للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَهُوَ صَبِيٌّ، أَوْ مَجْنُونٌ فَلَا) يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلِاسْتِيفَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَتْلَفَ وَدِيعَتَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ بَرِئَ الْمُودِعُ، وَلَوْ مَاتَ الْجَانِي لَمْ يَبْرَأْ، أَوْ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَوْفِيًا فَتَتَعَلَّقُ الدِّيَةُ بِتَرِكَةِ الْجَانِي (وَيَلْزَمُهُ دِيَةُ عَمْدٍ) بِقَتْلِهِ الْجَانِي؛ لِأَنَّ عَمْدَهُ عَمْدٌ (وَالطَّرَفُ كَالنَّفْسِ) فَلَوْ ثَبَتَ لِصَبِيٍّ، أَوْ مَجْنُونٍ قِصَاصُ طَرَفٍ فَقُطِعَ طَرَفُ الْجَانِي لَمْ يَكُنْ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ (فَإِنْ قَطَعَهُ بِإِذْنِهِ) ، أَوْ تَمْكِينِهِ بِأَنْ أَخْرَجَ إلَيْهِ طَرَفَهُ فَقَطَعَهُ (فَهَدَرٌ) ، وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ وَالطَّرَفُ كَالنَّفْسِ أَغْنَى عَنْهُ مَا قَبْلَهُ، وَلَوْ أَبْدَلَ قَطَعَهُ بِقَصَّ مِنْهُ كَانَ أَعَمَّ.

(الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْمُمَاثَلَةِ) ، وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي قِصَاصِ غَيْرِ النَّفْسِ كَالْكَفَاءَةِ فِي النَّفْسِ (وَ) عَلَيْهِ (لَا تُقْطَعُ يَدٌ بِرِجْلٍ، وَ) لَا (يَمِينٌ بِيَسَارٍ، وَلَا جَفْنٌ أَعْلَى بِأَسْفَلَ، وَ) لَا (نَحْوُهُ) كَأُذُنٍ بِشَفَةٍ (كَالْعَكْسِ، وَلَا أُصْبُعٌ وَأُنْمُلَةٌ وَسِنٌّ بِغَيْرِهَا، وَلَا زَائِدٌ بِزَائِدٍ فِي مَحَلٍّ آخَرَ) كَزَائِدٍ بِجَنْبِ الْخِنْصَرِ بِزَائِدٍ بِجَنْبِ الْإِبْهَامِ لِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ بَلْ وَالِاسْمُ وَالْمَنْفَعَةُ فِي بَعْضِهَا بِخِلَافِ زَائِدٍ بِزَائِدٍ مُتَّفِقَيْ الْمَحَلِّ (وَلَا يَضُرُّ) فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ حَيْثُ اتَّحَدَ الْجِنْسُ (تَفَاوُتُ كِبَرٍ أَوْ طُولٍ، أَوْ قُوَّةٍ، أَوْ سِمَنٍ أَوْ لَوْنٍ فِي) عُضْوٍ (أَصْلِيٍّ، وَكَذَا زَائِدٌ) كَمَا فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي ذَلِكَ لَا تَكَادُ تَتَّفِقُ؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ اُعْتُبِرَتْ لَبَطَلَ مَقْصُودُ الْقِصَاصِ، وَلِذَلِكَ تُقْطَعُ يَدُ الصَّانِعِ بِيَدِ الْأَخْرَقِ كَمَا يُقْتَلُ الْعَالِمُ بِالْجَاهِلِ (إلَّا إنْ تَفَاوَتَا) أَيْ الزَّائِدَانِ (بِمَفْصِلٍ) بِأَنْ زَادَتْ مَفَاصِلُ زَائِدَةِ الْجَانِي عَلَى مَفَاصِلِ زَائِدَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَيَضُرُّ حَتَّى لَا تُقْطَعَ بِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا أَعْظَمُ مِنْ تَفَاوُتِ الْمَحَلِّ، وَكَذَا إنْ تَفَاوَتَا بِالْحُكُومَةِ، وَإِنْ تَمَاثَلَا فِي الْمَفْصِلِ كَمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْإِمَامِ، وَأَقَرَّهُ.

(وَيُقْطَعُ زَائِدٌ بِأَصْلِيٍّ اتَّفَقَ مَحَلُّهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ لِنُقْصَانِ الزَّائِدِ كَمَا لَوْ رَضِيَ بِالشَّلَّاءِ عَنْ الصَّحِيحَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ مَحَلُّهُمَا (لَا عَكْسُهُ) أَيْ لَا يُقْطَعُ أَصْلِيٌّ بِزَائِدٍ، وَإِنْ اتَّفَقَ مَحَلُّهُمَا؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ حَقِّهِ.

