فَاشْتَرَى بِعَيْنِهِ لَمْ يَقَعْ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُرِيدُ تَحْصِيلَ الْمُوَكَّلِ فِيهِ، وَإِنْ تَلِفَ الْمُعَيَّنُ وَلَا لِلْوَكِيلِ أَيْضًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَبِمَا قَالَهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْ هَذَا الْعَبْدَ فَبَاعَ آخَرَ لَمْ يَصِحَّ، وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ (وَلَوْ أَطْلَقَ) بِأَنْ لَمْ يَقُلْ بِعَيْنِهِ وَلَا فِي الذِّمَّةِ (تَخَيَّرَ) بَيْنَ الشِّرَاءِ بِعَيْنِهِ، وَفِي الذِّمَّةِ لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لَهُمَا.
(فَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ) وَقَدْ أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ بِالشِّرَاءِ فِيهَا، أَوْ أُطْلِقَ (وَقَعَ عَنْ الْمُوَكِّلِ ثُمَّ إنْ سَلِمَ الثَّمَنُ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ) وَكَانَ أَمَرَهُ بِتَسْلِيمِ الْأَلْفِ فِي الثَّمَنِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ (فَمُتَبَرِّعٌ) بِذَلِكَ (لَا يَرْجِعُ بِهِ) وَيَلْزَمُهُ رَدُّ الْأَلْفِ إلَى الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ دَفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِتَسْلِيمِهِ فِي الثَّمَنِ فَيَرْجِعُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالشِّرَاءِ حِينَئِذٍ يَتَضَمَّنُ أَمْرَهُ بِدَفْعِ الثَّمَنِ بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَتَهُ بِالثَّمَنِ وَالْعُهْدَةِ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ: إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ مُشْكِلٌ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ دَفْعُ مَا دُفِعَ إلَيْهِ فِي الْوَقْتِ كَضَيَاعِ مِفْتَاحِ صُنْدُوقِهِ أَوْ حَانُوتِهِ أَوْ أَرْهَقَ بِالْحَاكِمِ إلَى دَفْعٍ وَلَمْ يُمَكَّنْ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى مَحَلِّ الْمَدْفُوعِ لَهُ فَأَدَّى مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ رَجْعَ مَمْنُوعٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى أَنَّهُ أَدَّى عَنْهُ لِيَرْجِعَ أَوْ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ الْحَاكِمَ (وَإِنْ تَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ) قَرْضًا عَلَيْهِ (فِيمَا أَعْطَاهُ الْمُوَكِّلُ) لَهُ (ثُمَّ اشْتَرَى لَهُ بِغَيْرِهِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ) بَلْ عَنْ الْوَكِيلِ لِانْعِزَالِهِ ظَاهِرًا بِتَلَفِ مَا وُكِّلَ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ سَوَاءٌ أَقَالَ لَهُ الْمُوَكِّلُ: اشْتَرِ بِعَيْنِهِ أَمْ فِي الذِّمَّةِ كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي آخِرِ الْحُكْمِ الثَّالِثِ (فَإِنْ عَادَ) إلَيْهِ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ (وَاشْتَرَى لَهُ) أَيْ لِمُوَكِّلِهِ (بِهِ جَازَ) أَيْ وَقَعَ لَهُ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ انْعِزَالِهِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِتَعَدِّيهِ ثُمَّ لَا يَضْمَنُ مَا اشْتَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ فَلَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ وَاسْتَرَدَّ الثَّمَنَ عَادَ الضَّمَانُ وَمَا ذُكِرَ مِنْ جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيمَا عَادَ إلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يُخَالِفُ مَا ذَكَرُوهُ فِيمَا لَوْ وَكَّلَهُ لِيَتَزَوَّجَ لَهُ امْرَأَةً فَتَزَوَّجَهَا لِنَفْسِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِمُوَكِّلِهِ، وَأَقُولُ: لَا مُخَالَفَةَ؛ لِأَنَّهُ بِتَزَوُّجِهِ لَهَا انْعَزَلَ عَنْ الْوَكَالَةِ وَهُنَا لَمْ يَنْعَزِلْ بِتَصَرُّفِهِ لِبَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْمُوَكِّلِ
(فَصْلٌ يُشْتَرَطُ) فِي الصِّيغَةِ (أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ) لِلْوَكِيلِ (بِعْتُك أَوْ بِعْتُك لِمُوَكِّلِك) فَيَقُولُ اشْتَرَيْت لِمُوَكِّلِي أَوْ نَحْوِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ بِعْتُك لِمُوَكِّلِك مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ (فَإِنْ قَالَ بِعْت مُوَكِّلَك) فَقَالَ اشْتَرَيْت لَهُ (لَمْ يَصِحَّ) الشِّرَاءُ وَإِنْ وَقَعَ التَّصَرُّف عَلَى وَفْقِ الْإِذْنِ لِعَدَمِ الْخِطَابِ (بِخِلَافِ) نَظِيرِهِ فِي (النِّكَاحِ) يَصِحُّ بِذَلِكَ بَلْ لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ فِيهِ سِفَارَةٌ مَحْضَةٌ بِخِلَافِهَا فِي الْبَيْعِ إذْ لَهُ أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمَجْلِسِ وَإِنَّمَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا بِالْمُتَعَاقِدِينَ فَاعْتُبِرَ جَرَيَانُ الْخِطَابِ بَيْنَهُمَا (وَإِنْ وَكَّلَهُ لِيَبِيعَ مِنْ زَيْدٍ فَبَاعَ مِنْ وَكِيلِهِ لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ (بِخِلَافِ) نَظِيرِهِ فِي (النِّكَاحِ) يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ نَقْلَ الْمِلْكِ وَالْبَيْعُ يَقْبَلُهُ وَلِهَذَا يَقُولُ وَكِيلُ النِّكَاحِ زَوِّجْ مُوَكِّلِي وَلَا يَقُولُ زَوِّجْنِي لِمُوَكِّلِي وَفِي الْبَيْعِ يَقُولُ بِعْنِي لِمُوَكِّلِي وَلَا يَقُولُ بِعْ مُوَكِّلِي قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ صِحَّةُ الْبَيْعِ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ ابْتِدَاءً لِلْمُوَكِّلِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ لَا يَتَعَاطَى الشِّرَاءَ بِنَفْسِهِ كَالسُّلْطَانِ صَحَّ الْبَيْعُ مِنْ وَكِيلِهِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ إنَّمَا يَقْصِدُ بِقَوْلِهِ بِعْ هَذَا لِلسُّلْطَانِ مَثَلًا ذَلِكَ لَا مُخَاطَبَتَهُ بِالْبَيْعِ.
قَالَ: وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ جَرَى الْعَقْدُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْدِرُ فِيهِ دُخُولُ الْمِلْكِ فِي مِلْكِ الْوَكِيلِ صَحَّ (وَعِنْدَ الْمُخَالَفَةِ) أَيْ مُخَالَفَةِ الْوَكِيلِ مُوَكِّلَهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ (إنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِهِ) كَأَنْ قَالَ لَهُ اشْتَرِ كَذَا بِعَيْنِ هَذِهِ الْمِائَةِ فَاشْتَرَاهُ بِعَيْنِ مِائَةٍ أُخْرَى مِنْ مَالِ مُوَكِّلِهِ (بَطَلَ) الشِّرَاءُ لِلْمُخَالَفَةِ (أَوْ) اشْتَرَى (فِي ذِمَّتِهِ) كَأَنْ قَالَ لَهُ اشْتَرِهِ بِخَمْسَةٍ فَاشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ (وَقَعَ لِلْوَكِيلِ وَلَوْ سَمَّى الْمُوَكِّلَ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُسَمِّهِ فَالْخِطَابُ مَعَهُ وَنِيَّتُهُ لَاغِيَةٌ لِلْمُخَالَفَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ سَمَّاهُ بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك فَقَالَ اشْتَرَيْته لِمُوَكِّلِي فَلِأَنَّ التَّسْمِيَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الشِّرَاءِ فَإِذَا سَمَّاهُ وَتَعَذَّرَ صَرْفُ الْعَقْدِ إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِ.
