للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَرْعٌ قَالَ آذَيْته بِسِحْرِي وَلَمْ أُمْرِضْهُ]

(فَرْعٌ: لَوْ قَالَ آذَيْته بِسِحْرِي) ، وَلَمْ أُمْرِضْهُ (نُهِيَ) عَنْهُ (فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ) ، وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ يُعَزَّرُ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَبْعُدْ (أَوْ) قَالَ (أَمْرَضْته بِهِ عُزِّرَ) ؛ لِأَنَّ السِّحْرَ كُلَّهُ حَرَامٌ (فَإِنْ مَرِضَ بِهِ وَتَأَلَّمَ حَتَّى مَاتَ كَانَ لَوْثًا إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ) أَيْ بِأَنَّهُ تَأَلَّمَ بِهِ حَتَّى مَاتَ أَوْ أَقَرَّ بِهِ السَّاحِرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ثُمَّ يَحْلِفُ الْوَلِيُّ أَنَّهُ مَاتَ بِسِحْرِهِ، وَيَأْخُذُ الدِّيَةَ (فَإِذَا ادَّعَى السَّاحِرُ بُرْأَهُ) مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ (وَاحْتُمِلَ) بُرْؤُهُ بِأَنْ مَضَتْ مُدَّةٌ يُحْتَمَلُ بُرْؤُهُ فِيهَا (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ قَالَ قَتَلْت بِسِحْرِي، وَلَمْ يُعَيِّنْ) أَحَدًا (عُزِّرَ) لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا (وَلَا قِصَاصَ لِأَحَدٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَالتَّصْرِيحُ بِلُزُومِ التَّعْزِيرِ مِنْ زِيَادَتِهِ.

[فَرْعٌ اعْتَرَفَ شَخْصٌ بِقَتْلِهِ إنْسَانًا بِالْعَيْنِ]

(فَرْعٌ) لَوْ (اعْتَرَفَ) شَخْصٌ (بِقَتْلِهِ) إنْسَانًا (بِالْعَيْنِ فَلَا ضَمَانَ، وَلَا كَفَّارَةَ) ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ حَقًّا؛ لِأَنَّهَا لَا تُفْضِي إلَى الْقَتْلِ غَالِبًا، وَلَا تُعَدُّ مُهْلِكَةً، وَدَلِيلُ أَنَّهَا حَقٌّ خَبَرُ مُسْلِمٍ «الْعَيْنُ حَقٌّ» ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ الْقَدَرِ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ (، وَيُسْتَحَبُّ) لِلْعَائِنِ (أَنْ يَدْعُوَ لِلْمَعِينِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (بِالْمَأْثُورِ) أَيْ الْمَنْقُولِ، وَهُوَ اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ، وَلَا تَضُرَّهُ (وَأَنْ يَقُولَ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ) ، وَفِي نُسْخَةٍ كَبَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَالْأَمْرُ قَرِيبٌ (وَ) أَنْ (يَغْسِلَ جِلْدَهُ مِمَّا يَلِي إزَارَهُ بِمَاءٍ، وَيَصُبَّ عَلَى الْمَعِينِ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «الْعَيْنُ حَقٌّ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ - أَيْ طُلِبَ مِنْكُمْ الْغُسْلُ - فَاغْسِلُوا» قَالَ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ الِاسْتِغْسَالُ أَنْ يُقَالَ لِلْعَائِنِ اغْسِلْ دَاخِلَةَ إزَارِك مِمَّا يَلِي الْجِلْدَ بِمَاءٍ ثُمَّ يُصَبُّ عَلَى الْمَعِينِ، وَبِمَا قَالَهُ عُلِمَ أَنَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ بِغَسْلِ جِلْدِهِ لَا يُطَابِقُ أَصْلَهُ (وَ) أَنْ (يَغْتَسِلَ) الْمَعِينُ (بِوُضُوئِهِ) أَيْ الْعَائِنِ فَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثُمَّ يَغْسِلَ مِنْهُ الْمَعِينُ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ أَوْ يَغْتَسِلَ بِأَوْ وَالْأُولَى هِيَ الْمُطَابِقَةُ لِلْأَصْلِ.

(الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْعَاقِلَةِ) وَمَنْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَفِي جِنَايَةِ الرَّقِيقِ (وَفِيهِ أَطْرَافٌ) أَرْبَعَةٌ (الْأَوَّلُ فِي بَيَانِهَا) أَيْ الْعَاقِلَةِ وَالْأَصْلُ فِي تَحَمُّلِهَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي» ، وَفِيهِمَا أَنَّ «امْرَأَتَيْنِ اقْتَتَلَتَا فَحَذَفَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا، وَمَا فِي بَطْنِهَا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا» أَيْ الْقَاتِلَةِ، وَقَتْلُهَا شِبْهُ عَمْدٍ فَثُبُوتُ ذَلِكَ فِي الْخَطَأِ أَوْلَى، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَبَائِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَقُومُونَ بِنُصْرَةِ الْجَانِي مِنْهُمْ، وَيَمْنَعُونَ أَوْلِيَاءَ الدَّمِ أَخْذَ حَقِّهِمْ فَأَبْدَلَ الشَّرْعُ تِلْكَ النُّصْرَةَ بِبَذْلِ الْمَالِ، وَخَصَّ تَحَمُّلَهُمْ بِالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَكْثُرُ لَا سِيَّمَا فِي مُتَعَاطِي الْأَسْلِحَةِ فَحَسُنَتْ إعَانَتُهُ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِمَا هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ وَأُجِّلَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ رِفْقًا بِهِمْ وَسُمُّوا عَاقِلَةً لِعَقْلِهِمْ الْإِبِلَ بِفِنَاءِ الْمُسْتَحِقِّ، وَيُقَالُ لِتَحَمُّلِهِمْ عَنْهُ الْعَقْلَ أَيْ الدِّيَةَ، وَيُقَالُ لِمَنْعِهِمْ عَنْ الْقَاتِلِ وَالْعَقْلُ الْمَنْعُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْعَقْلُ عَقْلًا لِمَنْعِهِ مِنْ الْفَوَاحِشِ.

(وَجِهَاتُ التَّحَمُّلِ) ثَلَاثٌ (الْعَصَبَةُ) مِنْ النَّسَبِ (وَالْوَلَاءُ، وَبَيْتُ الْمَالِ) لَا غَيْرُهَا كَزَوْجِيَّةٍ، وَمُحَالَفَةٍ، وَقَرَابَةٍ لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ (فَلَا يَتَحَمَّلُ الْقَاتِلُ) مَعَ وُجُودِ الْعَاقِلَةِ فِيمَا تَحَمَّلَ فِيهِ لِمَا مَرَّ (وَلَا أُصُولُهُ، وَ) لَا (فُرُوعُهُ) كَالْقَاتِلِ إذْ مَالُهُمْ كَمَالِهِ بِدَلِيلِ لُزُومِ النَّفَقَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد فِي خَبَرِ الْمَرْأَتَيْنِ السَّابِقِ، وَبَرَأَ الْوَالِدُ أَيْ مِنْ الْعَقْلِ، وَفِي النَّسَائِيّ «لَا يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِجَرِيرَةِ ابْنِهِ» (كَابْنِ الْجَانِيَةِ، وَلَوْ كَانَ ابْنَ ابْنِ عَمِّهَا) أَوْ مُعْتِقَهَا فَلَا يَتَحَمَّلُ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ يَلِي نِكَاحَهَا؛ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ هُنَا مَانِعَةٌ وَثَمَّ غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لَا مَانِعَةٌ فَإِذَا وُجِدَ مُقْتَضٍ زُوِّجَ بِهِ.

(وَيُقَدَّمُ) مِنْهُمْ (الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَالْمُدْلِي بِالْأَبَوَيْنِ) عَلَى الْمُدْلِي بِالْأَبِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعُصُوبَةِ فَيُقَدَّمُ مَنْ ذُكِرَ (كَالْمِيرَاثِ) وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ (فَإِنْ عُدِمُوا) أَيْ الْعَاقِلَةُ مِنْ النَّسَبِ (أَوْ لَمْ يَفُوا) بِالْوَاجِبِ إذَا وُزِّعَ عَلَيْهِمْ (فَالْمُعْتِقُ) يَتَحَمَّلُ لِخَبَرِ «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» (فَإِنْ فُقِدَ، وَكَذَا لَوْ فَضَلَ) عَنْ الْوَاجِبِ (شَيْءٌ فَعَصَبَتُهُ) مِنْ النَّسَبِ (ثُمَّ مُعْتِقُ الْمُعْتَقِ ثُمَّ عَصَبَتُهُ) ، وَهَكَذَا (ثُمَّ مُعْتِقُ أَبِي الْمُعْتَقِ ثُمَّ عَصَبَتُهُ ثُمَّ مُعْتِقُ مُعْتِقِهِ ثُمَّ عَصَبَتُهُ) ، وَهَكَذَا (ثُمَّ مُعْتِقُ جَدِّ الْمُعْتَقِ) ثُمَّ عَصَبَتُهُ (وَهَكَذَا) إلَى حَيْثُ يَنْتَهِي كَالْإِرْثِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[الطَّرَفُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ السِّحْرِ]