(فَرْعٌ: وَيُقْتَصُّ فِي الْمُوضِحَةِ بِالْمِسَاحَةِ) طُولًا وَعَرْضًا لَا بِالْجُزْئِيَّةِ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَيْنِ مَثَلًا قَدْ يَخْتَلِفَانِ صِغَرًا وَكِبَرًا فَيَكُونُ جُزْءُ أَحَدِهِمَا قَدْرَ جَمِيعِ الْآخَرِ فَيَقَعُ الْحَيْفُ بِخِلَافِ الْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ وَجَبَ فِيهَا بِالْمُمَاثَلَةِ بِالْجُمْلَةِ فَلَوْ اعْتَبَرْنَاهَا بِالْمُسَامَحَةِ أَدَّى إلَى أَخْذِ الْأَنْفِ بِبَعْضِ الْأَنْفِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمُوضِحَةِ فَاعْتُبِرَتْ بِالْمُسَامَحَةِ (وَإِنْ عَمَّ بِالْبَعْضِ) أَيْ بِسَبَبِ إيضَاحِ الْبَعْضِ (الْكُلُّ بِأَنْ كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَصْغَرَ) مِنْ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ (وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ) مِنْهُ (أَخَذَ قَدْرَ حَقِّهِ) مِنْهُ بِالْمِسَاحَةِ (وَبَدَأَ) الْمُقْتَصُّ بِالْإِيضَاحِ (مِنْ حَيْثُ شَاءَ الْجَانِي) إذْ كُلُّ رَأْسِهِ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ، وَقِيلَ مِنْ حَيْثُ شَاءَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْضَحَ جَمِيعَ رَأْسِهِ فَيَسْتَوْفِي قَدْرَهُ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ وَصَوَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا: وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ خَلَا الْإِمَامَ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ تَبِعَا فِيهِ الْإِمَامَ وَتَعْلِيلُهُ السَّابِقُ لَا يُنَاسِبُهُ، وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ لِإِعْطَاءِ مَنْ عَلَيْهِ حُقُوقٌ مَالِيَّةٌ هُوَ الْأَوَّلَ.

قَالُوا وَنَقْلُ الرَّافِعِيِّ الْأَوَّلَ عَنْ الْأَكْثَرِينَ سَهْوٌ (، وَلَا يُتَمِّمُ) مُوضِحَةً لِرَأْسٍ إذَا كَانَ أَصْغَرَ (بِالْجِهَةِ كَعَكْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ، وَلَوْ قَالَ، وَلَا يُتَمِّمُ بِغَيْرِهِ كَانَ أَعَمَّ (بَلْ) يُتَمِّمُ (بِالْقِسْطِ) أَيْ بِقِسْطِ الْبَاقِي (مِنْ الْأَرْشِ) إذَا وُزِّعَ عَلَى جَمِيعِ الْمُوضِحَةِ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي قَدْرَ الثُّلُثِ فَالْقِسْطُ ثُلُثُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ، وَهَذَا كَمَا لَوْ قَطَعَ نَاقِصُ الْأَصَابِعِ يَدَ كَامِلِهَا فَإِنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ وَيُؤْخَذُ أَرْشُ الْأُصْبُعِ النَّاقِصَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِرَأْسِهِ كَالْيَدِ الصَّغِيرَةِ عَنْ الْكَبِيرَةِ؛ لِأَنَّ مَا بِهِ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْيَدَيْنِ لَيْسَ بِيَدٍ وَمَا بِهِ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْمُوضِحَتَيْنِ مُوضِحَةٌ فَلَا يُجْعَلُ تَابِعًا؛ وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ ثَمَّ اسْمُ الْيَدِ، وَهُنَا الْمِسَاحَةُ (نَعَمْ إنْ كَانَ بَعْضُهُ) أَيْ رَأْسُ الْجَانِي (مَشْجُوجًا وَالْبَاقِي بِقَدْرِ مُوضِحَتِهِ تَعَيَّنَ) لِتَعَذُّرِ مَشِيئَةِ الْجَانِي (وَصَارَ كَأَنَّهُ كُلُّ الرَّأْسِ، وَلَا تَفْرُقُ) الْمُوضِحَةُ فِي مَحَلَّيْنِ كَمُقَدِّمِ رَأْسِهِ، وَمُؤَخِّرِهِ (فَتَصِيرُ مُوضِحَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مُقَابَلَةِ مُوضِحَةٍ بِمُوضِحَتَيْنِ.