(فَرْعٌ وَكِيلُ الْمُتَّهَبِ يُسَمِّيهِ) وُجُوبًا (فِي الْقَبُولِ) وَإِلَّا فَيَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ لِجَرَيَانِ الْخِطَابِ مَعَهُ أَيْ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْمُوَكِّلِ (وَلَا تُجْزِئُ النِّيَّةُ) فِي وُقُوعِ الْعَقْدِ لِمُوَكِّلِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ قَدْ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَلَوْ أَطْلَقَ) كَأَنْ قَالَ: اشْتَرِ بِهَذَا (قَوْلُهُ تَخَيَّرَ) أَيْ إنْ اسْتَوَيَا فِي الْمَصْلَحَةِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ رِعَايَةُ الْأَغْبَطِ لِمُوَكِّلِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اشْتَرَى) أَيْ بِالْعَيْنِ وَسَمَّى الْمُوَكِّلَ أَوْ نَوَاهُ أَوْ نَفْسَهُ أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ وَوَقَعَ لِلْمُوَكِّلِ، وَإِنْ قَالَ: اشْتَرَيْت لِنَفْسِي بَطَلَ الْبَيْعُ وَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَقَعَ عَنْ الْمُوَكِّلِ) سَوَاءٌ أَسَمَّاهُ أَمْ نَوَاهُ أَمْ أَطْلَقَ فَإِنْ نَوَى نَفْسَهُ وَقَعَ لَهُ وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ (قَوْلُهُ فَمُتَبَرِّعٌ لَا يَرْجِعُ بِهِ) ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِتَسْلِيمِ الْأَلْفِ فِي الثَّمَنِ مُتَضَمِّنٌ لِنَهْيِهِ عَنْ بَذْلِهِ مِنْ مَالِهِ فَانْدَفَعَ بِذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّ هَذَا عَجِيبٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَحَدُ أَفْرَادِ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فِي مُطَالَبَةِ الْوَكِيلِ؛ إذْ الْأَصَحُّ أَنَّ الْوَكِيلَ كَضَامِنٍ، وَالْمُوَكِّلُ كَأَصِيلٍ (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ قَالَ لَهُ الْمُوَكِّلُ: اشْتَرِ بِعَيْنِهِ أَمْ فِي الذِّمَّةِ إلَخْ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَالَ لَهُ: اشْتَرِ بِعَيْنِهِ
[فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي الصِّيغَةِ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْوَكِيلِ بِعْتُك أَوْ بِعْتُك لِمُوَكِّلِك]
(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ إلَخْ) لَوْ قَالَ: بِعْنِي هَذَا لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ فَقَالَ بِعْتُك قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ وَلَمْ أَرَهُ نَصًّا (قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ بِعْت مُوَكِّلَك) أَوْ بِعْتُك لِنَفْسِك (قَوْلُهُ وَإِنْ وَكَّلَهُ لِيَبِيعَ مِنْ زَيْدٍ فَبَاعَ مِنْ وَكِيلِهِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ) أَيْ وَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَبُولُ وَصَرَّحَ بِالسِّفَارَةِ، وَلَوْ مَاتَ زَيْدٌ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ بِخِلَافِ مَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ رَغْبَتُهُ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَوْ انْعَكَسَ التَّصْوِيرُ فَإِنْ قَالَ بِعْ مِنْ وَكِيلِ زَيْدٍ فَبَاعَ مِنْ زَيْدٍ فَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا، وَاَلَّذِي يُظْهِرُ الْبُطْلَانَ أَيْ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَنْقُولِ إلَّا إذَا لُمِحَ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ) أَيْ كَالْبُلْقِينِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ قَالَ وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ إلَخْ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَعَ هَذَا مِنْ أَيْتَامِ زَيْدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْبَيْعِ لِوَلِيِّهِمْ، وَلَا نَقُولُ التَّوْكِيلُ فَاسِدٌ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الْمُخَالَفَةِ إنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِهِ) أَيْ أَوْ فِي ذِمَّتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute