للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْقُرْبَةَ إنَّمَا تَتِمُّ فِي إتْيَانِهِ بِنُسُكِهِ وَالنَّذْرُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَاجِبِ وَحُرْمَةُ الْحَرَمِ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَمْكِنَةِ وَنَحْوِهَا فِي تَنْفِيرِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ (وَلَوْ قَالَ) فِي نَذْرِهِ (بِلَا حَجٍّ، وَلَا عُمْرَةٍ) فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيَلْغُو النَّفْيُ وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ خِلَافَهُ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِمَا يُنَافِيهِ وَقَدْ يُؤَيَّدُ بِمَا لَوْ نَذَرَ أُضْحِيَّةً عَلَى أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ شَدِيدُ التَّشَبُّثِ (وَلَا يَتَعَيَّنُ الرُّكُوبُ، وَلَا الْمَشْيُ) فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ لَا يَقْتَضِيهِمَا.

(وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ، وَلَمْ يَنْوِ الْحَجَّ أَوْ) أَنْ يَأْتِيَ (بَيْتَ اللَّهِ، وَلَمْ يَنْوِ) الْبَيْتَ (الْحَرَامَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) فِيهِمَا؛ لِأَنَّ عَرَفَاتٍ مِنْ الْحِلِّ فَهِيَ كَبَلَدٍ آخَرَ وَبَيْتُ اللَّهِ يَصْدُقُ بِبَيْتِهِ الْحَرَامِ وَبِسَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِلَفْظٍ، وَلَا نِيَّةٍ فَإِنْ نَوَى الْحَجَّ فِي الْأُولَى وَالْحَرَمِ فِي الثَّانِيَةِ لَزِمَهُ مَا نَوَاهُ وَكَلَفْظِ الْإِتْيَانِ فِيمَا ذُكِرَ لَفْظُ الِانْتِقَالِ وَالذَّهَابِ وَالْمُضِيِّ وَالْمَصِيرِ وَالسَّيْرِ وَنَحْوِهَا

(وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَمَسَّ بِثَوْبِهِ الْكَعْبَةِ فَكَمَا لَوْ نَذَرَ إتْيَانَهَا) وَفِي نُسْخَةٍ لَزِمَهُ إتْيَانُهَا أَيْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مَسِّهَا بِثَوْبِهِ إلَّا بِإِتْيَانِهَا

(وَمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الْحَرَمِ لَزِمَهُ الْمَشْيُ مِنْ بَيْتِهِ) وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمَشْيِ مِنْهُ (وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَإِنْ نَذَرَ إتْيَانَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى) وَفِي نُسْخَةٍ وَالْأَقْصَى (لَمْ يَلْزَمْهُ) إتْيَانُهُ وَيَلْغُو النَّذْرُ؛ لِأَنَّهُ مَسْجِدٌ لَا يَجِبُ قَصْدُهُ بِالنُّسُكِ فَلَمْ يَجِبْ إتْيَانُهُ بِالنَّذْرِ كَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَيُفَارِقُ لُزُومَ الِاعْتِكَافِ فِيهِمَا بِالنَّذْرِ بِأَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمَسْجِدِ فَإِذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ فَضْلٌ وَلِلْعِبَادَةِ فِيهِ مَزِيدُ ثَوَابٍ فَكَأَنَّهُ الْتَزَمَ فَضِيلَةً فِي الْعِبَادَةِ الْمُلْتَزَمَةِ وَالْإِتْيَانَ بِخِلَافِهِ.

(وَحُكْمُ نَذْرِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ حُكْمُ) نَذْرِ (الِاعْتِكَافِ) فِيهَا (وَقَدْ سَبَقَ) فِي بَابِهِ فَلَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى تَعَيَّنَ دُونَ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَيَقُومُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ مَقَامَ مَسْجِدَيْ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى لَا الْعَكْسِ وَيَقُومُ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ مَقَامَ الْأَقْصَى لَا الْعَكْسُ.

(وَإِنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ وَصَلَّى فِي) أَطْرَافِ (الْمَسْجِدِ أَجْزَأَهُ) ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْكَعْبَةِ زِيَادَةُ فَضِيلَةٍ

(، وَلَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ) وَاحِدَةٌ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ (عَنْ أَكْثَرَ مِنْهَا بِأَنْ) بِمَعْنَى كَانَ (نَذَرْت) فَلَوْ نَذَرَ أَلْفَ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدٍ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ صَلَاةً لَا تُجْزِئُهُ أَلْفُ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ عَدَلَتْ بِهَا كَمَا أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ قِرَاءَةَ ثُلُثِ الْقُرْآنِ فَقَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لَا يُجْزِئُهُ، وَإِنْ عَدَلَتْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ.

[فَرْعٌ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ الْفَرَائِضَ فِي الْمَسْجِدِ]

(فَرْعٌ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّي الْفَرَائِضَ فِي الْمَسْجِدِ لَزِمَهُ) أَنْ يُصَلِّيَهَا فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صِفَاتِهَا تُفْرَدُ بِالِالْتِزَامِ بِخِلَافِ النَّفْلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ أَدَاءَ الْفَرِيضَةِ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ (وَلَا يَتَعَيَّنُ) لَهَا (مَسْجِدٌ) وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ لَهَا مَسْجِدًا غَيْرَ الثَّلَاثَةِ جَازَ أَدَاؤُهَا فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.

(وَمَنْ نَذَرَ زِيَارَةَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَزِمَهُ) الْوَفَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّ زِيَارَةَ قَبْرِهِ مِنْ الْقُرَبِ الْمَطْلُوبَةِ (وَفِي) لُزُومِهِ بِنَذْرٍ (زِيَارَةُ قَبْرِ غَيْرِهِ تَرَدُّدٌ) أَيْ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا اللُّزُومُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَقْبُورُ صَالِحًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ لِخَبَرِ «زُورُوا الْقُبُورَ» ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ زِيَارَةَ سَائِرِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ كَزِيَارَةِ قُبُورِ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(فَرْعٌ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ) لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ (وَ) إنْ (نَوَى) مَعَهُ (حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ) مَا نَوَاهُ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهِ.

[النَّوْع الرَّابِع الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا]

(النَّوْعُ الرَّابِعُ الْهَدَايَا) وَالضَّحَايَا (وَلَوْ نَذَرَ ذَبْحَ شَاةٍ) مَثَلًا (وَلَمْ يُعَيِّنْ) لِلذَّبْحِ (بَلَدًا أَوْ عَيَّنَ) لَهُ (غَيْرَ الْحَرَمِ، وَلَمْ يَنْوِ) فِيهِمَا التَّضْحِيَةَ، وَلَا (الصَّدَقَةَ بِلَحْمِهَا لَمْ يَنْعَقِدْ) نَذْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِقُرْبَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى ذَلِكَ أَوْ عَيَّنَ الْحَرَمِ وَقَدْ صَرَّحَ بِالثَّانِي فِي قَوْلِهِ

(وَلَوْ نَذَرَ الذَّبْحَ فِي الْحَرَمِ انْعَقَدَ) نَذْرُهُ فَيَلْزَمُهُ الذَّبْحُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الذَّبْحِ فِي النَّذْرِ مُضَافًا إلَى الْحَرَمِ يُشْعِرُ بِالْقُرْبَةِ؛ وَلِأَنَّ الذَّبْحَ فِيهِ عِبَادَةٌ مَعْهُودَةٌ (وَلَزِمَهُ التَّفْرِقَةُ فِيهِ) حَمْلًا عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ.

(وَلَوْ نَذَرَ هَدْيَ بَدَنَةٍ) مَثَلًا (إلَى الْحَرَمِ) بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ بَدَنَةً إلَى الْحَرَمِ أَوْ أَنْ أَتَقَرَّبَ بِسَوْقِهَا إلَيْهِ (لَزِمَهُ الذَّبْحُ وَالتَّفْرِقَةُ فِيهِ) لِذَلِكَ وَتَعْبِيرُهُ بِالْحَرَمِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِمَكَّةَ (فَإِنْ نَذَرَ الذَّبْحَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ أَوْ بِسِكِّينٍ، وَلَوْ مَغْصُوبًا وَ) نَذَرَ (التَّفْرِقَةَ) فِيهِمَا (فِي الْحَرَمِ تَعَيَّنَ مَكَانُ التَّفْرِقَةِ) لِلَّحْمِ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ الذَّبْحِ، وَلَوْ بِالسِّكِّينِ الْمُعَيَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فِيهِ خَارِجَ الْحَرَمِ، وَلَا فِي الذَّبْحِ بِسِكِّينٍ مُعَيَّنٍ، وَلَوْ فِي الْحَرَمِ فَيَذْبَحُ حَيْثُ شَاءَ وَبِأَيِّ سِكِّينٍ شَاءَ، وَيُفَرِّقُ فِي الْحَرَمِ وَقَوْلُهُ أَوْ بِسِكِّينٍ، وَلَوْ مَغْصُوبًا مِنْ زِيَادَتِهِ (أَوْ)

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ خِلَافَهُ) أَشَارَ شَيْخُنَا إلَى تَضْعِيفِهِ (قَوْلُهُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْحَجَّ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا فَكَأَنَّهُ نَوَاهُ، ثُمَّ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْهُ، وَهُوَ غَيْرُ مُمَكَّنٍ

(قَوْلُهُ، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتَ) شَمِلَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ أَوْ أَنْ يَأْتِيَ بَيْتَ اللَّهِ) أَوْ مَرَّ الظَّهْرَانِ أَوْ بُقْعَةً أُخْرَى قَرِيبَةً مِنْ الْحَرَمِ (قَوْلُهُ فَإِنْ نَوَى الْحَجَّ فِي الْأُولَى) كَأَنْ نَوَى إتْيَانَهَا مُحْرِمًا وَخَرَّجَ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ مَا لَوْ نَذَرَ إتْيَانَ الْجُحْفَةَ أَوْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَرَادَ الْتِزَامَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوْ إتْيَانَهُ مُحْرِمًا انْعَقَدَ نَذْرُهُ قَالَ وَقِيَاسُهُ إذَا قَالَ الْمَكِّيُّ: لِلَّهِ عَلَيَّ الْخُرُوجُ إلَى التَّنْعِيمِ أَوْ نَحْوِهِ، وَنَوَى الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَزِمَهُ

(قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ لَهَا مَسْجِدًا غَيْرَ الثَّلَاثَةِ جَازَ أَدَاؤُهَا إلَخْ) وَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ إذَا انْتَقَلَ إلَى مَسْجِدٍ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ فِيهِ أَعْظَمَ وَأَكْثَرَ جَازَ، وَإِلَّا، فَلَا كَذَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ فِي الْإِبَانَةِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَوْجَهُ جَوَازُهُ أَيْضًا إنْ اسْتَوَتْ جَمَاعَتَاهُمَا

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ زِيَارَةَ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْقُرَبِ الْمَطْلُوبَةِ) أَلْحَقَ بِهِ سَائِرَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَكَذَا الْأَوْلِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ (قَوْلُهُ أَوْجَهُهُمَا اللُّزُومُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

[فَرْعٌ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ أَوْ نَوَى حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ]

(قَوْلُهُ بِأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ بَدَنَةً إلَى الْحَرَمِ) أَوْ إلَى أَفْضَلِ بَلَدٍ أَوْ إلَى أَشْرَفِ بَلَدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>