للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ: لَا بُدَّ فِي إسْلَامِ الْمُرْتَدِّ وَغَيْرِهِ) مِنْ الْكُفَّارِ (مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ) ، وَلَوْ ضِمْنًا عَلَى مَا يَأْتِي (مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُقِرٍّ بِإِحْدَاهُمَا إذْ الْمُقِرُّ بِإِحْدَاهُمَا لَمْ يُقِرَّ بِهَا لِيَأْتِيَ بِالْأُخْرَى (فَإِنْ كَانَ كُفْرُهُ بِإِنْكَارِ شَيْءٍ آخَرَ) مِمَّا لَا يُنَافِي الْإِقْرَارَ بِهِمَا أَوْ بِإِحْدَاهُمَا بِبَادِئِ الرَّأْيِ (كَمَنْ خَصَّصَ رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ بِالْعَرَبِ أَوْ جَحَدَ فَرْضًا أَوْ تَحْرِيمًا فَيَلْزَمُهُ مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ الْإِقْرَارُ بِمَا أَنْكَرَ) هـ بِأَنْ يُقِرَّ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ أَوْ يَبْرَأَ مِنْ كُلِّ دَيْنٍ يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ وَيَرْجِعَ الثَّانِي عَمَّا اعْتَقَدَهُ (وَيُسْتَحَبُّ الِامْتِحَانُ) بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِتَقْرِيرِهِ (بِالْبَعْثِ) بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقُدِّمَ كَأَصْلِهِ هَذَا مَعَ بَعْضِ مَا قَبْلَهُ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ.

(فَإِنْ قَالَ كَافِرٌ أَنَا مِنْكُمْ) أَوْ أَنَا مِثْلُكُمْ أَوْ مُسْلِمٌ كَمَا عَبَّرَ بِهِمَا الْأَصْلُ (أَوْ وَلِيُّ مُحَمَّدٍ) أَوْ أُحِبُّهُ (وَكَذَا أَسْلَمْت أَوْ آمَنْت لَمْ يَكُنْ اعْتِرَافًا بِالْإِسْلَامِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ أَنَا مِثْلُكُمْ فِي الْبَشَرِيَّةِ، وَأَنَا مُنْقَادٌ لَكُمْ، وَأَنَا وَلِيُّ مُحَمَّدٍ أَوْ أُحِبُّهُ لِخِصَالِهِ الْحَمِيدَةِ، وَأَسْلَمْت وَآمَنْت بِمُوسَى أَوْ عِيسَى؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ سَمَّى دِينَهُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ إسْلَامًا نَعَمْ إنْ اقْتَرَنَ بِذَلِكَ مَا يَنْفِي عَنْهُ الْكُفْرَ كَأَنْ يَقَعَ جَوَابًا فِي دَعْوَى الْكُفْرِ عَلَيْهِ بِإِسْلَامِهِ وَمِنْهُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي اللِّعَانِ وَفِي الْقَضَاءِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّزْكِيَةِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ.

(فَإِنْ قَالَ آمَنْت) أَوْ أَسْلَمْت أَوْ أَنَا مُؤْمِنٌ أَوْ مُسْلِمٌ مِثْلُكُمْ (أَوْ أَنَا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَوْ دِينُكُمْ حَقٌّ أَوْ اعْتَرَفَ) مَنْ كَفَرَ بِإِنْكَارِ وُجُوبِ شَيْءٍ (بِوُجُوبِ مَا كَفَرَ بِهِ) أَيْ بِإِنْكَارِ وُجُوبِهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ أَوْ أَقَرَّ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ (أَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مَا يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ) مِنْ دِينٍ وَرَأْيٍ، وَهَوًى (لَا) أَنَا بَرِيءٌ (مِنْ كُلِّ مِلَّةٍ تُخَالِفُ؛ لِأَنَّ التَّعْطِيلَ لَيْسَ بِمِلَّةٍ كَانَ) ذَلِكَ (اعْتِرَافًا) بِالْإِسْلَامِ (عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ) بِخِلَافِ الْمَنْفِيِّ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفِي التَّعْطِيلَ الَّذِي يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ، وَلَيْسَ بِمِلَّةٍ كَمَا قَالَهُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْيَهُودِيِّ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيُّ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ؛ لِأَنَّ ضِدَّ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الْإِسْلَامِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ، وَقَالَ نَقْلًا عَنْ الْحَلِيمِيِّ: لَوْ قَالَ الْإِسْلَامُ حَقٌّ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقِرُّ بِالْحَقِّ، وَلَا يَنْقَادُ لَهُ، قَالَ: وَهَذَا يُخَالِفُ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْبَغَوِيّ فِي قَوْلِهِ دِينُكُمْ حَقٌّ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ جَارٍ عَلَى كَلَامِ الْبَغَوِيّ حَيْثُ جَزَمَ بِهِ فِيمَا مَرَّ، وَتَرَكَ هَذَا ثُمَّ مَا عَزَى إلَى الْمُحَقِّقِينَ قَالَ فِي الْأَصْلِ إنَّهَا طَرِيقَةٌ نَسَبَهَا إلَيْهِمْ الْإِمَامُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ خِلَافُهَا (وَلَوْ أَقَرَّ يَهُودِيٌّ بِرِسَالَةِ عِيسَى لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْإِسْلَامِ) كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِبَعْضِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ.