قَوْلُهُ: فَرْعٌ اعْتَرَفَ بِقَتْلِهِ بِالْعَيْنِ إلَخْ) أَيْ أَوْ الْحَالِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تُفْضِي إلَى الْقَتْلِ غَالِبًا) ، وَلَا تُعَدُّ مُهْلِكَةً؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقَتْلِ بِهَا اخْتِيَارًا، قَالَ الْإِمَامُ وَلِهَذَا لَوْ نَظَرَ، وَهُوَ صَائِمٌ إلَى مَنْ تَتُوقُ نَفْسُهُ إلَيْهِ فَأَنْزَلَ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ، وَلَوْ كَانَ لِلنَّظَرِ أَثَرٌ فِي الضَّمَانِ لَأَفْسَدَهُ.

[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْعَاقِلَةِ وَمَنْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَفِي جِنَايَةِ الرَّقِيقِ]

[الطَّرَف الْأَوَّلُ فِي بَيَان الْعَاقِلَةِ]

(الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْعَاقِلَةِ) (قَوْلُهُ: وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَبَائِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إلَخْ) ضَرْبُ الدِّيَةِ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْقَاتِلِ لِمَصْلَحَةِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ مَعَ عَدَمِ تَحْمِيلِ الْقَاتِلِ مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْقَتْلُ وَكَوْنُ أَوْلِيَائِهِ يَغْنَمُونَ بِكَوْنِهِ مَقْتُولًا فَلْيَغْرَمُوا بِكَوْنِهِ قَاتِلًا، وَلِذَلِكَ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا لَكَ غُنْمُهُ فَعَلَيْك غُرْمُهُ» (قَوْلُهُ: وَخُصَّ تَحَمُّلُهُمْ بِالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ) وَخَرَجَ بِالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ دِيَةُ الْعَمْدِ فَتَجِبُ عَلَى الْجَانِي لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا، وَلَا صُلْحًا، وَلَا اعْتِرَافًا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا خِلَافَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَجِهَاتُ التَّحَمُّلِ ثَلَاثٌ) شَمِلَ خَطَأَ الْإِمَامِ، وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ جِنَايَةَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا عَلَى طَرَفِهِ بَلْ هِيَ هَدَرٌ (قَوْلُهُ: بِجَرِيرَةِ ابْنِهِ) ، وَلَا بِجَرِيرَةِ أَبِيهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ فُقِدَ) أَيْ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ فَضَلَ شَيْءٌ فَعَصَبَتُهُ مِنْ النَّسَبِ) فَعُلِمَ أَنَّهُ يُضْرَبُ عَلَى عَصَبَتِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِأَقْرَبِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ نَقَلَ الْإِمَامُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ قَيَّدُوا الضَّرْبَ عَلَى عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ بِمَوْتِهِ، وَقَالَ إنَّهُ لَا يُتَّجَهُ غَيْرُهُ إذْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْوَلَاءِ، وَلَا بِالْوَلَاءِ فِي حَيَاتِهِ فَهُمْ كَالْأَجَانِبِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ مُعْتِقُ جَدِّ الْمُعْتِقِ) ، وَهَكَذَا، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مُعْتِقٌ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ انْتَقَلْنَا إلَى مُعْتِقِ الْأُمِّ ثُمَّ إلَى عَصَبَتِهِ غَيْرِ أُصُولِهِ، وَفُرُوعِهِ ثُمَّ إلَى مَوَالِي الْجَدَّاتِ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، وَمِنْ جِهَةِ الْأَبِ، وَمَوَالِي الذُّكُورِ الْمُدْلِينَ بِالْإِنَاثِ كَالْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ، وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>