للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقِسْمَةِ وَإِلَى الْإِمَامِ بَعْدَهَا فَإِنْ كَثُرَتْ) بَقِيَّةُ مَا أُخِذَ لِلتَّبَسُّطِ (قُسِّمَتْ) كَمَا قُسِّمَتْ الْغَنِيمَةُ (وَإِلَّا جُعِلْت فِي سَهْمِ الْمَصَالِحِ) قَالَ الْإِمَامُ وَلَا رَيْبَ أَنَّ إخْرَاجَ الْخُمُسِ مِنْهَا مُمْكِنٌ وَإِنَّمَا هَذَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ وَكَدَارِ الْإِسْلَامِ بَلَدُ أَهْلِ ذِمَّةٍ أَوْ عَهْدٍ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ مُعَامَلَتِنَا؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُضَافَةً إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ فِي قَبْضَتِنَا بِمَثَابَتِهَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الشِّرَاءِ مِنْهُمْ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ.

(فَرْعٌ لَيْسَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فِيمَا تُزَوِّدُونَهُ وَمِنْ الْمَغْنَمِ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ بِالْأَخْذِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ الْأَخْذُ وَالْأَكْلُ كَالضَّيْفِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا طَعَامَ أَنْفُسِهِمْ وَيَصْرِفُوا الْمَأْخُوذَ إلَى حَاجَةٍ أُخْرَى كَمَا لَا يَتَصَرَّفُ الضَّيْفُ فِيمَا قُدِّمَ لَهُ إلَّا بِالْأَكْلِ.

(فَلَوْ أَقْرَضَ) مِنْهُ (غَانِمٌ غَانِمًا) آخَرَ (فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ) بِعَيْنِهِ أَوْ (بِمِثْلِهِ مِنْ الْمَغْنَمِ) مَا لَمْ يَدْخُلُوا دَارَ الْإِسْلَامِ (لَا مِنْ) خَالِصِ (مَالِهِ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ صَارَ أَحَقَّ بِهِ وَلَمْ تَزُلْ يَدُهُ عَنْهُ إلَّا بِبَدَلٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ قَرْضًا مُحَقَّقًا؛ لِأَنَّ الْآخِذَ لَا يَمْلِكُ الْمَأْخُوذَ حَتَّى يَمْلِكَهُ لِغَيْرِهِ فَلَوْ رَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَأْخُذْهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَمْلُوكِ لَا يُقَابَلُ بِالْمَمْلُوكِ وَعَلَيْهِ (فَإِنْ نَفِدَ الطَّعَامُ) أَيْ فَرَغَ (سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ) وَإِذَا رَدَّ مِنْ الْمَغْنَمِ صَارَ الْأَوَّلُ أَحَقَّ بِهِ لِحُصُولِهِ فِي يَدِهِ.

(أَوْ دَخَلُوا دَارَ الْإِسْلَامِ) وَلَمْ يَعِزَّ الطَّعَامُ (رَدَّهُ الْمُقْتَرِضُ إلَى الْإِمَامِ) لِانْقِطَاعِ حُقُوقِ الْغَانِمِينَ عَنْ أَطْعِمَةِ الْمَغْنَمِ (فَإِنْ بَقِيَ) بِيَدِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ (عَيْنُ الْمُقْتَرَضِ رَدَّهُ إلَى الْمَغْنَمِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَضْلَ الزَّادِ يَجِبُ رَدُّهُ إلَيْهِ وَهَذِهِ تُعْلَمُ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْأُولَى فِي رَدِّ الْمُقْرِضِ بِأَنْ رَدَّ لَهُ الْمُقْتَرَضُ ذَلِكَ قَبْلَ دُخُولِهِمْ دَارَ الْإِسْلَامِ، وَالثَّانِيَةُ فِي رَدِّ الْمُقْتَرِضِ بِأَنْ لَمْ يَرُدَّهُ لِلْمُقْرِضِ قَبْلَ ذَلِكَ.

(وَإِنْ تَبَايَعَا) أَيْ غَانِمَانِ مَا أَخَذَاهُ (صَاعًا بِصَاعٍ أَوْ بِصَاعَيْنِ فَكَتَنَاوُلِ الضَّيْفَانِ بِاللُّقَمِ) أَيْ فَكَإِبْدَالِهِمْ لُقْمَةً بِلُقْمَةٍ أَوْ بِلُقْمَتَيْنِ فَلَا يَكُونُ رِبًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ مُحَقَّقَةٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَوْلَى بِمَا صَارَ إلَيْهِ (فَيَأْكُلَانِهِ وَلَا يَتَصَرَّفَانِ) فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ.