(وَلَا تُبَعَّضُ الْمُوضِحَةُ مَعَ إمْكَانِهَا) أَيْ إمْكَانِ اسْتِيفَائِهَا وَذَلِكَ بِأَنْ يَسْتَوْفِيَ بَعْضَهَا (قِصَاصًا، وَ) بَعْضَهَا (أَرْشًا) أَيْ بِقِسْطِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ الْمُسْتَوْفَى يُقَابَلُ بِالْأَرْشِ التَّامِّ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ تَمَامِ الِاسْتِيفَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ، وَهُوَ مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ بَلْ بِالْقِسْطِ مِنْ -

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

وَقَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ، وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ عِلَّةُ الْحُكْمِ حُكْمِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ، وَهِيَ كَوْنُهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلِاسْتِيفَاءِ.

[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْمُمَاثَلَةِ]

(الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْمُمَاثَلَةِ) (قَوْلُهُ: وَلَا يَمِينَ بِيَسَارٍ) سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْيَدُ وَالرِّجْلُ وَالْأُذُنُ وَالْعَيْنُ وَالْمَنْخَرُ وَالْخُصْيَةُ وَالشَّفْرُ وَالْأَلْيَةُ وَغَيْرُهَا، وَلَوْ قَالَ لَا تُؤْخَذُ يَمِينٌ بِيَسَارٍ لَدَخَلَ فِيهِ فَقْءُ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ، وَقَلْعُهَا، وَإِذْهَابُ ضَوْئِهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَلَا زَائِدٌ بِزَائِدٍ إلَخْ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ، وَلَا حَادِثٌ بَعْدَ الْجِنَايَةِ بِمَوْجُودٍ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ قَلَعَ سِنًّا، وَلَيْسَ لِلْجَانِي مِثْلُهَا فَلَا قِصَاصَ فَلَوْ نَبَتَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَقْتَصَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً حَالَةَ الْجِنَايَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى السِّنِّ (قَوْلُهُ: وَلَا يَضُرُّ تَفَاوُتُ كِبَرٍ أَوْ طُولٍ أَوْ قُوَّةٍ) إلَّا إذَا كَانَ النَّقْصُ بِجِنَايَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ أَرْشَهَا (قَوْلُهُ: كَمَا يُقْتَلُ الْعَالِمُ بِالْجَاهِلِ) وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: ٤٥] فَإِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ النَّظَرِ إلَى ذَلِكَ كَمَا اقْتَضَاهُ فِي النَّفْسِ حَتَّى يُؤْخَذَ الْعَالِمُ بِالْجَاهِلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَيُقْتَصُّ فِي الْمُوضِحَةِ بِالْمِسَاحَةِ) ، وَيُضْبَطُ الشَّاجُّ اسْتِحْبَابًا حَتَّى لَا يَضْطَرِبَ (قَوْلُهُ: وَبَدَأَ مِنْ حَيْثُ شَاءَ الْجَانِي) إذْ كُلُّ رَأْسِهِ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ فَيُوَفِّي صَاحِبَهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ أَيِّ مَكَان شَاءَ، وَهَذَا كَمَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ مَالِيٌّ فَإِنَّ الْخِبْرَةَ فِي أَدَائِهِ إلَيْهِ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ شَاءَ مِنْ أَمْوَالِهِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ نَوْعِهِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ النَّوْعِ بِخُصُوصِهِ. اهـ. وَشَمِلَ الْحَقُّ الْمَالِيُّ مَا إذَا ثَبَتَ بِتَعَدِّي مَنْ هُوَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْغَاصِبِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ الثَّانِي هُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ) أَيَّ جُزْءٍ مِنْ رَأْسِهِ مُكِّنَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْ إيضَاحِهِ بَعْدَ وَفَاءِ حَقِّهِ فَهُوَ مُنَاسِبٌ لِلْأَوَّلِ لَا لِلثَّانِي (قَوْلُهُ: قَالُوا: وَنَقْلُ الرَّافِعِيِّ الْأَوَّلَ عَنْ الْأَكْثَرِينَ سَهْوٌ) يُرَدُّ بِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ إذْ هُوَ مُثْبَتٌ، وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ

<<  <  ج: ص:  >  >>