للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُحْتَرَمًا وَعَطَفَ عَلَى مَا شَاءَ أَوْ عَلَى حَبَّةٍ قَوْلَهُ (لَا رَدَّ سَلَامٍ وَعِيَادَةً) لِمَرِيضٍ فَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِهِمَا لِبُعْدِ فَهْمِهِمَا فِي مَعْرِضِ الْإِقْرَارِ إذْ لَا مُطَالَبَةَ بِهِمَا (إلَّا) أَيْ لَكِنْ (إنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ) قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِهِمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالتَّوْجِيهُ الْمَذْكُورُ يُنَافِيهِ مَعَ عُسْرِ الْفَرْقِ فَإِنَّ الْحَقَّ أَخَصُّ مِنْ الشَّيْءِ فَكَيْفَ يُقْبَلُ فِي تَفْسِيرِ الْأَخَصِّ مَا لَا يُقْبَلُ فِي تَفْسِيرِ الْأَعَمِّ وَأَجَابَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْحَقَّ يُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الشَّيْءِ فَيُقَالُ نَفْيُ الْعُرْفِ لَهُ عَلَى حَقٍّ وَيُرَادُ ذَلِكَ وَفِي الْخَبَرِ «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ وَذَكَرَ مِنْهَا عِيَادَةَ الْمَرْضَى وَرَدَّ السَّلَامِ» .

فَاعْتِبَارُ الْإِقْرَارِ بِمَا يُطَالَبُ بِهِ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَشِعْ اللَّفْظُ عُرْفًا أَوْ شَرْعًا فِيمَا لَا يُطَالَبُ بِهِ (وَأَمَّا مَا يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ كَالْخِنْزِيرِ وَمَا لَا يَنْفَعُ كَجِلْدِ الْكَلْبِ وَالْكَلْبِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ وَالْخَمْرِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ فَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِهَا) إذْ لَيْسَ فِيهَا حَقٌّ وَلَا اخْتِصَاصٌ وَلَا يَلْزَمُ رَدُّهَا، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَبُولُ تَفْسِيرِهِ بِالْخَمْرَةِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ إذَا كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّ عَلَى غَاصِبِهَا مِنْهُ رَدَّهَا عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَتَظَاهَرْ بِهَا وَلَا يَضُرُّ فِي كَوْنِهَا غَيْرَ مُحْتَرَمَةٍ بِمَعْنَى أَنَّهَا عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ كَوْنُهَا فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ مُحْتَرَمَةً بِمَعْنَى أَنَّ عَلَى غَاصِبِهَا رَدَّهَا فَلَا يُعْتَرَضُ بِأَنَّهَا كُلَّهَا فِي حَقِّهِ مُحْتَرَمَةٌ وَلَوْ فَسَّرَهُ بِمَيْتَةٍ أَوْ نَحْوِهَا لِمُضْطَرٍّ قَالَ الْقَاضِي لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ عَلَى ذَلِكَ وَرَجَّحَ الْإِمَامُ خِلَافَهُ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ.

(فَرْعٌ) لَوْ (قَالَ غَصَبْت مِنْهُ شَيْئًا قُبِلَ) تَفْسِيرُهُ (بِمَا) يُقْبَلُ بِهِ (فِي الصُّوَرِ السَّابِقَةِ) بِالْأَوْلَى، وَقَيَّدَهُ بِمَا (إذَا احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ احْتِرَازًا مِنْ) تَفْسِيرِهِ بِنَحْوِ (حَقِّ الشُّفْعَةِ الْوَدِيعَةِ وَيُقْبَلُ) تَفْسِيرُهُ (بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ) إذْ الْغَصْبُ لَا يَقْتَضِي الْتِزَامًا وَثُبُوتَ مَالٍ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْأَخْذَ قَهْرًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَلَيَّ (قَالُوا وَلَوْ قَالَ لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ وَفَسَّرَهُ بِخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ قُبِلَ) ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ مِمَّا عِنْدَهُ، وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ قَالُوا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مُتَبَرِّئٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ (وَلَوْ قَالَ غَصَبْتُك مَا تَعْلَمُ) أَوْ غَصَبْتُك كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ (لَغَا إذْ قَدْ يُرِيدُ نَفْسَهُ) لَكِنَّهُ إنْ قَالَ أَرَدْت غَيْرَ نَفْسِك فَظَاهِرٌ أَنَّا نَقْبَلُهُ؛ لِأَنَّهُ غِلَظٌ عَلَى نَفْسِهِ (لَا) إنْ قَالَ (غَصَبْتُك شَيْئًا) ثُمَّ قَالَ أَرَدْت نَفْسَك فَلَا يَلْغُو وَلَا تُقْبَلُ إرَادَتُهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ قَالَ غَصَبْتُك شَيْئًا تَعْلَمُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي غَصَبْتُك مَا تَعْلَمُ بِأَنَّ شَيْئًا اسْمٌ تَامٌّ ظَاهِرٌ فِي الْمُغَايَرَةِ بِخِلَافِ مَا.

