(وَإِلَّا) بِأَنْ اسْتَنَابَ مَنْ لَمْ يَرْمِ فَرَمَى (وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّ رَمْيَهُ يَقَعُ عَنْهُ دُونَ الْمُسْتَنِيبِ كَالْحَجِّ وَإِذَا اسْتَنَابَ عَنْهُ مَنْ رَمَى أَوْ حَلَالًا (فَيُنَاوَلُهُ الْحَصَى نَدْبًا وَيُكَبِّرُ) كَذَلِكَ (إنْ أَمْكَنَ) ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنُ تَنَاوَلَهَا النَّائِبُ وَكَبَّرَ بِنَفْسِهِ لَوْ أَخَّرَ نَدْبًا عَنْ قَوْلِهِ وَيُكَبِّرُ كَانَ أَوْلَى، أَمَّا إذَا لَمْ يَيْأَسْ مِنْ الْبُرْءِ فِي الْوَقْتِ فَلَا يَسْتَنِيبُ كَمَا فِي الْحَجِّ (وَلَا يَنْعَزِلُ نَائِبُهُ) عَنْ الرَّمْيِ عَنْهُ (بِإِغْمَائِهِ) أَيْ إغْمَاءِ الْمُسْتَنِيبِ كَمَا لَا يَنْعَزِلُ عَنْهُ وَعَنْ الْحَجِّ بِمَوْتِهِ وَلِأَنَّ الْإِغْمَاءَ زِيَادَةٌ فِي الْعَجْزِ الْمُبِيحِ لِلْإِنَابَةِ فَلَا يَكُونُ مُفْسِدًا لَهَا فَارَقَ سَائِرَ الْوَكَالَاتِ بِوُجُوبِ الْإِذْنِ هُنَا (فَيُجْزِئُهُ رَمْيُهُ) عَنْهُ (وَلَوْ بَرِئَ) مِنْ عُذْرِهِ (فِي الْوَقْتِ) بَعْدَ الرَّمْيِ فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ لَكِنَّهَا تُسَنُّ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ فِي الْحَجِّ بِأَنَّ الرَّمْيَ تَابِعٌ وَيُجْبَرَ تَرْكُهُ بِدَمٍ بِخِلَافِ الْحَجِّ فِيهِمَا أَمَّا إغْمَاءُ النَّائِبِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ وَهُوَ الْقِيَاسُ.
(فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ) لِلْحَاجِّ (بَعْدَ رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُحَصَّبَ) بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ، ثُمَّ جَاءَ وَصَادٍ وَمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ، ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ اسْمٌ لِمَكَانٍ مُتَّسَعٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى، وَهُوَ إلَى مِنًى أَقْرَبُ وَيُقَالُ لَهُ: الْأَبْطَحُ وَالْبَطْحَاءُ وَخَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ وَحْدَهُ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ إلَى الْمَقْبَرَةِ (مِنْ الظُّهْرِ) يَعْنِي فِي وَقْتِهِ فَيَنْزِلُ بِهِ (وَيُصَلِّي) فِيهِ الْعَصْرَيْنِ وَالْمَغْرِبَيْنِ (وَيَبِيتُ فِيهِ) لَيْلَةَ الرَّابِعَ عَشْرَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَلَوْ تَرَكَ النُّزُولَ بِهِ لَمْ يُؤَثِّرَ فِي نُسُكِهِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ «لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُحَصَّبُ لَيْسَ بِشَيْءٍ إنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» «وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ نُزُولُ الْمُحَصَّبِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ إنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُتَعَجِّلَ فِي ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ نُزُولُ الْمُحَصَّبِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. انْتَهَى، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَأَنَّ كَلَامَهُمْ جَرَوْا فِيهِ عَلَى الْغَالِبِ
(فَصْلٌ طَوَافُ الْوَدَاعِ) الْمُسَمَّى أَيْضًا بِطَوَافِ الصَّدَرِ (وَاجِبٌ) عَلَى مَنْ أَرَادَ السَّفَرَ كَمَا سَيَأْتِي رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ طَافَ لِلْوَدَاعِ» وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خَبَرَ «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ أَيْ الطَّوَافِ بِهِ» كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَلَا وَدَاعَ عَلَى مُرِيدِ الْإِقَامَةِ وَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ بَعْدَهُ قَالَهُ الْإِمَامُ، وَلَا عَلَى مُرِيدِ السَّفَرِ قَبْلَ فَرَاغِ الْأَعْمَالِ، وَلَا عَلَى الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ الْخَارِجِ إلَى التَّنْعِيمِ وَنَحْوِهِ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَخَا عَائِشَةَ بِأَنْ يُعَمِّرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ، وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِوَدَاعٍ» ، وَهَذَا فِيمَنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ، ثُمَّ يَعُودُ، وَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْمَجْمُوعِ فِيمَنْ أَرَادَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فِيمَنْ خَرَجَ إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ مَحَلٍّ يُقِيمُ فِيهِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
رَمْيِهِ هَلْ هُوَ فِي رَمْيِ يَوْمٍ بِكَمَالِهِ وَإِذَا رَمَى جَمْرَةً لِنَفْسِهِ جَازَ أَنْ يَرْمِيَ إلَيْهَا لِلْعَاجِزِ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ فَلَوْ فَعَلَ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ يَدُلُّ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ فِي جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ فِي الرَّمْيِ بِالْعُذْرِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْأَجِيرِ إجَارَةَ عَيْنٍ أَمَّا هُوَ فَقَدْ أَطْلَقُوا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ فِي شَيْءٍ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فَإِمَّا أَنْ تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ وَإِمَّا أَنْ يَجْرِيَ كَلَامُهُمْ هُنَا عَلَى إطْلَاقِهِ وَيُغْتَفَرُ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ، وَهَذَا أَقْرَبُ وَقَوْلُهُ يَدُلُّ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الظَّاهِرُ وَقَوْلُهُ وَإِمَّا أَنْ يَجْرِيَ كَلَامُهُمْ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ بِأَنْ اسْتَنَابَ لَمْ يَرْمِ) ، وَلَوْ بَعْضَ الْجَمَرَاتِ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ رَمْيَهُ يَقَعُ عَنْهُ دُونَ الْمُسْتَنِيبِ) يُخَالِفُهُ مَا سَبَقَ فِي الطَّوَافِ عَنْ الْغَيْرِ إذَا كَانَ مُحْرِمًا فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْغَيْرِ إذَا نَوَاهُ لَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّوَافَ لَمَّا كَانَ مِثْلَ الصَّلَاةِ أَثَّرَتْ فِيهِ نِيَّةُ الصَّرْفِ إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الرَّمْيِ فَإِنَّهُ لَيْسَ شَبِيهًا بِالصَّلَاةِ، وَقِيَاسُ السَّعْيِ أَنْ يَكُونَ كَالرَّمْيِ وَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِالطَّوَافِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ طَوَافًا بِقَوْلِهِ {أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨] (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْعَزِلُ نَائِبُهُ بِإِغْمَائِهِ إلَخْ) الْمَجْنُونُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لِغَيْرِهِ فِي الرَّمْيِ عَنْهُ لَمْ يُجْزِ الرَّمْيُ عَنْهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَيَنْبَغِي قِرَاءَتُهُ بِضَمِّ الْيَاءِ بِمَعْنَى يَكْفِي لَا بِفَتْحِهَا بِمَعْنَى يَحِلُّ لِقَوْلِ الْإِمْلَاءِ وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُفِقْ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَحْبَبْتُ لِمَنْ مَعَهُ أَنْ يَرْمِيَ عَنْهُ وَعَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِالرَّمْيِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِهِ.
وَإِنْ صَحَّ فَكَيْفَ يَصِحُّ بِلَا إذْنٍ وَأَيْضًا الصِّحَّةُ تَسْتَلْزِمُ الْبَرَاءَةَ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْخَادِمِ وَالتَّعَقُّبَاتِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْفِصَالُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّا إنَّمَا نَحْتَاجُ إلَى الْإِذْنِ حَيْثُ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى الرِّضَا أَمَّا إذَا دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ قَامَ مَقَامَ الْإِذْنِ وَكَيْفَ وَنَحْنُ نَجْزِمُ بِأَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ مُفِيقًا لَأَذِنَ لِغَيْرِهِ فِي الرَّمْيِ عَنْهُ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ نَاظِرَ الْوَقْفِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ تَوْسِعَةً أَوْ زِيَادَةً لَمْ يَشْرِطْهَا الْوَاقِفُ جَازَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ تَغْيِيرِ مَعَالِمِ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّ تَغْيِيرَ مَعَالِمِ الْوَاقِفِ عِبَارَةٌ عَنْ تَغْيِيرِ شُرُوطِهِ وَأَمَّا هَذَا فَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْوَاقِفَ لَوْ كَانَ حَيًّا لَرَضِيَ بِذَلِكَ وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ وَمَا صَحَّحَ الْأَصْحَابُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُضْطَرِّ إذَا أَطْعَمَهُ إنْسَانٌ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَلَامِ لَالْتَزَمَ الْأَكْلَ بِعِوَضٍ وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا دَاوَى الْوَلِيُّ الصَّغِيرَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ هَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الرُّجُوعُ وَوَجْهُ الرُّجُوعِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَالِغًا لَأَذِنَ عَنْ الثَّانِي بِمَنْعِ اللُّزُومِ فَقَدْ يَصِحُّ الشَّيْءُ، وَلَا تَبْرَأُ بِهِ الذِّمَّةُ كَصَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَالْحَجِّ الْفَاسِدِ قَالَ شَيْخُنَا فَإِنَّهُمَا صَحِيحَانِ، وَلَا تَبْرَأُ بِهِمَا الذِّمَّةُ.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْحَجِّ فِيهِمَا) ، وَقَدْ يُقَالُ فِي الْفَرْقِ إنَّ الرَّمْيَ عَلَى الْفَوْرِ، وَقَدْ ظَنَّ الْعَجْزَ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي وَكَلَامُهُمْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ ظَنَّ الْقُدْرَةَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَقُلْنَا إنَّ أَيَّامَ الرَّمْيِ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ، وَلَوْ عَجَزَ الْأَجِيرُ عَلَى عَيْنِهِ عَنْ الرَّمْيِ هَلْ يَسْتَنِيبُ هُنَا لِلضَّرُورَةِ أَوْ لَا يَسْتَنِيبُ كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ قَالَ الْغَزِّيِّ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي خِلَافُهُ وَيُرِيقُ دِمًا (قَوْلُهُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
[فَصَلِّ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ بَعْدَ رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُحَصَّبَ]
(قَوْلُهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ نُزُولُ الْمُحَصَّبِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
[فَصْلٌ طَوَافُ الْوَدَاعِ]
(قَوْلُهُ، وَهَذَا فِيمَنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