(فَرْعٌ: قَالَ الْحَلِيمِيُّ لَوْ قَالَ لَا رَحْمَنَ أَوْ لَا بَارِئَ إلَّا اللَّهُ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ الرَّحْمَنُ أَوْ الْبَارِئُ أَوْ مَنْ آمَنَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ أَوْ مَنْ فِي السَّمَاءِ كَفَى) فِي إيمَانِهِ بِاَللَّهِ لِإِفَادَتِهِ التَّوْحِيدَ وَالْمُرَادُ بِمَنْ فِي السَّمَاءِ اللَّهُ قَالَ تَعَالَى {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: ١٦] وَالْأَلْفَاظُ الْمَذْكُورَةُ أَمْثِلَةٌ فَمَا فِي مَعْنَاهَا كَذَلِكَ كَلَا مَالِكَ أَوْ لَا رَازِقَ إلَّا اللَّهُ أَوْ لَا رَحْمَنَ أَوْ لَا بَارِئَ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا الْخَالِقُ (لَا سَاكِنَ السَّمَاوَاتِ) أَيْ لَا يَكْفِي قَوْلُهُ لَا رَحْمَنَ أَوْ لَا بَارِئَ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا سَاكِنُ السَّمَاءِ أَوْ إلَّا اللَّهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ السُّكُونَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى (وَلَا آمَنْت بِاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ الْوَثَنَ، وَلَا إلَهَ إلَّا الْمِلْكُ أَوْ إلَّا الرَّازِقُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ السُّلْطَانَ الَّذِي يَمْلِكُ أَمْرَ الْجُنْدِ وَيُرَتِّبُ أَرْزَاقَهُمْ (وَغَيْرُهُ وَسِوَى وَمَا عَدَا) وَنَحْوُهَا (فِي الِاسْتِثْنَاءِ كَإِلَّا) فِي الِاكْتِفَاءِ بِهَا فِيهِ كَقَوْلِهِ لَا إلَهَ غَيْرُ اللَّهِ أَوْ سِوَى اللَّهِ أَوْ مَا عَدَا اللَّهَ أَوْ مَا خَلَا اللَّهَ (، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو الْقَاسِمِ رَسُولُ اللَّهِ كَمُحَمَّدٍ) رَسُولِ اللَّهِ فِي صِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِهِمَا (وَالنَّبِيُّ كَرَسُولِ اللَّهِ لَا الرَّسُولُ) فَإِنَّهُ لَيْسَ كَرَسُولِ اللَّهِ فَلَوْ قَالَ آمَنْت بِمُحَمَّدٍ النَّبِيِّ كَفَى بِخِلَافِ آمَنْت بِمُحَمَّدٍ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَالرَّسُولُ قَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ وَبِخِلَافِ آمَنْت بِمُحَمَّدٍ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ.

