مَا اسْتَدَارَ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد، وَغَيْرِهِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي الْحِجْرِ» قَالُوا لِقَتَادَةَ مَا يُكْرَهُ مِنْهُ فِي الْجُحْرَةِ فَقَالَ كَانَ يُقَالُ أَنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ (وَ) لَا فِي (سَرَبٍ) بِفَتْحِ السِّينِ، وَالرَّاءِ مَا اسْتَطَالَ، وَيُقَالُ لَهُ الشَّقُّ إلْحَاقًا لَهُ بِالثَّقْبِ، وَالنَّهْيُ فِيهِمَا لِلْكَرَاهَةِ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ يَنْبَغِي تَحْرِيمُ ذَلِكَ لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ إلَّا أَنْ يُعَدَّ لِذَلِكَ فَلَا تَحْرِيمَ، وَلَا كَرَاهَةَ، وَالتَّصْرِيحُ بِالسَّرَبِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ (وَ) لَا فِي (مَهَبِّ رِيحٍ) لِمَا مَرَّ فِي الْبَوْلِ بِمَكَانٍ صَلْبٍ، وَمِنْهُ الْمَرَاحِيضُ الْمُشْتَرَكَةُ.
(وَلَا) يَبُولُ (قَائِمًا) لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ، وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ «مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ مَا كَانَ يَبُولُ إلَّا قَاعِدًا» (إلَّا لِعُذْرٍ) فَلَهُ أَنْ يَبُولَ قَائِمًا بِلَا كَرَاهَةٍ بَلْ، وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا» ، وَسَبَبُ بَوْلِهِ قَائِمًا مَا قِيلَ إنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَسْتَشْفِي بِهِ لِوَجَعِ الصُّلْبِ فَلَعَلَّهُ كَانَ بِهِ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا يَصْلُحُ لِلْقُعُودِ أَوْ أَنَّهُ لِعِلَّةٍ بِمَأْبِضَيْهِ أَيْ بَاطِنَيْ رُكْبَتَيْهِ قَالَ النَّوَوِيُّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْغَائِطَ كَالْبَوْلِ فِيمَا ذُكِرَ إلَّا فِي الْمَكَانِ الصَّلْبِ، وَمَهَبِّ الرِّيحِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمَائِعِ، وَالْجَامِدِ.
(وَيَسْتَبْرِئُ) نَدْبًا (مِنْ الْبَوْلِ) عِنْدَ انْقِطَاعِهِ، وَقَبْلَ قِيَامِهِ إنْ كَانَ قَاعِدًا لِئَلَّا يَقْطُرَ عَلَيْهِ، وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ السَّابِقِ، وَيَحْصُلُ (بِتَنَحْنُحٍ، وَنَتْرٍ) لِلذَّكَرِ ثَلَاثًا (وَمَشْيٍ) وَأَكْثَرُهُ فِيمَا قِيلَ سَبْعُونَ خُطْوَةً، وَذِكْرُ الْمَشْيِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ، وَكَيْفِيَّةُ النَّتْرِ أَنْ يَمْسَحَ بِيَسَارِهِ مِنْ دُبُرِهِ إلَى رَأْسِ ذَكَرِهِ، وَيَنْثُرُهُ بِلُطْفٍ لِيَخْرُجَ مَا بَقِيَ إنْ كَانَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالْإِبْهَامِ، وَالْمُسَبِّحَةِ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِهِمَا مِنْ الْإِحَاطَةِ بِالذَّكَرِ، وَتَضَعُ الْمَرْأَةُ أَطْرَافَ أَصَابِعِ يَدِهَا الْيُسْرَى عَلَى عَانَتِهَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَالْقَصْدُ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بِمَجْرَى الْبَوْلِ شَيْءٌ يَخَافُ خُرُوجَهُ فَمِنْهُمْ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ هَذَا بِأَدْنَى عَصْرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَكَرُّرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَنَحْنُحٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى مَشْيِ خُطُوَاتٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى صَبْرٍ لَحْظَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا، وَيَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ لَا يَنْتَهِيَ إلَى حَدِّ الْوَسْوَسَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الِاسْتِبْرَاءُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ انْقِطَاعِ الْبَوْلِ عَدَمُ عَوْدِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ بِوُجُوبِهِ بِهِ، وَجَرَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِصِحَّةِ التَّحْذِيرِ مِنْ عَدَمِ التَّنَزُّهِ مِنْ الْبَوْلِ
(وَكُرِهَ) بِغَيْرِ حَاجَةٍ (حَشْوُ إحْلِيلٍ) ، وَهُوَ مَخْرَجُ الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ بِقُطْنٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَلَا يَنْتَقِلُ مُسْتَنْجٍ بِحَجَرٍ) عَنْ مَحَلِّ قَضَاءِ حَاجَتِهِ لِئَلَّا تَنْتَشِرَ النَّجَاسَةُ، وَلَا مُسْتَنْجٍ بِمَاءٍ، وَهُوَ (آمِنٌ مِنْ رَشَاشٍ) يُنَجِّسُهُ كَأَنْ كَانَ فِي الْأَخْلِيَةِ الْمُتَّخَذَةِ لِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَأْمَنْ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ، وَمِنْ الْآدَابِ مَا قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ تَفَقُّهًا أَنْ لَا يَأْكُلَ، وَلَا يَشْرَبَ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَسْتَاكَ لِأَنَّهُ يُورِثُ النِّسْيَانَ
(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ الِاسْتِنْجَاءِ (يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ) لَا عَلَى الْفَوْرِ بِالْمَاءِ عَلَى الْأَصْلِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَوْ بِالْحَجَرِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَّزَهُ بِهِ حَيْثُ فَعَلَهُ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَمَرَ بِفِعْلِهِ بِقَوْلِهِ فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُ «، وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» ، وَفِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ كَمَا مَرَّ «إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ» الْحَدِيثَ (مِنْ خَارِجٍ مِنْ) مَخْرَجٍ (مُعْتَادٍ) فَلَا يَجِبُ مِنْ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِهِ كَالْخَارِجِ بِالْفَصْدِ، وَالْحِجَامَةِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ إزَالَتُهُ بِالْمَاءِ (وَيُجْزِئُ الْحَجَرُ) فِي الْخَارِجِ مِنْ الْمُعْتَادِ لِمَا مَرَّ (لَا مِنْ مُنْفَتِحٍ) آخَرَ (وَلَوْ انْسَدَّ الْمُعْتَادُ) لِنُدْرَتِهِ بَلْ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَاءُ عَلَى الْأَصْلِ (وَإِنَّمَا) يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ إذَا كَانَ الْخَارِجُ (مُلَوَّثًا، وَلَوْ نَادِرًا كَدَمٍ، وَمَذْيٍ) ، وَوَدْيٍ (لَا) نَحْوِ (دُودٍ، وَبَعْرٍ جَافَّيْنِ) فَلَا يَجِبُ بِهِمَا الِاسْتِنْجَاءُ لِفَوَاتِ مَقْصُودِهِ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَوْ تَخْفِيفِهَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ ذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ (وَيُجْزِئُ الْحَجَرُ) فِيمَا ذُكِرَ (لَا فِي بَوْلِ خُنْثَى) مُشْكِلٍ.
وَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ مِنْ أَحَدِ قُبُلَيْهِ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ آلَتَا الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى بَلْ آلَةٌ لَا تُشْبِهُ وَاحِدًا مِنْهُمَا يَخْرُجُ مِنْهَا الْبَوْلُ فَالظَّاهِرُ فِيهِ الْإِجْزَاءُ بِالْحَجَرِ (وَ) لَا فِي بَوْلِ (ثَيِّبٍ تَيَقَّنَتْهُ دَخَلَ مَدْخَلَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ كَأَنْ يُقَالَ أَنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ) وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ حَيَوَانٌ ضَعِيفٌ فَيَتَأَذَّى أَوْ قَوِيٌّ فَيُؤْذِيهِ أَوْ يُنَجِّسُهُ. (قَوْلُهُ وَلَا فِي مَهَبِّ رِيحٍ) أَيْ مَوْضِعِ هُبُوبِهَا فَشَمِلَ حَالَ سُكُونِهَا إذْ قَدْ تَهُبُّ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْبَوْلِ فَتَرُدُّ الرَّشَّاشَ عَلَيْهِ فس
(قَوْلُهُ وَلَا يَبُولُ قَائِمًا) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ التَّحْرِيمُ إذَا عَلِمَ التَّلْوِيثَ وَلَا مَاءَ أَوْ وَجَدَهُ وَلَكِنْ ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ أَوْ لَمْ يَضِقْ وَقُلْنَا يَحْرُمُ التَّضَمُّخُ بِالنَّجَاسَةِ عَبَثًا وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ إلَّا لِعُذْرٍ) كَعِلَّةٍ أَوْ ضِيقِ مَكَان. (قَوْلُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ) قَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَقَدْ بَيَّنَّا الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ مِنْ عَشْرَةِ أَوْجُهٍ فِي شَرْحِ أَبِي دَاوُد (قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمَائِعِ وَالْجَامِدِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَنَتْرٌ لِلذَّكَرِ) بِالْمُثَنَّاةِ. (قَوْلُهُ لِصِحَّةِ التَّحْذِيرِ مِنْ عَدَمِ التَّنَزُّهِ مِنْ الْبَوْلِ) لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَبْرِئْ لَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ لِئَلَّا يَخْرُجَ فِي حَالِ غَفْلَتِهِ عَنْهُ فَيَتَنَجَّسُ وَيُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْبَزْرِيِّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ وَقَوْلُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ غ
(قَوْلُهُ عَنْ مَحَلِّ قَضَاءِ حَاجَتِهِ إلَخْ) بَلْ يُسْتَحَبُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ فِي مَجْلِسِهِ وَقَدْ يَجِبُ حَيْثُ لَا مَاءَ وَلَوْ انْتَقَلَ لَتَضَمَّخَ بِالنَّجَاسَةِ وَهُوَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ أَوْ بِالْوُضُوءِ وَالْمَاءُ لَا يَكْفِي لَهُمَا (قَوْلُهُ كَأَنْ كَانَ فِي الْأَخْلِيَةِ الْمُتَّخَذَةِ لِذَلِكَ) وَلَيْسَ فِيهَا هَوَاءٌ مَعْكُوسٌ فَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الِاسْتِنْجَاءِ]
(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ الِاسْتِنْجَاءِ (قَوْلُهُ لَا عَلَى الْفَوْرِ) لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ الْوُضُوءِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ وَيُجْزِئُ الْحَجَرُ) شَمِلَ الْمَغْصُوبَ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ) وَلْيُنْظَرْ فِيمَنْ لَهُ ذَكَرَانِ هَلْ يَلْحَقُ بِهِ فَإِنَّ الْأَصْلِيَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَاحِدٌ وَالظَّاهِرُ الْإِلْحَاقُ غ. (قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ فِيهِ الْإِجْزَاءُ بِالْحَجَرِ) قَالَ شَيْخُنَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ لَا احْتِمَالَ هُنَا لِلزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ أَصْلِيٌّ بِلَا كَلَامٍ فَإِنَّهُ إمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى وَإِنْ قُلْنَا بِإِشْكَالِهِ فِي ذَاتِهِ