(فَإِنْ قَلَّ الطَّعَامُ) الْمَغْنُومُ وَاسْتَشْعَرَ الْإِمَامُ الِازْدِحَامَ وَالتَّنَازُعَ فِيهِ (خَصَّ الْإِمَامُ بِهِ الْمُحْتَاجِينَ) إلَيْهِ بِقَدْرِ حَاجَاتِهِمْ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُمْ مِنْ مُزَاحِمَتِهِمْ.

[فَصْلٌ مَا تَمْلِك بِهِ الْغَنِيمَةَ]

(فَصْلٌ لَا يَمْلِكُونَ الْغَنِيمَةَ لَا بِالْقِسْمَةِ وَالِاخْتِيَارِ) لِلْغَنِيمَةِ أَوْ لِتَمَلُّكِهَا أَيْ لَا يَمْلِكُونَهَا إلَّا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَلَوْ عَبَّرَ بِأَوْ بَلْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الِاخْتِيَارِ كَانَ أَوْلَى فَقَدْ قَالَ فِي الْأَصْلِ الْعِبْرَةُ بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ لَا بِالْقِسْمَةِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْقِسْمَةُ لِتَضَمُّنِهَا اخْتِيَارَ التَّمَلُّكِ وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا مَلَكُوا أَنْ يَتَمَلَّكُوا كَحَقِّ الشُّفْعَةِ كَمَا قَالَ (وَلَهُمْ اخْتِيَارُ التَّمَلُّكِ بَعْدَ الْحِيَازَةِ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ مَلَكُوا لَمْ يَصِحَّ إعْرَاضُهُمْ كَمَنْ احْتَطَبَ.

(وَلِكُلٍّ) مِنْهُمْ (الْإِعْرَاضُ عَنْ حَقِّهِ) مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ (وَلَوْ بَعْدَ إفْرَازِهِ لَهُ مَا لَمْ يَقْبَلْهُ) أَيْ مَا أُفْرِزَ لَهُ (أَوْ) لَمْ (يَخْتَرْ التَّمَلُّكَ) لِمَا مَرَّ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ مِنْ الْجِهَادِ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالذَّبُّ عَنْ الْمِلَّةِ، وَالْغَنَائِمُ تَابِعَةٌ فَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا فَقَدْ جَرَّدَ قَصْدَهُ لِلْغَرَضِ الْأَعْظَمِ أَمَّا إذَا قَبِلَ مَا أُفْرِزَ لَهُ أَوْ اخْتَارَ التَّمَلُّكَ فَلَا يَصِحُّ إعْرَاضُهُ كَمَا مَرَّ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ وَكَمَا أَنَّ مَنْ اخْتَارَ فِي الْعُقُودِ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ لَا يَعْدِلُ إلَى الْآخَرِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ عَلَى أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ حُقُوقَهُمْ بِإِقْرَارِ الْإِمَامِ مَعَ قَبْضِهِمْ لَهَا وَبِدُونِهِ مَعَ حُضُورِهِمْ.

(فَإِنْ وَهَبَ) بَعْضُهُمْ (نَصِيبَهُ لِلْغَانِمِينَ) أَيْ لِبَاقِيهِمْ (وَأَرَادَ الْإِسْقَاطَ) لَهُ (سَقَطَ أَوْ) أَرَادَ (تَمْلِيكَهُمْ) إيَّاهُ (فَلَا) يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ وَلِأَنَّهُ مَجْهُولٌ.

(وَمَنْ مَاتَ) مِنْهُمْ عَنْ نَصِيبِهِ (فَوَارِثُهُ كَهُوَ) فِيهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ فَيَمْلِكُهُ إنْ سَبَقَ اخْتِيَارُ التَّمَلُّكِ لَهُ وَإِلَّا فَلَهُ طَلَبُهُ وَالْإِعْرَاضُ عَنْهُ كَالشُّفْعَةِ.

(فَلَوْ أَعْرَضُوا جَمِيعًا جَازَ وَصُرِفَ) الْجَمِيعُ (مَصْرِفَ الْخُمُسِ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُصَحِّحَ لِلْإِعْرَاضِ يَشْمَلُ الْبَعْضَ وَالْجَمِيعَ.