(وَمَنْ قَالَ آمَنْت بِاَللَّهِ، وَلَمْ يُدْنِ بِشَيْءٍ) أَيْ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى دِينٍ قَبْلَ ذَلِكَ (صَارَ مُؤْمِنًا) بِاَللَّهِ فَيَأْتِي بِالشَّهَادَةِ الْأُخْرَى (وَإِنْ كَانَ مُشْرِكًا فَلَا يَصِيرُ) مُؤْمِنًا (حَتَّى يَضُمَّ إلَيْهِ وَكَفَرْت بِمَا كُنْت أَشْرَكْت بِهِ وَكَذَا) يَصِيرُ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ مَنْ قَالَ (أُؤْمِنُ) بِاَللَّهِ أَوْ أُسْلِمُ لِلَّهِ (إنْ لَمْ يُرِدْ الْوَعْدَ) كَمَا أَنَّ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ يَمِينٌ إنْ لَمْ يُرِدْ الْوَعْدَ (وَأَسْلَمْت) وَأُسْلِمُ (كَآمَنْتُ) وَأُؤْمِنُ فِيمَا ذُكِرَ (وَمَنْ قَالَ بِقِدَمِ غَيْرِ اللَّهِ كَفَاهُ) لِلْإِيمَانِ بِاَللَّهِ (لَا قَدِيمَ إلَّا اللَّهُ) كَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ يَكْفِيهِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[فَصْلٌ لَا بُدَّ فِي إسْلَامِ الْمُرْتَدِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ]

قَوْلُهُ: لَا بُدَّ فِي إسْلَامِ الْمُرْتَدِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ ارْتَدَّ، وَهُوَ مُسْلِمٌ لَمْ أَكْشِفْ عَنْ الْحَالِ، وَقُلْت لَهُ قُلْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِنَّك بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ. اهـ. فَقَوْلُ بَعْضِ الْقُضَاةِ لِمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ ارْتَدَّ أَوْ جَاءَ بِنَفْسِهِ يَطْلُبُ الْحُكْمَ بِإِسْلَامِهِ تَلَفَّظْ بِمَا قُلْتَ غَلَطٌ، وَقَوْلُهُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ ضِمْنًا) عَلَى مَا يَأْتِي عَنْ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِهِمَا ضِمْنًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِمَا، وَكَتَبَ أَيْضًا الِاكْتِفَاءُ بِالشَّهَادَتَيْنِ ضِمْنًا رَأْيٌ مَرْجُوحٌ فَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ: الْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ كَلِمَتَيْ الشَّهَادَتَيْنِ لَا بُدَّ مِنْهُمَا، وَلَا يَحْصُلُ الْإِسْلَامُ إلَّا بِهِمَا (قَوْلُهُ: كَمَنْ خَصَّصَ رِسَالَتَهُ بِالْعَرَبِ) أَوْ، قَالَ رِسَالَتُهُ حَقٌّ لَكِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ بَعْدُ

(قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْأَصْلِ أَوْ أَقَرَّ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ) الْمَذْهَبُ خِلَافُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْكَفَّارَةِ، وَفِي الْمَجْمُوعِ فِي الْكَلَامِ عَلَى إمَامَةِ الْكَافِرِ وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ كَانَ اعْتِرَافًا بِالْإِسْلَامِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ قَالَ: وَهَذَا يُخَالِفُ مَا مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْبَغَوِيّ إلَخْ يُجَابُ بِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَلِيمِيِّ أَنَّهُ قَدْ يُسَمِّي دِينَهُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ إسْلَامًا قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ خِلَافُهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ قَوْلُهُ قَالَ الْحَلِيمِيُّ قَوْلُهُ لَا رَحْمَنَ أَوْ لَا بَارِئَ إلَّا اللَّهُ إلَخْ قَالَ شَيْخُنَا قَالَ الْوَالِدُ فِي فَتَاوِيهِ إنَّ كَلَامَ الْحَلِيمِيِّ طَرِيقَةُ مُقَابِلَةٌ لِلْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: هَذَا كَلَامُ الْحَلِيمِيِّ كُلُّهُ يُوَافِقُ كَلَامَ الْبَغَوِيّ وَالْإِمَامِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ فَيَحْتَاجُ فِي بَعْضِهِ إلَى الشَّهَادَةِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ أَوْ الرِّسَالَةِ أَوْ إلَى كِلْتَيْهِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>