التَّجْرِيدِ (وَخُمُسُ الْخُمُسِ) مِنْ الْفَيْءِ وَالْمَغْنَمِ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنْفِقُ مِنْهُ فِي مَصَالِحِهِ وَمَا فَضَلَ جَعَلَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُ أَيْضًا مَعَ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ سَهْمٌ كَسِهَامِ الْغَانِمِينَ (وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْفَيْءِ) وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْفَيْءِ (وَيَقْضِي بِعِلْمِهِ) وَلَوْ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى بِلَا خِلَافٍ (وَيَحْكُمُ وَيَشْهَدُ لِوَلَدِهِ وَلِنَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ لِلرِّيبَةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ عَنْهُ قَطْعًا (وَيَحْمِي الْمَوَاتَ لِنَفْسِهِ) وَإِنْ لَمْ يَحْمِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ إنَّمَا يَحْمِي لِنَحْوِ نَعَمِ الصَّدَقَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ) اعْتِمَادًا عَلَى دَعْوَاهُ لِقِصَّةِ خُزَيْمَةَ الْآتِيَةِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ (وَيَقْبَلُ) هُوَ (شَهَادَةَ مَنْ شَهِدَ لَهُ) لِانْتِفَاءِ الرِّيبَةِ عَنْهُ قَطْعًا كَمَا مَرَّ وَلِأَنَّهُ قَبِلَ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ لِنَفْسِهِ وَقِصَّتِهِ فِي أَبِي دَاوُد وَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَهَا وَخَالَفَ ابْنُ حَزْمٍ فَأَعَلَّهَا (وَلَهُ أَخْذُ طَعَامِ غَيْرِهِ) وَإِنْ احْتَاجَهُ الْغَيْرُ (وَيَجِبُ) عَلَى الْغَيْرِ (إعْطَاؤُهُ لَهُ وَبَذْلُ النَّفْسِ دُونَهُ) لَوْ قَصَدَهُ ظَالِمٌ بِحَضْرَتِهِ فَيَفْدِي بِمُهْجَتِهِ مُهْجَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.
(وَلَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ) وَلَوْ غَيْرَ مُمَكَّنٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اضْطَجَعَ وَنَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» (وَمَنْ شَتَمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لَعَنَهُ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ قُرْبَةً) بِدُعَائِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «اللَّهُمَّ إنِّي اتَّخَذْت عِنْدَك عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْته أَوْ شَتَمْته أَوْ لَعَنْته فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إلَيْك يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ «إنِّي اشْتَرَطْت عَلَى رَبِّي فَقُلْت إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْت عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ تَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً» وَإِنَّمَا سَاغَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لَهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لَهَا فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ لَكِنَّهُ فِي الظَّاهِرِ يَسْتَوْجِبُهُ بِأَمَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَأْمُورٌ بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ أَوْ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ مَقْصُودًا بَلْ هُوَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ مِنْ وَصْلِ كَلَامِهَا بِنَحْوِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: تَرِبَتْ يَمِينُك وَعَقْرَى حَلْقَى، فَخَافَ أَنْ يُسْتَجَابَ فِي ذَلِكَ فَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ شَتَمَهُ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ وَهُوَ فِي الرَّافِعِيِّ، وَفِيهِ أَنَّ صَاحِبَ التَّلْخِيصِ حَكَى أَنَّ لَهُ دُخُولَ الْمَسْجِدِ جُنُبًا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَقَدْ يَحْتَجُّ لَهُ بِخَبَرِ «يَا عَلِيُّ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُجْنِبَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرِي وَغَيْرِكَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَكِنْ فِي سَنَدِهِ ضَعِيفٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ، قَالَ: وَلَعَلَّهُ اعْتَضَدَ بِمَا اقْتَضَى حُسْنَهُ فَظَهَرَ تَرْجِيحُ قَوْلِ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، وَحَمْلُ دُخُولِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْمُكْثِ بِهِ لَيْسَ مِنْ الْخَصَائِصِ لِمُشَارَكَةِ عَلِيٍّ لَهُ فِيهِ، وَحَذَفَ أَيْضًا أَنَّهُ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ أَعْتَقَهَا بِلَا عِوَضٍ وَتَزَوَّجَهَا بِلَا مَهْرٍ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ فِي مَعْنَى الْوَاهِبَةِ نَفْسَهَا لَهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا مُطْلَقًا وَحَذَفَ أَيْضًا أَنَّهُ هَلْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْخِطَابِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْبِنَاءِ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ فَلَا تَكُونُ مِنْ الْخَصَائِصِ إلَّا عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ (وَمُعْظَمُ هَذِهِ الْمُبَاحَاتِ لَمْ يَفْعَلْهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ لَهُ فِعْلُهُ وَقَدْ صَرَّحْت بِبَعْضِهِ فِيمَا مَرَّ
