للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا كَانَ مَجْهُولًا وَبِيعَ مَعَ غَيْرِهِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ بِالْقِسْطِ، وَالتَّقْسِيطُ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِلْجَهَالَةِ (أَوْ) وَهُوَ (وَاقِفٌ) وَعَرَفَ الْعُمْقَ (صَحَّ) الْبَيْعُ؛ إذْ لَا مَانِعَ.

(فَرْعٌ وَإِنْ سَقَى زَرْعَهُ بِمَغْصُوبٍ ضَمِنَ الْمَاءَ) الْمَغْصُوبَ بِبَدَلِهِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ " بِقِيمَتِهِ " لِأَنَّ الْمَاءَ مِثْلِيٌّ، وَإِنْ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ فِي حَالَةٍ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي التَّيَمُّمِ وَيُمْكِنُ مَجِيئُهَا هُنَا (وَالْغَلَّةُ لَهُ) لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلْبَذْرِ (فَإِنْ تَحَلَّلَ مِنْ صَاحِبِ الْمَاءِ) مَعَ غُرْمِ بَدَلِهِ (كَانَ الطَّعَامُ) أَيْ الْغَلَّةُ (أَطْيَبَ) لَهُ مِمَّا لَوْ غَرِمَ الْبَدَلَ فَقَطْ (وَإِنْ أَضْرَمَ) أَيْ أَشْعَلَ (نَارَهُ فِي حَطَبٍ مُبَاحٍ لَمْ يَمْنَعْ) أَحَدًا (النَّفْعَ) أَيْ الِانْتِفَاعَ (بِهَا فَإِنْ مَلَكَهُ) أَيْ الْحَطَبَ الْمَذْكُورَ (فَلَهُ الْمَنْعُ) مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا أَيْ بِالْأَخْذِ مِنْهَا وَنَحْوِهِ، أَمَّا الِاصْطِلَاءُ، أَوْ الِاسْتِصْبَاحُ بِهَا أَوْ مِنْهَا فَلَا مَنْعَ مِنْهُ.

(كِتَابُ الْوَقْفِ)

هُوَ - لُغَةً - الْحَبْسُ يُقَالُ: وَقَفْت كَذَا أَيْ حَبَسْته، وَيُقَالُ: أَوْقَفْته فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ وَشَرْعًا حَبْسُ مَالٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ بِقَطْعِ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهِ عَلَى مَصْرِفٍ مُبَاحٍ، وَجَمْعُهُ وُقُوفٌ وَأَوْقَافٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ خَبَرُ مُسْلِمٍ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» .

وَالصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ مَحْمُولَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْوَقْفِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لَا عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ لِنُدْرَتِهَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ شِئْت حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ» وَهُوَ أَوَّلُ وَقْفٍ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَفِيهِ بَابَانِ: الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ، وَفِيهِ طَرَفَانِ: الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ الْوَاقِفُ، وَشَرْطُهُ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ) فَيَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ وَلَوْ لِمَسْجِدٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ قُرْبَةً اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِنَا وَمِنْ مُبَعَّضٍ لَا مِنْ مُكَاتَبٍ وَمُفْلِسٍ وَمُوَلًّى عَلَيْهِ وَلَوْ بِمُبَاشَرَةِ وَلِيِّهِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْإِمَامَ فَيَصِحُّ وَقْفُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى مُعَيَّنٍ وَجِهَةٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ تَبَعًا لِجَمْعٍ لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقْفُهُ عَلَى مُعَيَّنٍ وَلَا عَلَى طَوَائِفَ مَخْصُوصَةٍ، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ.