(فَصْلٌ: لَوْ امْتَنَعَ مِنْ تَفْسِيرِ الْمُبْهَمِ) وَلَمْ تُمْكِنْ مَعْرِفَتُهُ بِغَيْرِ مُرَاجَعَتِهِ (حُبِسَ) لِلتَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهُ حُبِسَ كَالْمُمْتَنِعِ مِنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا وُصُولَ لِمَعْرِفَتِهِ إلَّا مِنْهُ بِخِلَافِ الدَّيْنِ إذْ يُمْكِنُ أَدَاؤُهُ بِأَنْ يَبِيعَ الْحَاكِمُ مَالَهُ أَمَّا إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ بِغَيْرِ مُرَاجَعَتِهِ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ مِنْ الدَّرَاهِمِ زِنَةُ هَذِهِ الصَّنْجَةِ أَوْ قَدْرُ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ فَلَا يُحْبَسُ بَلْ يُرْجَعُ إلَى مَا أَحَالَ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ. (وَإِنْ فَسَّرَهُ بِبَعْضِ الْجِنْسِ الْمُدَّعَى) بِهِ (كَمِائَةٍ وَدَعْوَاهُ) أَيْ الْمُقَرِّ لَهُ (مِائَتَانِ، وَقَالَ الْمُدَّعِي) ، وَهُوَ الْمُقَرُّ لَهُ أَرَادَ الْمُقِرُّ بِالْمُبْهَمِ الْمِائَةَ تَثْبُتُ بِاتِّفَاقِهِمَا وَحَلَفَ الْمُقِرُّ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ، وَهَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ بَابِ الدَّعَاوَى وَمِمَّا يَأْتِي عَلَى الْأَثَرِ، وَإِنْ قَالَ (أَرَادَهُمَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ، وَ) عَلَى (نَفْيِ الْإِرَادَةِ) لَهُمَا (يَمِينًا وَاحِدَةً) لِاتِّحَادِ الدَّعْوَى (فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ) لَهُمَا (لَا) عَلَى (إرَادَتِهِ) أَيْ الْمُقَرِّ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ إذَا ادَّعَتْ إرَادَةَ الزَّوْجِ الطَّلَاقَ بِالْكِنَايَةِ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَيْثُ تَحْلِفُ مَعَ أَنَّهَا لَا تَطَّلِعُ عَلَيْهَا وَفَرَّقَ الْإِمَامُ بِأَنَّهَا تَدَّعِي عَلَيْهِ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ وَالْمُقَرُّ لَهُ لَا يَدَّعِي عَلَى الْمُقِرِّ إثْبَاتَ حَقٍّ لَهُ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ لَا يُثْبِتُ حَقًّا، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ حَتَّى وَلَوْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقٌّ.

