌ الْتِحَاقُهُ بِقِسْمِ الْمُفْلِسِ (قَوْلُهُ فَلَوْ قُسِّمَ مَالُ الْمُفْلِسِ إلَخْ) لَوْ قَسَّمَ اثْنَانِ تَرِكَةَ مُورَثِهِمَا وَتَصَرَّفَ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَلِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ مِنْ نَصِيبِ الْمُوسِرِ ثُمَّ إذَا أَيْسَرَ الْمُعْسِرُ رَجَعَ عَلَيْهِ الْمُوسِرُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَمْكَنَتْ مُرَاجَعَتُهُ وَجَبَ الْإِرْسَالُ إلَيْهِ) فَإِنْ انْتَفَى مَا تَقَدَّمَ لَمْ يُقَسِّمْ الْحَاكِمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute