للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الرُّجُوعُ) وَلَوْ كَانَ قَدْ أَسْقَطَهُ (مِنْ دُونِ) حُكْمِ (الْحَاكِمِ) بِالرُّجُوعِ (فِي الْهِبَةِ، وَالْهَدِيَّةِ، وَالصَّدَقَةِ لِلْوَلَدِ) سَوَاءٌ أَقَبَضَهَا الْوَلَدُ أَمْ لَا غَنِيًّا كَانَ، أَوْ فَقِيرًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا لِخَبَرِ «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً، أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ وَالْوَالِدُ يَشْمَلُ كُلَّ الْأُصُولِ إنْ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَإِلَّا أُلْحِقَ بِهِ بَقِيَّةُ الْأُصُولِ بِجَامِعِ أَنَّ لِكُلٍّ وِلَادَةً كَمَا فِي النَّفَقَةِ وَحُصُولِ الْعِتْقِ وَسُقُوطِ الْقَوَدِ وَأَمَّا خَبَرُ «مَنْ وَهَبَ هِبَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا» فَيُحْمَلُ عَلَى الْأُصُولِ وَخُصُّوا بِذَلِكَ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْهُمْ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمْ فَلَا يَرْجِعُونَ إلَّا لِحَاجَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ (وَعَبْدِهِ) أَيْ وَلِعَبْدِ الْوَلَدِ (غَيْرِ الْمُكَاتَبِ) لِأَنَّ الْهِبَةَ لِعَبْدِ الْوَلَدِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَهِبَةِ اثْنَيْنِ لِوَلَدٍ تَنَازَعَا فِيهِ، ثُمَّ أُلْحِقَ بِأَحَدِهِمَا كَذَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهِبَتُهُ لِمُكَاتَبِ نَفْسِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ (لَا فِي الْإِبْرَاءِ) لِوَلَدِهِ عَنْ دَيْنِهِ أَيْ لَا يَرْجِعُ فِيهِ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ إسْقَاطٌ أَمْ تَمْلِيكٌ إذْ لَا بَقَاءَ لِلدَّيْنِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَهَبَهُ شَيْئًا فَتَلِفَ (وَلَا فِي الْهِبَةِ) مِنْ اثْنَيْنِ (لِوَلَدٍ تَنَازَعَا فِيهِ) أَيْ لَا رُجُوعَ لِوَاحِدٍ مِنْهَا فِيهِمَا لِعَدَمِ ثُبُوتِ كَوْنِ الْوَلَدِ لَهُ (فَلَوْ أُلْحِقَ) الْوَلَدُ (بِإِحْدَاهُمَا رَجَعَ) عَلَيْهِ فِي هِبَتِهِ لَهُ لِثُبُوتِ ذَلِكَ (وَإِنْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَرِثْهُ الْوَلَدُ) لِمَانِعٍ قَامَ بِهِ وَإِنَّمَا وَرِثَهُ جَدُّ الْوَلَدِ (لَمْ يَرْجِعْ) فِي الْهِبَةِ (الْجَدُّ الْحَائِزُ) لِلْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ لَا تُورَثُ وَحْدَهَا إنَّمَا تُورَثُ بِتَبَعِيَّةِ الْمَالِ وَهُوَ لَا يَرِثُهُ.

(فَرْعٌ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ) فِي الْمَوْهُوبِ (بِزَوَالِ مِلْكِ الْوَلَدِ عَنْهُ) بِتَلَفٍ، أَوْ بَيْعٍ، أَوْ غَيْرِهِ صِيَانَةً لِمِلْكِ غَيْرِهِ وَلِعَدَمِ بَقَاءِ سَلْطَنَتِهِ عَلَيْهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ امْتِنَاعُ الرُّجُوعِ بِالْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ مِنْ أَبِيهِ الْوَاهِبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَلَوْ عَادَ) إلَيْهِ بِإِرْثٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ الْآنَ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْهُ حَتَّى يُزِيلَهُ بِالرُّجُوعِ فِيهِ (وَ) يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ فِيهِ (بِرَهْنٍ مَقْبُوضٍ) بِأَنْ رَهَنَهُ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَقْبَضَهُ لِعَدَمِ بَقَاءِ سَلْطَنَتِهِ عَلَيْهِ وَصِيَانَةً لِمِلْكِ غَيْرِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ كَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُرْتَهِنَ فَلَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْهُ فِي صُورَةِ الْأَجْنَبِيِّ - وَهُوَ إبْطَالُ حَقِّهِ - مُنْتَفٍ هُنَا وَلِهَذَا صَحَّحُوا بَيْعَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ دُونَ غَيْرِهِ.