(الرَّابِعُ الْفَضَائِلُ وَالْإِكْرَامُ وَهِيَ تَحْرِيمُ مَنْكُوحَاتِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ مُطَلَّقَاتٍ) وَلَوْ بِاخْتِيَارِهِنَّ لِفِرَاقِهِ وِفَاقًا لِلْجُمْهُورِ خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَسَوَاءٌ أَكُنَّ مَوْطُوآتٍ أَمْ لَا لِآيَةِ {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: ٥٣] قِيلَ نَزَلَتْ فِي طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَإِنَّهُ قَالَ إنْ مَاتَ لَأَتَزَوَّجَنَّ عَائِشَةَ وَلِأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ تَعَالَى {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: ٦] وَلِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الْجَنَّةِ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي الْجَنَّةِ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ (وَسَرَارِي) أَيْ وَتَحْرِيمُ سَرَارِيهِ أَيْ إمَائِهِ الْمَوْطُوآتِ عَلَى غَيْرِهِ إكْرَامًا لَهُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَوْطُوآتِ وَقِيلَ لَا تَحْرُمُ الْمَوْطُوآتُ أَيْضًا وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِمَا رَجَّحَهُ جَزَمَ الطَّاوُسِيُّ وَالْبَازِرِيُّ مَعَ تَقْيِيدِهِمَا ذَلِكَ بِالْمَوْطُوآتِ وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِسَرَارِيهِ لَسَلِمَ مِنْ إيهَامِ عَطْفِهِنَّ عَلَى مُطَلَّقَاتٍ (وَتَفْضِيلُ زَوْجَاتِهِ عَلَى) سَائِرِ (النِّسَاءِ) عَلَى مَا يَأْتِي تَفْضِيلُهُ قَالَ تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} [الأحزاب: ٣٢] (وَثَوَابُهُنَّ وَعِقَابُهُنَّ مُضَاعَفٌ)
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ (قَوْلُهُ وَيَحْكُمُ وَيَشْهَدُ لِوَلَدِهِ وَلِنَفْسِهِ) أَيْ وَعَلَى عَدُوِّهِ (قَوْلُهُ وَقِصَّتُهُ فِي أَبِي دَاوُد) أَيْ وَالنَّسَائِيُّ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَخْذُ طَعَامِ غَيْرِهِ) مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ (قَوْلُهُ وَفِيهِ أَنَّ صَاحِبَ التَّلْخِيصِ حَكَى أَنَّ لَهُ دُخُولَ الْمَسْجِدِ جُنُبًا) وَمَنَعَهُ الْقَفَّالُ وَهُوَ الرَّاجِحُ (قَوْلُهُ وَتَزَوَّجَهَا بِلَا مَهْرٍ مُطْلَقًا) بَلْ أَصْدَقَهَا رَزِينَةَ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَم الْكَبِيرِ عَنْ رَزِينَةَ مَوْلَاةِ صَفِيَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْدَقَهَا صَفِيَّةَ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْعِتْقَ وَحْدَهُ لَمْ يَكُنْ صَدَاقًا بَلْ كَانَ الصَّدَاقُ عِتْقَهَا وَإِعْطَاءَهَا رَزِينَةَ فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا حَاجَةَ مَعَهُ إلَى تَكَلُّفِ جَوَابٍ ت
[النَّوْع الرَّابِعُ مِنْ خَصَائِصُ النَّبِيِّ الْفَضَائِلُ وَالْإِكْرَامُ]
(الرَّابِعُ الْفَضَائِلُ وَالْإِكْرَامُ) (قَوْلُهُ وَهِيَ تَحْرِيمُ زَوْجَاتِهِ عَلَى غَيْرِهِ) أَمَّا سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا تَحْرُمُ أَزْوَاجُهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ قَالَهُ الْقُضَاعِيُّ فِي عُيُونِ الْمَعَارِفِ قَالَ شَيْخُنَا الْأَقْرَبُ عَدَمُ حُرْمَتِهِنَّ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَحُرْمَتُهُنَّ عَلَى غَيْرِهِمْ بِخِلَافِ زَوْجَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَرَامٌ عَلَى غَيْرِهِ حَتَّى عَلَى الْأَنْبِيَاءِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ) وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِلَّا لَمَا تَمَكَّنَتْ مِنْ غَرَضِهَا فِي زِينَةِ الدُّنْيَا وَلَمَا كَانَ التَّخْيِيرُ مُفِيدًا، وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ تَحْرِيمُ نِكَاحِ مُفَارِقَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ بِاخْتِيَارِهَا فِرَاقَهُ وَقَبْلَ الدُّخُولِ اهـ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ وَسَوَاءٌ أَكُنَّ مَوْطُوآتٍ أَمْ لَا) وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْأَظْهَرُ بِتَحْرِيمِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَقَطْ (قَوْلُهُ وَتَفْضِيلُ زَوْجَاتِهِ عَلَى سَائِرِ النِّسَاءِ) يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ سَيِّدَتُنَا فَاطِمَةُ فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْهُنَّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي وَلَا يَعْدِلُ بِبَضْعَةٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي خَيْرَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ (قَوْلُهُ وَعِقَابُهُنَّ مُضَاعَفٌ) فَحَدُّهُنَّ مِثْلَا حَدِّ غَيْرِهِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute