للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلَذُّ وَلَا يُطْرِبُ وَلَا يَدْعُو قَلِيلُهُ إلَى كَثِيرِهِ بَلْ فِيهِ التَّعْزِيرُ (وَلَهُ تَنَاوُلُهُ) لِيُزِيلَ عَقْلَهُ (لِقَطْعِ) عُضْوٍ (مُتَآكِلٍ، وَالنَّدُّ) بِالْفَتْحِ (الْمَعْجُونُ بِخَمْرٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) لِنَجَاسَتِهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ كَالثَّوْبِ النَّجَسِ لِإِمْكَانِ تَطْهِيرِهِ بِنَقْعِهِ فِي الْمَاءِ (وَدُخَانُهُ كَدُخَانِ النَّجَاسَةِ فَفِي تَنْجِيسِهِ الْمُتَبَخِّرَ بِهِ وَجْهَانِ) قَضِيَّةُ تَشْبِيهِهِ بِدُخَانِ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْمَنْعَ مِنْ التَّبَخُّرِ بِهِ وَقَدْ قَدَّمَ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ أَنَّهُ جَائِزٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ

ثُمَّ (الطَّرَفُ الثَّانِي فِي نَفْسِ الْحَدِّ) الْوَاجِبُ فِي الشُّرْبِ (وَهُوَ أَرْبَعُونَ) جَلْدَةً (لِلْحُرِّ) فَفِي مُسْلِمٍ «عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَلَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ» وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ، وَالنِّعَالِ أَرْبَعِينَ» (وَعِشْرُونَ لِلْعَبْدِ) عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ كَنَظَائِرِهِ وَمِثْلُهُ الْأَمَةُ، وَالْمُبَعَّضُ وَإِنَّمَا يُحَدُّ الشَّارِبُ (بَعْدَ الْإِفَاقَةِ) مِنْ سُكْرِهِ لِيَرْتَدِعَ، فَلَوْ حُدَّ فِيهِ فَفِي الِاعْتِدَادِ بِهِ وَجْهَانِ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي، وَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ الِاعْتِدَادُ بِهِ لِظَاهِرِ خَبَرِ الْبُخَارِيِّ «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَكْرَانَ فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ فَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِيَدِهِ وَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِنَعْلِهِ وَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِثَوْبِهِ» وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ «فَضَرَبُوهُ بِالْأَيْدِي، وَالنِّعَالِ وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ وَبِكُلِّ حَالٍ فَيُضْرَبُ» (بِالْأَيْدِي، وَالنِّعَالِ، وَالسَّوْطِ وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ) بَعْدَ فَتْلِهَا حَتَّى تَشْتَدَّ (وَلَا يَتَعَيَّنُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ) بَلْ كُلٌّ مِنْهَا أَوْ نَحْوُهُ كَافٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ فِي الْقَوِيِّ إنْ كَانَ مِمَّا يَرْدَعُهُ الضَّرْبُ بِغَيْرِ السَّوْطِ وَنَحْوِهِ اُقْتُصِرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ السَّوْطُ وَنَحْوُهُ (وَلَوْ بَلَّغَهُ الْإِمَامُ ثَمَانِينَ جَازَ) كَمَا مَرَّ فِعْلُهُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَآهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لِأَنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَحَدُّ الِافْتِرَاءِ ثَمَانُونَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَالْأَرْبَعُونَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِهَذَا كَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ فِي نَفْسِي مِنْ جَلْدِ شَارِبِ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ شَيْءٌ لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسُنَّهُ ثُمَّ مَحَلُّ ذَلِكَ فِي الْحُرِّ أَمَّا الْعَبْدُ، فَلَوْ رَأَى الْإِمَامُ تَبْلِيغَهُ أَرْبَعِينَ جَازَ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا (وَكَانَ الزَّائِدُ) عَلَى الْأَرْبَعِينَ أَوْ الْعِشْرِينَ (تَعْزِيرًا) وَإِلَّا لَمَا جَازَ تَرْكُهُ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ وَضْعَ التَّعْزِيرِ النَّقْصُ عَنْ الْحَدِّ فَكَيْفَ يُسَاوِيهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لِجِنَايَاتٍ تَوَلَّدَتْ مِنْ الشَّارِبِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَيْسَ شَافِيًا، فَإِنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ تَتَحَقَّقْ حَتَّى يُعَزَّرَ، وَالْجِنَايَاتُ الَّتِي تَتَوَلَّدُ مِنْ الْخَمْرِ لَا تَنْحَصِرُ فَلْتَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَانِينَ وَقَدْ مَنَعُوهَا قَالَ وَفِي قِصَّةِ تَبْلِيغِ الصَّحَابَةِ الضَّرْبَ ثَمَانِينَ أَلْفَاظٌ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ الْكُلَّ حَدٌّ وَعَلَيْهِ فَحَدُّ الشُّرْبِ مَخْصُوصٌ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحُدُودِ بِأَنْ لَمْ يَتَحَتَّمْ بَعْضُهُ وَيَتَعَلَّقُ بَعْضُهُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ

(وَسَوْطُ الْحُدُودِ) ، وَالتَّعَازِيرِ مُعْتَدِلُ (الْحَجْمِ) فَيَكُونُ بَيْنَ الْقَضِيبِ، وَالْعَصَا وَيُقَاسُ بِالسَّوْطِ غَيْرُهُ (وَ) مُعْتَدِلُ (الرُّطُوبَةِ) فَلَا يَكُونُ رَطْبًا فَيَشُقُّ الْجِلْدَ بِثِقَلِهِ وَلَا شَدِيدَ الْيُبُوسَةِ فَلَا يُؤْلِمُ لِخِفَّتِهِ وَفِي خَبَرٍ مُرْسَلٍ رَوَاهُ مَالِكٌ الْأَمْرُ بِسَوْطٍ بَيْنَ الْخَلِقِ، وَالْجَدِيدِ وَ (ضَرْبُهُ) أَيْ السَّوْطِ أَوْ نَحْوِهِ (بَيْنَ الضَّرْبَيْنِ فَيَرْفَعُ) الضَّارِبُ (ذِرَاعَهُ) لِيُكْسِبَ السَّوْطَ ثِقَلًا (لَا عَضُدَهُ) بِحَيْثُ يُرَى بَيَاضُ إبْطِهِ لِئَلَّا يَعْظُمَ أَلَمُهُ وَلَا يَضَعُهُ عَلَيْهِ وَضْعًا لَا يَتَأَلَّمُ بِهِ (وَيُفَرِّقُهُ عَلَى الْأَعْضَاءِ) فَلَا يَجْمَعُهُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ لِلْجَلَّادِ: أَعْطِ عَلَى كُلِّ عُضْوٍ حَقَّهُ وَاتَّقِ الْوَجْهَ، وَالْمَذَاكِيرَ، وَالْمَعْنَى فِي التَّفْرِيقِ أَنَّ الضَّرْبَ فِي الْمَحَلِّ الْوَاحِدِ مُهْلِكٌ (وَيَتَّقِي الْوَجْهَ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ» وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ فَيَعْظُمُ أَثَرُ شَيْنِهِ (وَ) يَتَّقِي (الْمَقَاتِلَ) كَنَقْرَةِ النَّحْرِ، وَالْفَرْجِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ رَدْعُهُ لَا قَتْلُهُ (لَا الرَّأْسَ) لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِلْجَلَّادِ: اضْرِبْ الرَّأْسَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ فِيهِ وَلِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِالشَّعْرِ وَغَيْرِهِ غَالِبًا فَلَا يُخَافُ تَشْوِيهُهُ بِخِلَافِ الْوَجْهِ (وَلَا يُبَالِي بِرَقِيقِ جِلْدٍ) أَيْ بِكَوْنِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْأَصْلِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ إلَخْ) يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِبَقَاءِ مُعْظَمِ مَنَافِعِ الثَّوْبِ مَعَ نَجَاسَتِهِ وَبِسُهُولَةِ تَطْهِيرِهِ بِخِلَافِ النَّدِّ فِيهِمَا (قَوْلُهُ قَضِيَّةُ تَشْبِيهِهِ بِدُخَانِ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

[الطَّرَفُ الثَّانِي الْحَدِّ الْوَاجِبُ فِي الشُّرْبِ]

(قَوْلُهُ: بَعْدَ الْإِفَاقَةِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ تَأْخِيرَ حَدِّ السَّكْرَانِ إلَى الْإِفَاقَةِ عَلَى الِاخْتِيَارِ لَا الْوُجُوبِ اهـ وَقَالَ فِي الْبَهْجَةِ وَيَجِبُ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يُفِيقَ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَجْلِدَهُ سَكْرَانَ حَتَّى يَصْحُوَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ حُجَّةٌ تَدْفَعُ الْحَدَّ (قَوْلُهُ: وَجْهَانِ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي) وَأَجْرَاهُمَا فِيمَا لَوْ أَفَاقَ ثُمَّ جُنَّ وَحُدَّ فِي جُنُونِهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُمَا الِاعْتِدَادُ بِهِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ هَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى وُجُوبِ التَّأْخِيرِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ وَضْعَ التَّعْزِيرِ النَّقْصُ عَنْ الْحَدِّ فَكَيْفَ يُسَاوِيهِ) وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ وَالزِّيَادَةُ تَعْزِيرَاتٌ وَهِيَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ تَعْزِيرٌ قَالَ شَيْخُنَا يُمْكِنُ حَمْلُ عِبَارَةِ الْقَائِلِ بِالتَّعْزِيرِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِهِ الْجِنْسُ فَيَرْجِعُ إلَى عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ كا (قَوْلُهُ: قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَيْسَ شَافِيًا إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا جَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ مَا زَادَ عَلَيْهَا فَهِيَ تَعْزِيرَاتٌ عَلَى كَيْفِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ لِلْوُرُودِ كا

(قَوْلُهُ: وَيُفَرِّقُهُ عَلَى الْأَعْضَاءِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَلْ التَّفْرِيقُ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِلْأَصْحَابِ وَالظَّاهِرُ وُجُوبُهُ وَسَيَأْتِي عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الضَّرْبَ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ يُهْلِكُ وَقَوْلُهُ هَلْ التَّفْرِيقُ وَاجِبٌ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَيَتَّقِي الْمَقَاتِلَ) لَوْ ضَرَبَ عَلَى مَقْتَلٍ فَمَاتَ بِهِ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ جَلَدَ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِالشَّعْرِ وَغَيْرِهِ غَالِبًا إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَعْرٌ لِقَرَعٍ أَوْ حَلْقِ رَأْسِهِ اجْتَنَبَهُ قَطْعًا وَرَجَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّهُ يَجِبُ اتِّقَاءُ الرَّأْسِ وَحَكَاهُ عَنْ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ وَقَالَ إذَا اتَّقَيْنَا الْفَرْجَ؛ لِأَنَّهُ مَقْتَلٌ فَالرَّأْسُ أَوْلَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْ ضَرْبِهِ نُزُولُ الْمَاءِ فِي الْعَيْنِ وَزَوَالُ الْعَقْلِ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي وَالتَّحْرِيرِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ قَدْ غَلِطَ مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>