الرُّكْنُ (الثَّانِي الْمَوْقُوفُ وَهُوَ كُلُّ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ مَمْلُوكَةٍ تَقْبَلُ النَّقْلَ) مِنْ مِلْكِ شَخْصٍ إلَى مِلْكِ آخَرَ (وَيَحْصُلُ مِنْهَا) مَعَ بَقَاءِ عَيْنهَا (فَائِدَةٌ) حَالًا وَمَآلًا كَثَمَرَةٍ، أَوْ مَنْفَعَةٍ تُسْتَأْجَرُ لَهَا غَالِبًا كَسُكْنَى وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ - مِنْ زِيَادَتِهِ - " غَالِبًا " عَنْ الرَّيَاحِينِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُهَا كَمَا سَيَأْتِي مَعَ أَنَّهَا تُسْتَأْجَرُ؛ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَهَا نَادِرٌ وَلَا غَالِبٌ (فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مَطْعُومٍ) لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ فِي اسْتِهْلَاكِهِ وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُهُ (وَيَصِحُّ وَقْفُ الْعَقَارِ) بِالْإِجْمَاعِ (وَالْمُشَاعِ) كَنِصْفِ دَارٍ وَنِصْفِ عَبْدٍ؛ لِأَنَّ عُمَرَ وَقَفَ مِائَةَ سَهْمٍ مِنْ خَيْبَرَ مُشَاعًا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ.

(وَلَا يَسْرِي) الْوَقْفُ مِنْ جُزْءٍ إلَى جُزْءٍ (كَمَا لَا يَسْرِي إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْجُزْءِ الْمَوْقُوفِ (الْعِتْقُ) وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ فِي الْجُزْءِ الْمَرْهُونِ حَيْثُ يَسْرِي إلَيْهِ الْعِتْقُ بِأَنَّ الْمَرْهُونَ قَابِلٌ لِلْإِعْتَاقِ بِخِلَافِ الْمَوْقُوفِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ صِحَّةُ وَقْفِ الْمُشَاعِ مَسْجِدًا وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَقَالَ يَحْرُمُ الْمُكْثُ فِيهِ عَلَى الْجُنُبِ تَغْلِيبًا لِلْمَنْعِ وَتَجِبُ الْقِسْمَةُ لِتَعَيُّنِهَا طَرِيقًا قَالَ.

السُّبْكِيُّ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ الْمَعْرُوفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَقْلٌ صَرِيحٌ بِخُصُوصِهِ وَأَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِجَوَازِ الْمُكْثِ فِيهِ مَا لَمْ يُقْسَمْ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

نَهْيٌ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَفْرَدَ مَاءَ عَيْنٍ، أَوْ بِئْرٍ، أَوْ نَهْرٍ بِالْبَيْعِ فَإِنْ بَاعَهُ مَعَ الْأَرْضِ بِأَنْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ شِرْبِهَا مِنْ الْمَاءِ فِي نَهْرٍ، أَوْ وَادٍ صَحَّ وَدَخَلَ الْمَاءُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ مُرَادُهُ بِالشِّرْبِ الْمَاءُ الرَّاكِدُ عَلَيْهَا، أَوْ جَمِيعُ الْمَاءِ الَّذِي أَحَاطَ بِهِ الْوَادِي أَوْ النَّهْرُ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَاءُ النَّهْرِ جَارِيًا.

[فَرْعٌ سَقَى زَرْعَهُ بِمَغْصُوبٍ]

(قَوْلُهُ: وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ بِقِيمَتِهِ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ هُوَ سَهْوٌ وَالصَّوَابُ إيجَابُ مِثْلِهِ وَقَدْ ذَكَرَهَا ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ عَلَى الصَّوَابِ قَالَ النَّاشِرِيُّ قَالَ وَالِدِي الَّذِي يَظْهَرُ لِي وُجُوبُ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ فَإِنَّ الْمَاءَ فِي النَّهْرِ لَا تَنْتَفِعُ بِهِ الْأَرَاضِي فِي كُلِّ وَقْتٍ فَتَسْلِيمُ الْمِثْلِ فِي وَقْتٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَتَسْلِيمِ مِثْلِ الْمَاءِ فِي الْبَلَدِ عِوَضًا عَنْ الْمَغْصُوبِ فِي مَفَازَةٍ، فَإِنْ فُرِضَتْ حَالَةٌ يُمْكِنُ فِيهَا نَقْلُ مِثْلِ الْمَاءِ مِنْ قِرَبٍ - وَسَهُلَ سُهُولَةَ أَخْذِ الْمَاءِ الْمَغْصُوبِ لِلسَّقْيِ أَوَّلًا، وَيَنْتَفِعُ بِهِ صَاحِبُ الْمَاءِ كَانْتِفَاعِهِ بِمَائِهِ الَّذِي غُصِبَ حَالَةَ غَصْبِهِ - تَعَيَّنَ الْمِثْلُ وَكَتَبَ أَيْضًا أَجَابَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي سَقَى بِهِ الْأَرْضَ لَا يُتَصَوَّرُ رَدُّ مِثْلِهِ إمَّا لِكَثْرَتِهِ، أَوْ لِعَدَمِ ضَبْطِهِ أَوْ لِعِزَّةِ وُجُودِهِ فِي سَقْيِ أَرْضٍ أُخْرَى تَكُونُ لِمَالِكِ الْمَاءِ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ عَدِمَ الْمِثْلَ فَيَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ يَجِبُ مِثْلُهُ مُحَصَّلًا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ مِنْ قَنَاةٍ، أَوْ غَيْرِهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْأَصْلِ عَلَى أَنَّهُ غَصَبَهُ وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَى السَّقْيِ بِهِ، ثُمَّ طَالَبَهُ فِي وَقْتٍ لَا قِيمَةَ لَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي التَّيَمُّمِ ع.