(وَالسَّالِبُ) أَيْ مُسْتَحِقُّ السَّلَبِ (وَذُو الْقُرْبَى) وَلَوْ وَاحِدًا (وَالسَّفِيهُ لَا يَصِحُّ إعْرَاضُهُمْ) ؛ لِأَنَّ السَّلَبَ مُتَعَيِّنٌ لِمُسْتَحِقِّهِ بِالنَّصِّ كَالْوَارِثِ وَكَنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَسَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى مِنْحَةٌ أَثْبَتَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ بِالْقَرَابَةِ بِلَا تَعَبٍ وَشُهُودِ وَقْعَةٍ كَالْإِرْثِ فَلَيْسُوا كَالْغَانِمِينَ الَّذِينَ يَقْصِدُونَ بِشُهُودِهِمْ مَحْضَ الْجِهَادِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالسَّفِيهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَمَا ذَكَره مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ إعْرَاضِهِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ نَفَقَةِ الْإِمَامِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهَذَا إنَّمَا فَرَّعَهُ الْإِمَامُ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ بِمُجَرَّدِ الِاغْتِنَامِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَسِيطِ فَقَالَ: وَالسَّفِيهُ يَلْزَمُ حَقُّهُ عَلَى قَوْلِنَا: يَمْلِكُ وَلَا يَسْقُطُ بِالْإِعْرَاضِ إلَّا عَلَى قَوْلِنَا: إنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالِاخْتِيَارِ فَيَكُونُ الْأَصَحُّ صِحَّةَ إعْرَاضِهِ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: الرَّاجِحُ صِحَّةُ إعْرَاضِهِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ.

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: وَكَدَارِ الْإِسْلَامِ بَلَدُ أَهْلِ ذِمَّةٍ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ) وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَكَتَبَ أَيْضًا هَذَا قَدْ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ الْقَوْلِ بِجَوَازِ التَّبَسُّطِ لِمَنْ مَعَهُ مَا يُغْنِيه وَسِيَاقُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ الْجَيْشِ سَوْقٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ التَّبَسُّطُ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ سَاكِتٌ عَنْ هَذَا وَعَمَّا أَبْدَاهُ غ

(قَوْلُهُ: وَإِنْ تَبَايَعَا صَاعًا بِصَاعَيْنِ فَكَتَنَاوُلِ الضَّيْفَانِ بِاللُّقَمِ) اسْتَشْكَلَ فِي الْمُهِمَّاتِ تَبَعًا لِلْقَمُولِيِّ إبَاحَةُ هَذَا الْعَقْدِ مَعَ فَسَادِهِ وَقَدْ قَالُوا إنَّ تَعَاطِيَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ حَرَامٌ قَالَ فِي الْخَادِمِ وَهَذَا عَجِيبٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا إنَّ هَذَا عَقْدٌ وَإِنَّمَا هُوَ إبَاحَةٌ مِنْ خَصَائِصِ طَعَامِ الْحَرْبِ وَلِهَذَا قَصَرُوهُ عَلَى بَيْعِ الْمَأْكُولِ بِالْمَأْكُولِ كَمَا كَانَ مَقْصُورًا عَلَى إبَاحَةِ الْمَأْكُولِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ بِذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ

(قَوْلُهُ: لَا يَمْلِكُونَ الْغَنِيمَةَ لَا بِالْقِسْمَةِ) قَالَ الْجُوَيْنِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ أُصُولُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ مُتَطَابِقَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ وَطْءِ السَّرَارِيِّ اللَّاتِي يُجْلَبْنَ الْيَوْمَ مِنْ الرُّومِ وَالْهِنْدِ وَالتُّرْكِ إلَّا أَنْ يُنَصِّبَ الْإِمَامُ مَنْ يَقْسِمُ الْغَنَائِمَ مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ وَلَا ظُلْمٍ وَكَذَا قَالَهُ شَيْخُهُ الْقَفَّالُ فِي الْفَتَاوَى (قَوْلُهُ: فَلَوْ عَبَّرَ بِأَوْ بَلْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الِاخْتِيَارِ كَانَ أَوْلَى) الْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِالْوَاوِ كَمَا صَنَعَهُ وَقَدْ صَرَّحَ بَعْدَهُ بِأَنَّ الْمِلْكَ يَحْصُلُ بِالِاخْتِيَارِ وَحْدَهُ لَا بِالْقِسْمَةِ وَحْدَهَا

(قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا قَبِلَ مَا أُفْرِزَ لَهُ أَوْ اخْتَارَ التَّمَلُّكَ إلَخْ) كَقَوْلِهِ اخْتَرْت الْغَنِيمَةَ أَوْ اخْتَرْت الْقِسْمَةَ

(قَوْلُهُ: وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>