للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ تَمَلُّكُهُ (بِحَقِّهِ) إنْ كَانَ بَاقِيًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ مِلْكُهُ (وَإِنْ تَلِفَ) مَعَهُ (بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ أَمِينٌ (أَوْ بِتَفْرِيطٍ ضَمِنَ وَتَقَاصَّا) أَيْ وَوَقَعَ بَيْنَهُمَا التَّقَاصُّ؛ لِأَنَّ لَك عَلَيْهِ مِثْلَ مَا لَهُ عَلَيْك.

(مَسَائِلُ) مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَابِ (لِلْمُحْتَالِ أَنْ يُحِيلَ) غَيْرَهُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَأَنْ (يَحْتَالَ) مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَلَى مَدِينِهِ (وَكَذَا فُرُوعُهُ) أَيْ الْمُحْتَالِ أَوْ كُلٍّ مِنْهُ، وَمِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَوْ أَحَلْت زَيْدًا عَلَى عَمْرٍو فَأَحَالَ زَيْدٌ بَكْرًا عَلَى عَمْرٍو فَأَحَالَ بَكْرٌ آخَرَ عَلَى عَمْرٍو، أَوْ أَحَلْت زَيْدًا عَلَى عَمْرٍو فَأَحَالَهُ عَمْرٌو عَلَى بَكْرٍ فَأَحَالَهُ بَكْرٌ عَلَى آخَرَ أَوْ أَحَلْت زَيْدًا عَلَى عَمْرٍو ثُمَّ ثَبَتَ لِعَمْرٍو عَلَيْك مِثْلَ ذَلِكَ الدَّيْنِ فَأَحَالَ زَيْدًا عَلَيْك جَازَ (وَلَوْ أَقْرَضْتهمَا) أَيْ اثْنَيْنِ (مِائَةً) مَثَلًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسُونَ (وَتَضَامَنَا فَأَحَلْت بِهَا لِرَجُلٍ) بِزِيَادَةِ اللَّامِ أَيْ رَجُلًا عَلَيْهِمَا (عَلَى أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ جَازَ) وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا مُطَالَبَةُ وَاحِدٍ فَلَا يَسْتَفِيدُ بِالْحَوَالَةِ زِيَادَةَ صِفَةٍ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا زِيَادَةَ فِي الْقَدْرِ، وَلَا فِي الصِّفَةِ، وَتَرْجِيحُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَمِمَّنْ رَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَقَوْلُهُ كَأَصْلِهِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْإِطْلَاقُ كَافٍ كَمَا صَوَّرَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَفِي الْأَصْلِ لَوْ أَحَالَك أَحَدُهُمَا بِالْمِائَةِ بَرِئَا جَمِيعًا أَوْ أَحَلْت عَلَى أَحَدِهِمَا بِهَا بَرِئَ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَالْقَبْضِ أَوْ أَحَلْت عَلَيْهِمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمُحْتَالُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسِينَ جَازَ، وَيَبْرَأُ كُلُّ وَاحِدٍ عَمَّا ضَمِنَ انْتَهَى

قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَلَوْ أَحَالَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِخَمْسِينَ فَهَلْ تَنْصَرِفُ إلَى الْأَصْلِيَّةِ أَوْ تُوَزَّعُ أَوْ يَرْجِعُ إلَى إرَادَةِ الْمُحِيلِ فَإِنْ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا صَرَفَهُ بِنِيَّتِهِ فِيهِ نَظَرٌ، وَفَائِدَتُهُ فِكَاكُ الرَّهْنِ الَّذِي بِأَحَدِهِمَا انْتَهَى، وَالْقِيَاسُ الرُّجُوعُ إلَى إرَادَتِهِ (وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ غَرِيمَهُ) الدَّائِنَ (أَحَالَ عَلَيْهِ فُلَانًا الْغَائِبَ سُمِعْت) وَسَقَطَتْ مُطَالَبَتُهُ لَهُ فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً صُدِّقَ غَرِيمُهُ بِيَمِينِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (وَهَلْ يُقْضَى بِهَا) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ (لِلْغَائِبِ) بِأَنْ ثَبَتَتْ بِهَا الْحَوَالَةُ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إلَى إقَامَةِ بَيِّنَةٍ (إنْ قَدَّمَ وَجْهَانِ) أَحَدُهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ لَا؛ إذْ لَا يُقْضَى بِالْبَيِّنَةِ لِلْغَائِبِ، وَالثَّانِي وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ الصَّبَّاغِ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَدَّمَ يَدَّعِي عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَا الْمُحِيلِ وَهُوَ مُقِرٌّ لَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ. .

(كِتَابُ الضَّمَانِ)

هُوَ لُغَةً الِالْتِزَامُ وَشَرْعًا يُقَالُ: لِالْتِزَامِ حَقٍّ ثَابِتٍ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ، أَوْ إحْضَارِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ أَوْ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ وَيُقَالُ لِلْعَقْدِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ وَيُسَمَّى الْمُلْتَزِمُ لِذَلِكَ ضَامِنًا وَضَمِينًا وَحَمِيلًا وَزَعِيمًا وَكَافِلًا وَكَفِيلًا وَصَبِيرًا وَقَبِيلًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: غَيْرَ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّ الضَّمِينَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَمْوَالِ، وَالْحَمِيلُ فِي الدِّيَاتِ وَالزَّعِيمُ فِي الْأَمْوَالِ الْعِظَامِ وَالْكَفِيلُ فِي النُّفُوسِ وَالصَّبِيرُ فِي الْجَمِيعِ وَكَالضَّمِينِ فِيمَا قَالَهُ الضَّامِنُ وَكَالْكَفِيلِ الْكَافِلُ وَكَالصَّبِيرِ الْقَبِيلُ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالزَّعِيمُ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْحَمِيلُ لُغَةُ أَهْلِ مِصْرَ وَالْكَفِيلُ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ} [القلم: ٤٠] وَقَوْلُهُ {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: ٧٢] وَكَانَ حِمْلُ الْبَعِيرِ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا إذَا وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ ذَلِكَ كَخَبَرِ «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَخَبَرِ الْحَاكِمِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحَمَّلَ عَنْ رَجُلٍ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ» وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ: هَلْ تَرَكَ شَيْئًا، قَالُوا: لَا قَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا: ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ، قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ» وَذَكَرْت فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ مَا لَهُ بِهَذَا الْخَبَرِ تَعَلُّقٌ (وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ) مِنْهُمَا (فِي أَرْكَانِهِ وَهِيَ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ)

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[مَسَائِلُ مُتَعَلِّقَةٌ بِبَابِ الْحَوَالَة]

قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إلَخْ) وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ الرُّجُوعُ إلَى إرَادَتِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (تَنْبِيهٌ) لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفٌ فَقَالَ الْآخَرُ: لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ أَحَلْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى فُلَانٍ عَلَى أَنَّكَ إذَا أَخَذْت مِنْهُ فَأَنْت مِنِّي بَرِيءٌ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: لَا يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَكَالَةٌ؛ إذْ لَا يَصِحُّ حَوَالَةً وَلَا هِبَةً فَإِذَا مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ وَإِنْ مَاتَ الْمُحِيلُ بَطَلَتْ وَلَوْ أَحَالَهُ عَلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ دَفَعَ الْمُحِيلُ الْمَالَ إلَى الْمُحْتَالِ صَحَّ قَضَاؤُهُ الدَّيْنَ عَنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي الْفَتَاوَى: لَوْ ادَّعَى عَشَرَةً، وَأَقَامَ بِهَا بَيِّنَةً فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَعْطَيْتُكَهَا فَقَالَ الْمُدَّعِي: تِلْكَ عَشَرَةٌ كَانَتْ لِي عَلَيْك غَيْرَ هَذِهِ صُدِّقَ الدَّافِعُ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَحَلْت عَلَيَّ زَيْدًا بِهَا فَقَالَ: تِلْكَ عَشَرَةٌ غَيْرُ هَذِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَوَالَةَ إيفَاءٌ وَهُوَ مُنْكِرٌ أَنَّهُ أَخَذَ مَا يَدَّعِي، وَأَمَّا ثَمَّ فَهُوَ مُقِرٌّ أَنَّهُ أَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُؤَدَّى فِي جِهَةِ الْأَدَاءِ (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي) وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ الصَّبَّاغِ تَابَعَهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَقَوْلُهُ: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[كِتَابُ الضَّمَانِ وَفِيهِ بَابَانِ]

[الْبَاب الْأَوَّل أَرْكَان الضَّمَان]

(كِتَابُ الضَّمَانِ) (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا: يُقَالُ: لِالْتِزَامِ حَقٍّ ثَابِتٍ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ) الضَّمَانُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فَقَطْ وَهُوَ وَاضِحٌ

ثَانِيهَا: يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَالْعَيْنِ كَمَا إذَا قَالَ: ضَمِنْت دَيْنَك عَلَى أَنْ أُؤَدِّيَهُ مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا

ثَالِثُهَا: بِالْعَيْنِ فَقَطْ كَمَا إذَا قَالَ: ضَمِنْت دَيْنَك فِي هَذِهِ الْعَيْنِ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ قَالَ الْأَصْحَابُ: ذِمَّةُ الْمَيِّتِ صَحِيحَةٌ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ ذِمَّتَهُ مُرْتَهَنَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ ذِمَّةَ الْمَيِّتِ قَدْ خَرِبَتْ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ صَلَاحِيَّةِ الْمُطَالَبَةِ فِي الدُّنْيَا لَا أَنَّهَا لَيْسَتْ صَالِحَةً لِلشَّغْلِ بِالدُّيُونِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا يَتَجَدَّدُ لَهَا الشَّغْلُ بِنَحْوِ رَدِّ مَبِيعٍ بِعَيْبٍ وَتَرَدِّي بَهِيمَةٍ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا فِي مَحَلِّ عُدْوَانٍ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَوْلُهُ كَذَا صَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ أَشَارَ شَيْخُنَا إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ كَذَا جَزْمُ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَكَتَبَ عَلَيْهِ هُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الرَّهْنِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَعَارَهُ عَيْنًا لِيَرْهَنَهَا عَلَى دَيْنِهِ صَحَّ وَكَانَ ضَمَانًا فِي رَقَبَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ الضَّمَانِ فِي الْعَيْنِ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى كا (قَوْلُهُ وَذَكَرْت فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ مَا لَهُ بِهَذَا الْخَبَرِ تَعَلُّقٌ) عِبَارَتُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>