(وَإِذَا مَاتَ) الْمُقِرُّ قَبْلَ تَفْسِيرِهِ طُولِبَ بِهِ الْوَارِثُ فَإِنْ امْتَنَعَ (وُقِفَتْ التَّرِكَةُ) كُلُّهَا إلَّا أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ مِنْهَا (حَتَّى يُفَسِّرَ الْوَارِثُ) ؛ لِأَنَّهَا، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي التَّفْسِيرِ مُرْتَهِنَةٌ بِالدَّيْنِ وَلَا يُخَالِفُهُ صِحَّةُ التَّفْسِيرِ بِالسِّرْجِينِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّا لَمْ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: وَأَجَابَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْحَقَّ يُطْلَقُ عُرْفًا إلَخْ) بَلْ الشَّيْءُ الْمُقَرُّ بِهِ لَيْسَ بِأَعَمَّ مِنْ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ أَخَصُّ مِنْهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ شَيْءٌ يُطَالِبُنِي بِهِ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ مِنْهَا عِيَادَةَ الْمَرْضَى إلَخْ) وَالْإِحْسَانَ وَالصُّحْبَةَ وَنَحْوَهُمَا (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلَخْ) ، وَهُوَ وَاضِحٌ (قَوْلُهُ قَبُولُ تَفْسِيرِهِ بِالْخَمْرَةِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ) أَيْ وَالْخِنْزِيرِ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ الْإِمَامُ خِلَافَهُ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[فَرْعٌ أَقَرَّ بِأَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ شَيْئًا]

(قَوْلُهُ: وَيُقْبَلُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ) أَيْ وَالنَّجَاسَةِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ غَصْبُ الْخَمْرَةِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ وَالْمَيْتَةِ قُلْنَا يُتَصَوَّرُ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ بِأَنْ يَقْصِدَ بِالْمَيْتَةِ أَنْ يُطْعِمَهَا لِلْجَوَارِحِ كَبُزَاتِهِ وَنُسُورِهِ وَبِالْخَمْرِ أَنْ يُطْفِئَ بِهَا نَارًا أَوْ يَبُلَّ بِهَا تُرَابًا قَالَهُ فِي الشَّامِلِ وَالْمُهَذَّبِ، وَإِنَّمَا الْإِثْبَاتُ الْمُحَرَّمُ أَنْ يَقْصِدَ إمْسَاكَهَا لَا لِمَنْفَعَةٍ (قَوْلُهُ: فَظَاهِرٌ أَنَّا نَقْبَلُهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ قَالَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[فَصْلٌ امْتَنَعَ الْمُقِرّ مِنْ تَفْسِيرِ الْمُبْهَمِ وَلَمْ تُمْكِنْ مَعْرِفَتُهُ بِغَيْرِ مُرَاجَعَتِهِ]

(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: لَوْ امْتَنَعَ مِنْ تَفْسِيرِ الْمُبْهَمِ حُبِسَ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ عِنْدَ دَعْوَى الْجَهْلِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى نَفْيِ الْإِرَادَةِ لَهُمَا) فَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا الْمِائَةَ، وَإِنَّمَا احْتَاجَ فِي حَلِفِهِ إلَى نَفْيِ كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَى الزِّيَادَةَ وَاعْتَرَفَ بِالْإِرَادَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ لَزِمَهُ الْحَقُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَيْهَا) يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَى عِلَّةِ أَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَيْهَا أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَى الْحَلِفِ عَلَيْهَا حَتَّى تَخْرُجَ مَسْأَلَةُ الذِّرَاعِ مِنْ الْأَرْضِ إذَا بِيعَ، وَقَالَ الْبَائِعُ عَنَيْنَا التَّعْيِينَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ الْإِشَاعَةُ فَإِنَّ الْأَصَحَّ تَصْدِيقُ الْبَائِعِ، وَإِذَا صَدَّقْنَا الْمُشْتَرِيَ فَلَا مَنْدُوحَةَ لَنَا عَنْ الْحَلِفِ عَلَى الْإِرَادَةِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي التَّفْسِيرِ مُرْتَهِنَةٌ بِالدَّيْنِ) وَعَلَّلَهُ الرُّويَانِيُّ بِأَنَّهُ رُبَّمَا يَأْتِي التَّفْسِيرُ عَلَى جَمِيعِهَا (فَرْعٌ) لَوْ قَالَ مَا ادَّعَاهُ فُلَانٌ فِي تَرِكَتِي فَهُوَ حَقٌّ فَهَلْ هُوَ إقْرَارٌ صَحِيحٌ أَوْ إقْرَارٌ بِمَجْهُولٍ يُعَيِّنُهُ الْوَارِثُ فِيهِ تَرَدُّدٌ الْأَصَحُّ الثَّانِي

<<  <  ج: ص:  >  >>