[كِتَابُ الْوَقْفِ وَفِيهِ بَابَانِ]

[الْبَابَ الْأَوَّلُ وَفِيهِ طَرَفَانِ]

[الطَّرَف الْأَوَّل فِي أَرْكَانِ الْوَقْفِ]

(كِتَابُ الْوَقْفِ) (قَوْلُهُ: عَلَى مَصْرِفٍ مُبَاحٍ) مَوْجُودٍ (قَوْلُهُ: أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ) أَيْ النَّاجِزُ وَالِاخْتِيَارُ (قَوْلُهُ: وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْإِمَامَ إلَخْ) وَمَا لَوْ كَانَ الْحَاكِمُ نَاظِرًا عَلَى الْوَقْفِ وَشَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ مَا يَصِحُّ وَقْفُهُ يُوقَفُ وَمِثْلُهُ مَا يَقِفُهُ مَنْ شُرِطَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ نَاظِرٍ أَوْ وَصِيٍّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمًا.

(٢٩) (قَوْلُهُ: وَيَحْصُلُ مِنْهَا فَائِدَةٌ أَوْ مَنْفَعَةٌ) الْمُرَادُ بِالْفَائِدَةِ اللَّبَنُ وَالثَّمَرَةُ وَنَحْوُهُمَا وَبِالْمَنْفَعَةِ السُّكْنَى وَاللُّبْسُ وَنَحْوُهُمَا (قَوْلُهُ: وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الصَّلَاحِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَتَجِبُ الْقِسْمَةُ) لِتَعَيُّنِهَا طَرِيقًا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ مَنْعِ قِسْمَةِ الْوَقْفِ مِنْ الْمُطْلَقِ لِلضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ: وَأَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِجَوَازِ الْمُكْثِ فِيهِ مَا لَمْ يُقْسَمْ) فِي إطْلَاقِ كُلٍّ مِنْهُمَا نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ كَمَا فِي الْخَادِمِ أَنَّهُ إنْ وَقَفَ الْأَكْثَرَ مَسْجِدًا حَرُمَ مُكْثُ الْجُنُبِ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ كَمَا فِي حَمْلِ التَّفْسِيرِ إنْ كَانَ الْقُرْآنُ فِيهِ أَكْثَرَ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا وَكَلُبْسِ الْمُرَكَّبِ مِنْ إبْرَيْسَمٍ وَغَيْرِهِ، أث: الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَيْنِ وَبَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَاضِحٌ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ حُكْمِ الْأُولَى مِنْهُمَا.

(تَنْبِيهٌ) أَمَّا جَعْلُ الْفُرُشِ وَالثِّيَابِ مَسْجِدًا فَمَوْضِعُ تَوَقُّفٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ مِثْلُهُ، وَكُتُبُ الْأَصْحَابِ عَنْ التَّنْصِيصِ عَلَى الْجَوَازِ، أَوْ عَدَمِهِ سَاكِتَةٌ وَإِنْ ظُنَّ الْجَوَازُ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ، وَالْأَحْوَطُ الْمَنْعُ كوهكيلوني، وَقَوْلُهُ: وَالْأَحْوَطُ الْمَنْعُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>