للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْتِقَامًا مِنْهَا وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ قِيَاسًا بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حُرْمَةَ ذَلِكَ وَصَحَّحَهَا الْأَصْلُ وَالْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا لِدَفْعِ النَّسَبِ أَوْ قَطْعِ النِّكَاحِ حَيْثُ لَا وَلَدَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَحْدُثَ وَلَدٌ عَلَى الْفِرَاشِ الْمُلَطَّخِ وَقَدْ حَصَلَ الْوَلَدُ هُنَا فَلَمْ تَبْقَ فَائِدَةٌ وَلِأَنَّ فِي إثْبَاتِ زِنَاهَا تَعْيِيرًا لِلْوَلَدِ وَإِطْلَاقَ الْأَلْسِنَةِ فِيهِ فَلَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ لِغَرَضِ الِانْتِقَامِ مِنْهَا مَعَ إمْكَانِ الْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ.

(وَيَجُوزُ النَّفْيُ لِمَنْ يَطَأُ فِي الدُّبُرِ) أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا عَدَا الْقُبُلَ؛ لِأَنَّ أَمْرَ النَّسَبِ يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ الشَّرْعِيِّ فَلَا يَثْبُتُ بِغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ فِي ثُبُوتِهِ بِالْإِتْيَانِ فِي الدُّبُرِ اضْطِرَابًا قَدَّمْته فِي النِّكَاحِ (لَا لِمَنْ يَعْزِلُ) عَنْهَا فِي وَطْئِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ يَسْبِقُهُ إلَى الرَّحِمِ مِنْ غَيْرِ شُعُورِهِ بِهِ (وَلَا يَلْزَمُهُ) فِي جَوَازِ النَّفْيِ وَالْقَذْفِ (تَبْيِينُ السَّبَبِ الْمُجَوِّزِ لِلنَّفْيِ وَالْقَذْفِ) مِنْ رُؤْيَةِ زِنًا وَاسْتِبْرَاءٍ وَنَحْوِهِمَا (لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ) بَاطِنًا (رِعَايَةُ السَّبَبِ الْمُجَوِّزِ) لَهَا

[فَرْعٌ أَتَتْ بِأَبْيَضَ وَأَبَوَاهُ أَسْوَدَانِ أَوْ عَكْسُهُ]

(فَرْعٌ) لَوْ (أَتَتْ بِأَبْيَضَ وَهُمَا) أَيْ أَبَوَاهُ (أَسْوَدَانِ) أَوْ عَكْسُهُ (لَمْ يَسْتَبِحْ) أَبُوهُ (بِهِ النَّفْيَ) لَهُ (وَلَوْ أَشْبَهَ مَنْ تُتَّهَمُ بِهِ) أُمُّهُ وَانْضَمَّ إلَى ذَلِكَ قَرِينَةُ الزِّنَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ «رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ قَالَ هَلْ لَكَ مِنْ إبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا أَلْوَانُهَا قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ قَالَ عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ قَالَ فَلَعَلَّ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ» .

[فَصْلٌ يَنْتَفِي الْوَلَدَ بِلَا لِعَانٍ عَنْ زَوْجٍ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهُ]

(فَصْلٌ يَنْتَفِي الْوَلَدَ بِلَا لِعَانٍ عَنْ زَوْجٍ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهُ) لِأُمِّهِ كَمَشْرِقِيٍّ (تَزَوَّجَ مَغْرِبِيَّةً) أَيْ بِأَنْ كَانَ هُوَ بِالْمَشْرِقِ وَهِيَ بِالْمَغْرِبِ، وَإِنْ أَتَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعَقْدِ (أَوْ مَنْ طَلَّقَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ) لِلنِّكَاحِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَتَتْ امْرَأَةُ الصَّبِيِّ بِوَلَدٍ (فَإِنْ أَمْكَنَ) وَطْؤُهُ لَهَا (لَحِقَهُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ بِهِ إلَّا بِالْوَطْءِ) فَلَا يَلْحَقُهُ بِإِمْكَانِ الْوَطْءِ فِيهِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ لَهُ فِيهِ وَعَطَفَ عَلَى لَا يُمْكِنُ قَوْلَهُ (أَوْ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ كَمَوْلُودٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْ الْعَقْدِ (أَوْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ بَعْدَ غِيبَةٍ) مِنْهُ عَنْهَا (يَتَعَذَّرُ فِيهَا التَّلَاقِي) بَيْنَهُمَا فَيَنْتَفِي عَنْهُ الْوَلَدُ لِمَا مَرَّ.