وَخَرَجَ بِالْمَقْبُوضِ غَيْرُهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ لِبَقَاءِ سَلْطَنَةِ الْوَلَدِ عَلَيْهِ (وَبِجِنَايَةٍ) مِنْ الْمَوْهُوبِ أَوْجَبَتْ تَعَلُّقَ الْأَرْشِ بِهِ كَمَا فِي الرَّهْنِ الْمَقْبُوضِ (وَبِحَجْرِ فَلَسٍ) عَلَى الْوَلَدِ كَالرَّهْنِ، وَالْجِنَايَةِ (لَا) بِحَجْرِ (سَفَهٍ) عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ وَلَوْ جُنَّ الْأَبُ لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ حَالَ جُنُونِهِ وَلَا رُجُوعَ لِوَلِيِّهِ بَلْ إذَا أَفَاقَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (وَ) يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ (بِاسْتِيلَادٍ) لِلْمَوْهُوبَةِ لِعَدَمِ بَقَاءِ سَلْطَنَةِ الْوَلَدِ عَلَيْهَا (لَا وَطْءٍ) لَهَا إذْ لَا مَانِعَ (وَ) يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ (بِكِتَابَةٍ) لِلْمَوْهُوبِ كَالرَّهْنِ الْمَقْبُوضِ (لَا تَدْبِيرٍ وَتَزْوِيجٍ، وَإِجَارَةٍ) وَزِرَاعَةٍ، وَتَعْلِيقِ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لِبَقَاءِ وِلَايَةِ الْوَلَدِ عَلَيْهِ (وَلَا بِفَسْخِهَا) أَيْ الْوَالِدِ الْإِجَارَةَ (إنْ رَجَعَ) بَلْ تَبْقَى بِحَالِهَا كَالتَّزْوِيجِ (وَيُمَكَّنُ) الْوَالِدُ (مِنْ فِدَاءِ الْجَانِي لِيَرْجِعَ فِيهِ لَا) مِنْ فِدَاءِ (الْمَرْهُونِ) بِأَنْ يَبْذُلَ قِيمَتَهُ لِيَرْجِعَ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ تَصَرُّفِ الْمُتَّهِبِ نَعَمْ لَهُ أَنْ يَفْدِيَهُ بِكُلِّ الدَّيْنِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ لَكِنْ بِشَرْطِ رِضَا الْغَرِيمِ.

(وَلَوْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ) شَيْئًا (فَوَهَبَ) هـ (الْوَلَدُ لِلْجَدِّ، ثُمَّ الْجَدُّ لِوَلَدِ وَلَدِهِ فَالرُّجُوعُ) ثَابِتٌ (لِلْجَدِّ فَقَطْ) أَيْ لَا لِوَلَدِهِ (وَيَرْجِعُ) الْوَاهِبُ (فِي مَرْهُونٍ وَمُكَاتَبٍ انْفَكَّا) عَنْ الرَّهْنِ، وَالْكِتَابَةِ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ فِيهَا لِبَقَاءِ الْوِلَايَةِ فِيهِمَا (وَ) فِي (عَصِيرٍ تَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ) إذْ الْمِلْكُ الثَّابِتُ فِي الْخَلِّ سَبَبُهُ تَمَلُّكُ الْعَصِيرِ فَكَأَنَّهُ الْمِلْكُ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ (وَمَتَى ارْتَدَّ الْوَلَدُ فَالرُّجُوعُ مَوْقُوفٌ) عَلَى عَوْدِهِ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَسْلَمَ صَحَّ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَإِلَّا فَلَا (وَلَوْ وَهَبَ وَلَدَهُ) شَيْئًا (وَ) وَهَبَهُ (الْوَلَدُ لِوَلَدِهِ فَلَا رُجُوعَ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْهُ.

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

وَالثَّانِي لَا وَبِهِ أَفْتَى أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَوَسَّطَ فَيُقَالَ إنْ أَقَرَّ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ مِنْهُ إلَى الِابْنِ رَجَعَ، أَوْ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَلَا. اهـ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي التَّعْلِيقِ لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ مِلْكُ ابْنِي فِي يَدِي أَمَانَةً ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ كَانَ نِحْلَةً وَقَدْ رَجَعْت فِيهِ وَكَذَّبَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلَدِ وَقَالَ فِي فَتَاوِيهِ إنَّهُ الظَّاهِرُ وَهَكَذَا صَوَّرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْمَسْأَلَةَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا فِي يَدِ الْأَبِ، أَوْ الْوَلَدِ وَلَا بَيْنَ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَتَى ظَهَرَتْ قَرِينَةُ حَالٍ عَلَى صِدْقِ الْأَبِ بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُقَرُّ بِهِ مَعْرُوفًا بِهِ وَأَنَّهُ مَلَكَهُ، أَوْ كَانَ الِابْنُ فَقِيرًا لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالٌ مِنْ إرْثٍ وَلَا غَيْرِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ فَالْوَجْهُ تَصْدِيقُ الْأَبِ قَالَ شَيْخُنَا هُوَ كَمَا قَالَ (قَوْلُهُ: فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: إنَّمَا تُورَثُ بِتَبَعِيَّةِ الْمَالِ وَهُوَ لَا يَرِثُهُ) مُرَادُهُ بِالْمَالِ الْمَوْهُوبُ فَإِنْ لَمْ يَرِثْ الْمَوْهُوبَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ.

[فَرْعٌ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ فِي الْمَوْهُوبِ بِزَوَالِ مِلْكِ الْوَلَدِ عَنْهُ بِتَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ]

(قَوْلُهُ: أَوْ بَيْعٍ) لَمْ يُفَرِّقُوا فِي الْبَيْعِ بَيْنَ كَوْنِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ، أَوْ لَا وَفِيهِ احْتِمَالٌ عَلَى قَوْلِ: الْمِلْكُ لَهُ، وَسَوَاءٌ بَاعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ قَرِيبٍ لَا يَثْبُتُ الرُّجُوعُ فِي حَقِّهِ لِلْوَاهِبِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِ الِامْتِنَاعُ بِالْبَيْعِ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْوَلَدِ مَتَى كَانَ الْخِيَارُ لِلْوَلَدِ أَوْ لَهُ وَلِلْمُشْتَرِي لَمْ يَمْتَنِعْ الرُّجُوعُ (قَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ: وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ (قَوْلُهُ وَبِجِنَايَةٍ) فَلَوْ قَالَ: أَفْدِيهِ وَأَرْجِعُ مُكِّنَ جَزْمًا كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَا يَفْسَخُهَا إنْ رَجَعَ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأُجْرَةُ بَعْدَ الرُّجُوعِ لِلْمُتَّهِبِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُجُوعِ الْبَائِعِ بِالتَّحَالُفِ أَنَّ الْعَقْدَ هُنَاكَ يُرْفَعُ مِنْ أَصْلِهِ عَلَى وَجْهٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ.

قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْجَزْمُ بِهِ وَقَوْلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ تَصَرُّفِ الْمُتَّهِبِ) فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ خُرُوجُ دَرَاهِمِهِ مُسْتَحَقَّةً فَيَفُوتُ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ فَسَخَ الْعَقْدَ وَلَا يَقَعُ مَوْقُوفًا بِخِلَافِ بَذْلِ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَقْدٍ فَجَازَ أَنْ يَقَعَ مَوْقُوفًا فَإِنْ سَلَّمَ مَا بَذَلَهُ لَهُ وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>