للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْعَقْرِ (أَرْكَانٌ) أَرْبَعَةٌ (الْأَوَّلُ الذَّابِحُ أَوْ الصَّائِدُ وَشَرْطُهُ مُسْلِمٌ أَوْ كِتَابِيٌّ يُنَاكَحُ أَهْلُ مِلَّتِهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يَحِلُّ لَنَا مُنَاكَحَتُهُمْ قَالَ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: ٥] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّمَا أُحِلَّتْ ذَبَائِحُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَسَوَاءٌ اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ أَمْ تَحْرِيمَهُ كَالْإِبِلِ، وَالشَّرْطُ الْمَذْكُورُ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ وَمَا بَيْنَهُمَا.

(وَتَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ وَصَيْدُهَا، وَإِنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا) إذْ لَا أَثَرَ لِلرِّقِّ فِي الذَّبْحِ بِخِلَافِ الْمُنَاكَحَةِ، وَالتَّصْرِيحُ بِصَيْدِهَا مِنْ زِيَادَتِهِ (وَتَحْرُمُ ذَبَائِحُ سَائِرِ الْكُفَّارِ) كَالْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمُرْتَدِّ (وَصَيْدُهُمْ) لِمَفْهُومِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ (غَيْرَ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ) فَلَا يَحْرُمَانِ بِذَبْحِهِمْ؛ لِأَنَّ مَيِّتَتَهُمَا حَلَالٌ فَلَا عِبْرَةَ بِالْفِعْلِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْجَرَادِ مِنْ زِيَادَتِهِ.

(وَيَحْرُمُ مَا) أَيْ الْحَيَوَانُ (شَارَكَ أَحَدُهُمْ) أَيْ أَحَدُ سَائِرِ الْكُفَّارِ (فِيهِ مُسْلِمًا بِذَبْحٍ) كَأَنْ أَمَرَّا السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِ شَاةٍ (أَوْ إرْسَالِ سَهْمٍ أَوْ كَلْبِهِ) الْأَوْلَى أَوْ كَلْبٍ (أَوْ شَارَكَ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ مُعَلَّمٌ عَدَا بِنَفْسِهِ كَلْبًا أَرْسَلَهُ الْمُسْلِمُ فِي الْإِمْسَاكِ وَالْعَقْرِ) أَوْ فِي أَحَدِهِمَا وَانْفَرَدَ وَاحِدٌ بِالْآخَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَأَفْهَمَهُ بِالْأَوْلَى قَوْلُهُ (أَوْ أَمْسَكَ وَاحِدٌ) مِنْ الْكَلْبَيْنِ صَيْدًا (ثُمَّ عَقَرَ) هـ (آخَرُ وَشَكَّ فِيهِ) أَيْ فِي عَاقِرِهِ مِمَّا ذُكِرَ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ كَمَا لَوْ كَانَ الْحَيَوَانُ مُتَوَلِّدًا بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ وَتَعْبِيرُهُ بِثُمَّ بَدَلَ الْوَاوِ الْمُعَبَّرِ بِهَا فِي الْأَصْلِ يُفِيدُ الْحِلَّ فِيمَا إذَا تَقَدَّمَ الْعَقْرُ الْإِمْسَاكَ أَوْ قَارَنَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَعَلَى الْكَافِرِ) الَّذِي لَا يَحِلُّ ذَبْحُهُ إذَا كَانَ مُلْتَزِمًا لِلْأَحْكَامِ (الضَّمَانُ إنْ شَارَكَهُ وَقَدْ أَزَالَ امْتِنَاعَهُ) فَلَوْ أَثْخَنَهُ مُسْلِمٌ بِجِرَاحَتِهِ فَقَدْ أَزَالَ امْتِنَاعَهُ وَمِلْكَهُ فَإِذَا جَرَحَهُ مَجُوسِيٌّ وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ حَرُمَ وَعَلَى الْمَجُوسِيِّ قِيمَتُهُ مُثْخَنًا؛ لِأَنَّهُ أَفْسَدَهُ بِجَعْلِهِ مَيْتَةً.

(فَإِنْ أَكْرَهَ مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا عَلَى الذَّبْحِ أَوْ أَمْسَكَ لَهُ صَيْدًا فَذَبَحَهُ أَوْ شَارَكَهُ) فِي قَتْلِهِ (بِسَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ، وَهُوَ فِي حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ أَوْ) شَارَكَهُ (فِي رَدِّ الصَّيْدِ عَلَى كَلْبِهِ) أَيْ الْمُسْلِمِ بِأَنْ رَدَّهُ إلَيْهِ (لَمْ يَحْرُمْ) إذْ الْمَقْصُودُ الْفِعْلُ وَقَدْ حَصَلَ مِمَّنْ يَحِلُّ ذَبْحُهُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ، وَلَا غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُكْرِهِ الْقَوَدُ، وَجَرْحُ الْمَجُوسِيِّ الصَّيْدَ، وَهُوَ فِي حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ بِجَرْحِ الْمُسْلِمِ يُشْبِهُ مَا لَوْ ذَبَحَ مُسْلِمٌ شَاةً، ثُمَّ قَدَّهَا مَجُوسِيٌّ.

(فَائِدَةٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَالْحِكْمَةُ فِي اشْتِرَاطِ الذَّبْحِ، وَإِنْهَارِ الدَّمِ تَمْيِيزُ حَلَالِ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ مِنْ حَرَامِهِمَا وَتَنْبِيهٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ بِبَقَاءِ دَمِهَا.

[فَرْعٌ ذَبِيحَةُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَصَيْدُهُ]

(فَرْعٌ تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَصَيْدُهُ) لِأَنَّ قَصْدَهُ صَحِيحٌ بِدَلِيلِ صِحَّةِ عِبَادَتِهِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا وَذِكْرُ حِلِّ صَيْدِ الْمُمَيِّزِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ (وَكَذَا) تَحِلُّ (ذَبِيحَةُ الْمَجْنُونِ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ) كَصَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ وَسَكْرَانَ (وَالْأَعْمَى) ؛ لِأَنَّ لَهُمْ قَصْدًا فِي الْجُمْلَةِ وَكَمَنْ قَطَعَ حَلْقَ شَاةٍ يَظُنُّهُ شَاةً يَظُنُّهُ غَيْرَهُ بِخِلَافِ ذَبِيحَةِ النَّائِمِ (وَإِنْ كُرِهَتْ) ذَبِيحَةُ الثَّلَاثَةِ أَيْ ذَبْحَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُخْطِئُونَ الْمَذْبَحَ وَذِكْرُ الْكَرَاهَةِ فِي غَيْرِ الْأَعْمَى مِنْ زِيَادَتِهِ وَنَصَّ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ (لَا صَيْدُهُمْ) بِرَمْيٍ أَوْ كَلْبٍ فَلَا يَحِلُّ إذْ لَيْسَ لَهُمْ قَصْدٌ صَحِيحٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَرْسَلَ الْكَلْبُ بِنَفْسِهِ وَذِكْرُ تَحْرِيمِ صَيْدِ السَّكْرَانِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَهُوَ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَحْرِيمِ صَيْدِ الْمَجْنُونِ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَتَحْرِيمِ صَيْدِهِمَا هُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ الْمَذْهَبُ حِلُّهُ وَقِيلَ: لَا يَحِلُّ لِعَدَمِ الْقَصْدِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ انْتَهَى.

(وَتَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْأَخْرَسِ، وَلَوْ لَمْ يُفْهِمْ الْإِشَارَةَ) كَالْمَجْنُونِ.

[فَرْعٌ أَوْلَى النَّاسِ بِالذَّكَاةِ]

(فَرْعٌ)

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ أَصْحَابُنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالذَّكَاةِ الرَّجُلُ الْعَاقِلُ الْمُسْلِمُ، ثُمَّ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ، ثُمَّ الصَّبِيُّ الْمُسْلِمُ، ثُمَّ الْكِتَابِيُّ، ثُمَّ الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ انْتَهَى. وَالصَّبِيُّ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فِي مَعْنَى الْأَخِيرَيْنِ

(الرُّكْنُ الثَّانِي الذَّبِيحُ) بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ (وَمَذْبُوحُ مَا لَا يُؤْكَلُ) مِنْ حِمَارٍ وَنَحْوِهِ (كَمَيْتَتِهِ) فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ

(وَمَيْتَةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ حَلَالٌ) ، وَإِنْ كَانَ نَظِيرُ الْأَوَّلِ فِي الْبَرِّ مُحَرَّمًا كَكَلْبٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ} [المائدة: ٩٦] وَلِخَبَرِ «أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ» وَلِخَبَرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» ؛ وَلِأَنَّ ذَبْحَهُمَا لَا يُمْكِنُ عَادَةً فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ سَوَاءٌ أَمَاتَا بِسَبَبٍ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَكَانَ طَافِيًا أَمْ رَاسِبًا

(وَذَبْحُ كِبَارِ السَّمَكِ) الَّذِي يَطُولُ بَقَاؤُهُ (مُسْتَحَبٌّ) إرَاحَةً لَهُ (وَ) ذَبْحُ (صِغَارِهِ مَكْرُوهٌ) ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَتَعَبٌ بِلَا فَائِدَةٍ.

(وَلَوْ أَكَلَ مَشْوِيَّ صِغَارِهِ بِرَوْثِهِ أَوْ ابْتَلَعَهُ حَيًّا) أَوْ ابْتَلَعَ فِلْقَةً قَطَعَهَا مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ (حَلَّ)

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[أَرْكَان الذَّبْح]

قَوْلُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ) الْأَحْسَنُ ضَبْطُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ نُنَاكِحُ نَحْنُ أَهْلَ مِلَّتِهِ وَدَخَلَ فِي الضَّابِطِ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ - (قَوْلُهُ وَمَا بَيْنَهُمَا) فَلَوْ أَسْلَمَ الْمَجُوسِيُّ أَوْ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ وَكَانَ مُسْلِمًا حَالَ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ لَمْ يَحِلَّ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَقَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ التَّصْرِيحُ بِالْجَرَادِ مِنْ زِيَادَتِهِ) ، وَهُوَ حَاصِلُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ

(قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ مَا شَارَكَ أَحَدُهُمْ فِيهِ مُسْلِمًا بِذَبْحٍ) الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: شَارَكَ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَكَاتُهُ مَنْ تَحِلُّ ذَكَاتُهُ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْكَافِرِ الضَّمَانُ) فِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْحُسَيْنِ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ أَمَرَّ السِّكِّينَ عَلَى عُنُقِ شَاةِ الْغَيْرِ وَذَكَّاهُ فَلَا خِلَافَ أَنَّ اللَّحْمَ حَرَامٌ، وَهَلْ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ أَوْ عَلَى الْمَجُوسِيِّ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَفْسَدَهُ وَعَلَى الْمُسْلِمِ نِصْفُ أَرْشِ النُّقْصَانِ بَيْنَ كَوْنِهَا حَيَّةً وَمَذْبُوحَةً؟ احْتِمَالَانِ وَأَرْجَحُهُمَا ثَانِيهِمَا

(قَوْلُهُ أَوْ شَارَكَهُ فِي رَدِّ الصَّيْدِ عَلَى كَلْبِهِ إلَخْ) أَوْ أَكْرَهَ مُحْرِمٌ حَلَالًا عَلَى ذَبْحِ صَيْدٍ

(قَوْلُهُ وَنَصَّ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَحَيْثُ حَلَّلْنَا ذَبْحَ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ (قَوْلُهُ لَا صَيْدُهُمْ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ صَيْدُهُ (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ الْمَذْهَبُ حِلُّهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ وَمَيْتَةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ) قَدْ يُفْهَمُ أَنَّ غَيْرَ السَّمَكِ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ تَحْرُمُ مَيْتَتُهُ وَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ حِلُّهَا وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ شَمَلَتْهُمَا فَإِنَّهُ قَالَ: مَا حَلَّ مَيْتَتُهُ كَالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ لَا حَاجَةَ لِذَبْحِهِ وَيُجَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ اسْمَ السَّمَكِ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ

(قَوْلُهُ، وَلَوْ أَكَلَ مَشْوِيَّ صِغَارِهِ بِرَوْثِهِ إلَخْ)

<<  <  ج: ص:  >  >>