[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي اللِّعَانِ]

[الطَّرَف الْأَوَّلُ فِي سَبَب اللِّعَان]

(الْبَابُ الثَّالِثُ فِي اللِّعَانِ وَفِيهِ أَطْرَافٌ) أَرْبَعَةٌ (الْأَوَّلُ فِي سَبَبِهِ وَهُوَ قَذْفُ الزَّوْجَةِ أَوْ نَفْيُ الْوَلَدِ فَيُلَاعِنُ لِدَفْعِ حَدٍّ) لَزِمَهُ بِقَذْفِهِ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نِكَاحٌ وَلَا وَلَدٌ (وَكَذَا) لِدَفْعِ (تَعْزِيرٍ وَجَبَ لِتَكْذِيبِهِ ظَاهِرًا) بِأَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ غَيْرَ الْمُحْصَنَةِ وَلَمْ يُعْلَمْ كَذِبُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ صِدْقُهُ (كَقَذْفِ صَغِيرَةٍ تُوطَأُ وَمَجْنُونَةٍ لَكِنْ لَا يُلَاعِنُ) لِدَفْعِ تَعْزِيرِهِ لَهُمَا (حَتَّى تَكْمُلَا) بِالْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ (وَتُطَالَبَا) بِهِ (وَ) كَقَذْفِ (أَمَةٍ وَذِمِّيَّةٍ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا لَاعَنَ لِدَفْعِ الْأَعْلَى فَمَا دُونَهُ أَوْلَى وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَهُ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا (وَلَا يُلَاعِنُ) لِلدَّفْعِ (لِتَعْزِيرٍ وَجَبَ لِتَأْدِيبٍ لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِ أَوْ ظُهُورِ صِدْقِهِ كَقَذْفِ صَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ) وَإِنْ بَلَغَتْ وَطَالَبَتْ (وَ) كَقَذْفِ (كَبِيرَةٍ ثَبَتَ زِنَاهَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِهِ) أَوْ لِعَانٍ مِنْهُ مَعَ امْتِنَاعِهَا مِنْهُ، أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِتَيَقُّنِ كَذِبُهُ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْحَلِفِ عَلَى أَنَّهُ صَادِقٌ فَيُعَزَّرُ لَا لِلْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ فِيهِ قَطْعًا فَلَمْ يُلْحِقْ بِهَا عَارًا مَنْعًا لَهُ مِنْ الْإِيذَاءِ وَالْخَوْضِ فِي الْبَاطِلِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ اللِّعَانَ لِإِظْهَارِ الصِّدْقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَلَا مَعْنَى لَهُ وَلِأَنَّ التَّعْزِيرَ فِيهِ لِلسَّبِّ وَالْإِيذَاءِ فَأَشْبَهَ التَّعْزِيرَ بِقَذْفِ صَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ (وَيُعَزَّرُ) فِيهِمَا (تَأْدِيبًا) لَا تَكْذِيبًا لَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَدَّ اللَّازِمَ لِلزَّوْجِ يُلَاعِنُ لِدَفْعِهِ. وَالتَّعْزِيرُ اللَّازِمُ لَهُ نَوْعَانِ: تَعْزِيرُ تَكْذِيبٍ وَهُوَ مَا شُرِعَ فِي حَقِّ الْقَاذِفِ الْكَاذِبِ ظَاهِرًا كَأَنَّهُ يَكْذِبُ بِمَا تَجَرَّأَ عَلَيْهِ فَلَهُ اللِّعَانُ لِدَفْعِهِ، وَتَعْزِيرُ تَأْدِيبٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كَذِبُهُ مَعْلُومًا أَوْ صِدْقُهُ ظَاهِرًا فَلَا لِعَانَ فِيهِمَا بَلْ يُعَزَّرُ تَأْدِيبًا. سَاقِطٌ مِنْ أَكْثَرِ النُّسَخِ مَعَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ.

(وَيُلَاعِنُ لِنَفْيِ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ وَ) وَلَدِ (الْعَافِيَةِ عَنْ الْحَدِّ) أَوْ التَّعْزِيرِ وَلَوْ بَائِنَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهُمَا فِي الزَّوْجِيَّةِ وَبِهِ حَاجَةٌ إلَى إظْهَارِ الصِّدْقِ وَالِانْتِقَامِ مِنْهُمَا لِتَلْطِيخِهِمَا فِرَاشَهُ، ثُمَّ مَا كَانَ مِنْ حَدٍّ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ وَصَحَّحَهَا الْأَصْلُ وَالْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ يَسْبِقُهُ إلَى الرَّحِمِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ مَخِيلَةٌ أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَفِيمَا إذَا انْضَمَّ إلَى مَخِيلَةٍ نَظَرٌ.

(الْبَابُ الثَّالِثُ فِي اللِّعَانِ) (قَوْلُهُ وَهُوَ قَذْفُ الزَّوْجَةِ إلَخْ) فَلَا يَصِحُّ لِعَانُ غَيْرِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ لِغَيْرِ الْأَزْوَاجِ مَخْرَجًا مِنْ الْقَذْفِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ فَقَالَ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] الْآيَاتِ.

(تَنْبِيهٌ) هَلْ يُرْفَعُ فِسْقُهُ بِلِعَانِهِ إذَا لَاعَنَتْ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا ارْتِفَاعُهُ، فَإِنْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: ٦] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ لَا يُلَاعِنُ قُلْنَا مَعْنَى الْآيَةِ إنْ لَمْ يَتَّفِقْ شَهَادَةُ شُهُودٍ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ وَنَظِيرُهُ {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢] أَيْ إنْ لَمْ يَتَّفِقْ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي التَّعْلِيقِ الْقَطْعُ بِزَوَالِ فِسْقِهِ بِلِعَانِهِ التَّعَنُّتُ بَعْدَهُ أَمْ لَا بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْته بِلَفْظِهِ فِي الْغُنْيَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>