للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حِسًّا، وَلَا شَرْعًا فَصَارَ قَوْلُهُمْ شَرْطًا مَحْضًا كَالْإِمْسَاكِ (وَسَيَأْتِي) بَيَانُ ذَلِكَ مَعَ زِيَادَةٍ (فِي الشَّهَادَاتِ وَالثَّالِثُ عُرْفِيٌّ كَتَقْدِيمِ) طَعَامٍ (مَسْمُومٍ) لِمَنْ يَأْكُلُهُ (فَإِنْ أَوْجَرَهُ سُمًّا) صِرْفًا أَوْ مَخْلُوطًا (يَقْتُلُ) مِثْلَ الْمُوجَرِ بِفَتْحِ الْجِيمِ (غَالِبًا فَمَاتَ فَالْقِصَاصُ) وَاجِبٌ سَوَاءٌ كَانَ السُّمُّ مُوحِيًا أَوْ غَيْرَ مُوحٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ فَلَا قِصَاصَ (وَكَذَا) يُوجِبُ الْقِصَاصَ (إكْرَاهُ جَاهِلٍ) بِأَنَّهُ سُمٌّ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى شُرْبِهِ لَهُ فَشَرِبَهُ وَمَاتَ (لَا) إكْرَاهُ (عَالِمٍ) بِذَلِكَ، وَكَلَامُ الْأَصْلِ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ لَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى إكْرَاهِهِ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ حَيْثُ قَالَ وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى شُرْبِ سُمٍّ فَشَرِبَهُ، وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَعَلَى الْمُكْرِهِ الْقِصَاصُ قَطْعًا (فَإِنْ ادَّعَى الْقَاتِلُ الْجَهْلَ بِكَوْنِهِ سُمًّا) ، وَنَازَعَهُ الْوَلِيُّ (فَقَوْلَانِ) أَحَدُهُمَا لَا يُصَدَّقُ فَيَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ، وَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ يَمُوتُ بِهَذِهِ الْجِرَاحَةِ وَالثَّانِي يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَخْفَى بِخِلَافِ الْجِرَاحَةِ الْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي إنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ صُدِّقَ، وَإِلَّا فَلَا (أَوْ بِكَوْنِهِ قَاتِلًا) ، وَنَازَعَهُ الْوَلِيُّ (فَالْقِصَاصُ) وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ سُمٌّ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ لَا يُوجِرَهُ (وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ السُّمَّ الَّذِي أَوْجَرَهُ يَقْتُلُ غَالِبًا) ، وَقَدْ ادَّعَى أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا (وَجَبَ الْقِصَاصُ) فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فَإِنْ سَاعَدَتْهُ بَيِّنَةٌ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ السَّبَبِ الْعُرْفِيِّ (السِّحْرُ وَسَيَأْتِي) بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ فِي مُوجِبِ الدِّيَةِ وَحُكْمِ السِّحْرِ.

(فَرْعٌ:) لَوْ (أَضَافَ رَجُلًا عَاقِلًا) الْأَوْلَى أَضَافَ عَاقِلًا (بِمَسْمُومٍ أَوْ دَسَّ سُمًّا فِي طَعَامِ الرَّجُلِ) الْمَذْكُورُ (أَوْ) فِي (مَاءٍ فِي طَرِيقِهِ) وَكَانَ (يَتَنَاوَلُهُ) أَيْ كُلًّا مِنْ الطَّعَامِ وَالْمَاءِ (غَالِبًا) فَتَنَاوَلَهُ وَمَاتَ بِهِ (فَلَا قِصَاصَ) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا هَلَكَ بِهِ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ إلْجَاءٍ حِسِّيٍّ، وَلَا شَرْعِيٍّ مَعَ أَنَّ الْقِصَاصَ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ (بَلْ) تَجِبُ لَهُ (الدِّيَةُ) أَيْ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ (إنْ جَهِلَ السُّمَّ) ؛ لِأَنَّ الدَّاسَّ غَرَّهُ، وَلَمْ يَقْصِدْ هُوَ إهْلَاكَ نَفْسِهِ فَأُحِيلَ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ، وَكَذَا إذَا كَانَ يَتَنَاوَلُهُ نَادِرًا (وَ) تَجِبُ لَهُ (قِيمَةُ الطَّعَامِ) أَوْ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الدَّاسَّ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ (وَكَذَا إنْ غَطَّى بِئْرًا فِي دِهْلِيزِهِ وَدَعَاهُ) إلَيْهِ أَوْ إلَى بَيْتِهِ، وَكَانَ الْغَالِبُ أَنَّهُ يَمُرُّ عَلَيْهَا إذَا أَتَاهُ فَأَتَاهُ وَوَقَعَ فِيهَا وَمَاتَ بِذَلِكَ فَلَا قِصَاصَ بَلْ لَهُ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ إنْ جَهِلَ الْبِئْرَ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُغَطَّاةٍ أَوْ لَمْ يَدْعُهُ فَمُهْدَرٌ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَدْعُوُّ لَا يُبْصِرُهَا لِعَمًى أَوْ نَحْوِهِ فَشِبْهُ عَمْدٍ (وَيُهْدَرُ آكِلُ مَسْمُومٍ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ (وَإِنْ أَضَافَهُ أَوْ أَوْجَرَهُ) مَسْمُومًا بِسُمٍّ يَقْتُلُ غَالِبًا (، وَهُوَ لَا يُمَيِّزُ) لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ نَحْوِهِ فَتَنَاوَلَهُ وَمَاتَ بِهِ (فَالْقِصَاصُ) وَاجِبٌ، وَإِنْ قَالَ هُوَ مَسْمُومٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ لَا اخْتِيَارَ لَهُ وَالتَّقْيِيدُ بِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ، وَوَقَعَ فِي الْأَنْوَارِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ أَوْجَرَهُ صَوَابُهُ أَوْ نَاوَلَهُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ إذْ الْإِيجَارُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الضَّرْبِ الثَّالِثِ (وَلَوْ قَالَ لِعَاقِلٍ كُلْهُ فَفِيهِ) الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ وَفِيهِ (سُمٌّ لَا يَقْتُلُ فَأَكَلَهُ) وَمَاتَ بِهِ (فَلَا قِصَاصَ) بَلْ، وَلَا دِيَةَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ.

(فَصْلٌ: لَوْ أَلْقَى رَجُلًا لَا صَبِيًّا) غَيْرَ مُمَيِّزٍ (فِي مَاءٍ مُغْرِقٍ أَوْ نَارٍ، وَأَمْكَنَهُ التَّخَلُّصُ) مِنْهُمَا بِسِبَاحَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (فَقَصَّرَ) كَأَنْ تَرَكَ السِّبَاحَةَ بِلَا عُذْرٍ (فَهَدَرٌ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ بِإِعْرَاضِهِ عَمَّا يُنْجِيهِ (وَإِنْ شَكَّ فِي) إمْكَانِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

(قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ عُرْفِيٌّ) كَتَقْدِيمِ مَسْمُومٍ مِنْ الْعُرْفِيِّ السِّحْرِ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَتَبَ أَيْضًا هُوَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ سُمٌّ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ لَا يُؤْجِرَهُ) فَأَشْبَهَ مَا لَوْ جَرَحَهُ، وَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ السُّمَّ إلَخْ) سُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَمَّا إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ بِأَنَّ تَنَاوُلَ الْقَدْرِ الْفُلَانِيِّ مِنْ السُّمِّ يَقْتُلُ غَالِبًا وَلَمْ يَقُولَا إنَّ الْقَدْرَ الَّذِي تَنَاوَلَهُ يَقْتُلُ غَالِبًا هَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى مَنْ قَدَّمَ إلَيْهِ السُّمَّ أَمْ لَا؟ . فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ هُنَا إلَّا إذَا ظَهَرَ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ الَّذِي تَنَاوَلَهُ الْمَطْعُومُ قَدْرٌ يَقْتُلُ غَالِبًا.

[فَرْعٌ أَضَافَ رَجُلًا عَاقِلًا بِمَسْمُومٍ أَوْ دَسَّ سُمًّا فِي طَعَامِ الرَّجُلِ فَمَاتَ بِهِ]

(قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا كَانَ يَتَنَاوَلُهُ نَادِرًا) فَهِمَهُ الشَّارِحُ كَبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ قَوْلِهِمْ غَالِبًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ لِأَجْلِ جَرَيَانِ الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ بِجَرَيَانِ الْقِصَاصِ لَا لِأَجْلِ ضَمَانِ الدِّيَةِ وَهَذَا وَاضِحٌ ثُمَّ رَأَيْت الْبُلْقِينِيَّ قَالَ إنَّ الْقَيْدَ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ أَكْلَهُ مِنْهُ قَلَّ مَنْ ذَكَرَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ لِأَنَّ الْمَأْكُولَ يُهْلِكُ غَالِبًا، وَأَمَّا عَادَةُ الْأَكْلِ فَلَا أَثَرَ لَهَا. اهـ. وَكَتَبَ أَيْضًا أَخَذَ الشَّارِحُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَتَنَاوَلُهُ غَالِبًا تَبَعًا لِأَخْذِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَهُ مِنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ وَالرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا الْغَالِبُ أَكْلُهُ مِنْهُ وَإِنَّمَا ذَكَرُوهُ لِأَجْلِ جَرَيَانِ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ لَا لِإِهْدَارِهِ إذَا كَانَ نَادِرًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ قَوْلُهُ: الْغَالِبُ أَكْلُهُ مِنْهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْأَكْثَرُونَ. اهـ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ وَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ؛ لِأَنَّ مَنْ رَمَى إلَى شَخْصٍ فَقَتْلُهُ لَا يُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ الْإِصَابَةُ غَالِبَةً بَلْ الْعِبْرَةُ فِي الْمُرْمَى بِهِ أَنْ يَكُونَ سِلَاحًا يَنْهَرُ الدَّمَ، وَيَشُقُّ اللَّحْمَ أَوْ غَيْرَهُ يَقْتُلُ غَالِبًا مِنْ غَيْرِ غَلَبَةِ الْإِصَابَةِ كَذَلِكَ هُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إنْ غَطَّى بِئْرًا فِي دِهْلِيزِهِ وَدَعَاهُ) قَالَ الكوهكيلوني الْحَقُّ أَنَّهُ إذَا دَعَا إنْسَانًا إلَى دَارِهِ وَغَطَّى بِئْرًا فِي دِهْلِيزِ دَارِهِ وَالْغَالِبُ الْمَمَرُّ عَلَيْهِ فَوَقَعَ فِيهِ وَمَاتَ فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ عَجَمِيًّا يَرَى وُجُوبَ الطَّاعَةِ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمْ يَكُونُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي نَظِيرِهَا، وَهُوَ إضَافَةُ مُكَلَّفٍ بِمَسْمُومٍ (قَوْلُهُ: أَوْ جُنُونٍ أَوْ نَحْوِهِ) أَيْ كَأَعْجَمِيٍّ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ الْآمِرِ (قَوْلُهُ: وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ) وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِهِ وَمَنْ أَطْلَقَ الصَّبِيَّ كَأَنَّهُ اكْتَفَى بِقَرْنِهِ بِالْمَجْنُونِ وَالْأَعْجَمِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ (قَوْلُهُ: صَوَابُهُ أَوْ نَاوَلَهُ) هُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الدَّبِيلِيُّ: لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا فِيهِ حَيَّةٌ مَلْفُوفَةٌ وَلَمْ يُخْبِرْهُ فَقَتَلَتْهُ فَلَا ضَمَانَ، وَقِيلَ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى مَا لَوْ جَعَلَ السُّمَّ فِي طَعَامٍ فَتَنَاوَلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>