للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْدَائِهِمْ) أَيْ قَوْمِهِ (وَوَقَعَ) مَعَهَا (فِيهِمْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ وَتُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (لِلصَّدِيقِ وَالْأَخِ) وَسَائِرِ الْحَوَاشِي وَإِنْ كَانُوا يَصِلُونَهُ وَيَبَرُّونَهُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَلِأَنَّ الصَّدَاقَةَ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا بِخِلَافِ الْعَدَاوَةِ فَعُوقِبَ الْعَدُوُّ عَلَى عَدَاوَتِهِ

(فَرْعٌ تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ) كَمُنْكِرِي صِفَاتِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ أَفْعَالَ عِبَادِهِ وَجَوَازِ رُؤْيَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ مُصِيبُونَ فِي ذَلِكَ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ (إلَّا الْخَطَّابِيَّةِ) وَهُمْ أَصْحَابُ أَبِي الْخَطَّابِ الْأَسَدِيِّ الْكُوفِيِّ كَانَ يَقُولُ بِأُلُوهِيَّةِ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ ثُمَّ ادَّعَى الْأُلُوهِيَّة لِنَفْسِهِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِمِثْلِهِمْ وَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا (لِتَجْوِيزِهِمْ الشَّهَادَةَ لِمَنْ صَدَّقُوهُ) فِي دَعْوَاهُ أَيْ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ جَوَازَ شَهَادَةِ أَحَدِهِمْ لِصَاحِبِهِ إذَا سَمِعَهُ يَقُولُ لِي عَلَى فُلَانٍ كَذَا فَيُصَدِّقُهُ بِيَمِينٍ أَوْ غَيْرِهَا وَيَشْهَدُ لَهُ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ إذْ الْكَذِبُ عِنْدَهُمْ كُفْرٌ (وَ) إلَّا (مُنْكِرِي الْعِلْمِ) لِلَّهِ تَعَالَى (بِالْمَعْدُومِ وَالْجُزْئِيَّاتِ) وَمُنْكَرِي حُدُوثِ الْعَالَمِ وَالْبَعْثِ وَالْحَشْرِ لِلْأَجْسَامِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ (لِلْكُفْرِ) لِإِنْكَارِهِمْ مَا عُلِمَ مَجِيءُ الرَّسُولِ بِهِ ضَرُورَةً (لَا مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ أَوْ نَفْيِ الرُّؤْيَةِ) وَمَا وَرَدَ مِنْ كُفْرِهِمْ مُؤَوَّلٌ بِكُفْرَانِ النِّعْمَةِ لَا الْخُرُوجِ عَنْ الْمِلَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَمْ يُلْحِقُوهُمْ بِالْكُفَّارِ فِي الْإِرْثِ وَالْأَنْكِحَةِ وَوُجُوبِ قَتْلِهِمْ وَقِتَالِهِمْ وَغَيْرِهَا (فَلَوْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ) فِي شَهَادَتِهِ (رَأَيْت أَوْ سَمِعْت قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُ لِتَصْرِيحِهِ بِالْمُعَايَنَةِ النَّافِيَةِ لِاحْتِمَالِ اعْتِمَادِهِ عَلَى إخْبَارِ الْمَشْهُودِ لَهُ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَسُبُّ الصَّحَابَةَ) وَالسَّلَفَ (لِأَنَّهُ يَقُولُهُ اعْتِقَادًا لَا عَدَاوَةً) وَعِنَادًا (فَلَا نُكَفِّرُ مُتَأَوِّلًا) بِمَالِهِ وَجْهٌ مُحْتَمَلٌ (نَعَمْ قَاذِفُ) عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - (كَافِرٌ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ (لِأَنَّهُ كَذَّبَ اللَّهَ) تَعَالَى فِي أَنَّهَا مُحْصَنَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النور: ٢٣] الْآيَةَ وَقَذْفُ سَائِرِ الْمُحْصَنَاتِ يُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ فَقَذْفُهَا أَوْلَى

(فَصْلٌ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُغَفَّلِ الَّذِي لَا يَضْبِطُ) أَصْلًا أَوْ غَالِبًا إذْ لَا يَوْثُقُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ فَسَّرَ) شَهَادَتَهُ (وَبَيَّنَ وَقْتَ التَّحَمُّلِ وَمَكَانَهُ قُبِلَتْ) لِزَوَالِ التُّهْمَةِ (وَكَثِيرُ الْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ) لِلتُّهْمَةِ وَلَا يَضُرُّ قَلِيلُ الْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ إذْ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ

(فَصْلٌ وَإِنْ شَهِدَ فَاسِقٌ) وَلَوْ مُعْلِنًا بِفِسْقِهِ (أَوْ عَدُوٌّ فَرُدَّتْ) شَهَادَتُهُ (ثُمَّ حَسُنَتْ تَوْبَتُهُ وَأَعَادَهَا لَمْ تُقْبَلْ لِلتُّهْمَةِ) بِدَفْعِ عَارِ رَدِّ شَهَادَتِهِ الْأُولَى عَنْهُ نَعَمْ إنْ لَمْ يُصْغِ الْقَاضِي إلَى شَهَادَةِ الْمُعْلِنِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ الْمُعَادَةُ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَأَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُصْغِي إلَيْهَا كَمَا لَا يُصْغِي إلَى شَهَادَةِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

(قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ لِلصَّدِيقِ وَالْأَخِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحِلُّهُ مَا لَمْ يَشْهَدْ لَهُ بِالنَّسَبِ عَلَى الْمُنْكِرِ مِنْ الْوَرَثَةِ فَإِنْ شَهِدَ بِذَلِكَ فَالْأَرْجَحُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ فِيهَا الشَّهَادَةَ لِنَفْسِهِ بِنَسَبِ الْمَشْهُودِ لَهُ قَالَ وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَفِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي آخِرِ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْأَخَوَيْنِ عَلَى الْمُنْكِرِ بِإِخْوَةِ رَابِعٍ لِأَنَّ فِيهَا ضَرَرًا عَلَيْهِمَا فَشَهَادَتُهُمَا أَوْلَى مِنْ شَهَادَةِ الْأَجْنَبِيِّينَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ الْوَرَثَةِ بِزَوْجِيَّةِ أُمِّهَا وَبَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ مُنْكِرُونَ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِأُمِّهِمَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا ضَرَرٌ عَلَيْهِمَا كَذَلِكَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِنَفْسِهِمَا بِالْإِخْوَةِ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَيْهِمَا. انْتَهَى وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ وَفِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

[فَرْعٌ شَهَادَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ]

(قَوْلُهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ) أَيْ الَّذِينَ لَا نُكَفِّرُهُمْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ خَارِجِينَ مِنْ الْمِلَّةِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْكُلَّ مِنْ أُمَّتِهِ وَأَنَّ الْمُتَأَوِّلَ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْمِلَّةِ وَإِنْ أَخْطَأَ فِي تَأْوِيلِهِ فَإِذَا لَمْ نُكَفِّرْهُ وَانْضَمَّ إلَيْهِ التَّقْوَى الْمَانِعَةُ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى مَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ فَالْمُوجِبُ لِلْقَبُولِ مَوْجُودٌ وَلَا خِلَافَ أَنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ إذَا لَمْ نُكَفِّرْهُمْ هُمْ فُسَّاقٌ وَشَمَلَ كَلَامُهُمْ الدَّاعِيَةَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قِيلَ بِرَدِّ رِوَايَتِهِ

[فَصْلٌ شَهَادَةُ الْمُغَفَّلِ الَّذِي لَا يَضْبِطُ]

(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُغَفَّلِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ التَّعْبِيرُ بِهِ لِأَنَّ مَعْنَى غَفَلَهُ غَيْرُهُ وَمَا كَانَ تَعَدِّيهِ بِالتَّضْعِيفِ لَا يَكُونُ التَّضْعِيفُ فِيهِ دَالًّا عَلَى كَثْرَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ هَذَا الْفِعْلُ فَلَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ قَالَ وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ عَطِيَّةَ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْبِنَاءَ الْمَذْكُورَ يَقْتَضِي الْمُبَالَغَةَ فَقَالَ فِي قَوْلِهِ فِي الْبَقَرَةِ مُسَلَّمَةً أَنَّهُ بِنَاءُ مُبَالَغَةٍ مِنْ السَّلَامَةِ قَالَ شَيْخُنَا أَبُو حَيَّانَ وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ عَطِيَّةَ وَلَيْسَ كَمَا ذُكِرَ لِأَنَّ التَّضْعِيفَ الَّذِي فِي مُسَلَّمَةٍ لَيْسَ لِأَجْلِ الْمُبَالَغَةِ بَلْ هُوَ تَضْعِيفُ النَّقْلِ وَالتَّعَدِّيَةِ فَلَيْسَ إذًا بِنَاءَ مُبَالَغَةٍ بَلْ هُوَ مُرَادِفٌ لِلْبِنَاءِ الْمُتَعَدِّي بِالْهَمْزَةِ وَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا هُوَ الصَّوَابُ وَاَلَّذِي اعْتَبَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ كَثْرَةُ الْغَفْلَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ فَسَّرَ وَبَيَّنَ وَقْتَ التَّحَمُّلِ وَمَكَانَهُ قُبِلَتْ) قَالَ فِي الْخَادِمِ إنَّ هَذَا أَخَذَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ الْبَغَوِيّ وَهُوَ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِيمَنْ يَكْثُرُ غَلَطُهُ وَنِسْيَانُهُ وَالشَّيْخَانِ أَطْلَقَا مَنْعَهُ

[فَصْلٌ شَهِدَ فَاسِقٌ وَلَوْ مُعْلِنًا بِفِسْقِهِ أَوْ عَدُوٌّ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ]

(قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ فَاسِقٌ إلَخْ) أَلْحَقَ الْبُلْقِينِيُّ بِمَنْ لَمْ يُصْغِ الْقَاضِي إلَى شَهَادَتِهِ مَا لَوْ كَانَ فِسْقُهُ مُخْتَلَفًا فِيهِ أَوْ كَانَ مَعَ فِسْقِهِ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ عِنْدَ قَوْمٍ مَحْكِيٍّ عَنْهُمْ قَبُولُ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ الَّذِي لَا يَكْذِبُ وَشَهِدَ عِنْدَ مَنْ يَرَى فِسْقَهُ أَوْ يَرَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَكْذِبُ وَلَمْ يَحْكُمْ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ لِيَسْتَبْرِئَ ثُمَّ تَابَ وَأَعَادَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ عَارَ الْكَذِبِ وَلَا عَارَ الرَّدِّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ رَدٌّ. اهـ. وَذَكَرَ التَّنْبِيهُ مَعَ الْفَاسِقِ مَنْ لَا مُرُوءَةَ لَهُ ثُمَّ حَسُنَتْ حَالُهُ وَيَنْدَرِجُ فِيهِ أَصْحَابُ الْمَكَاسِبِ الدَّنِيئَةِ إذَا رَدَدْنَا شَهَادَتِهِمْ وَلَوْ شَهِدَ الْخُنْثَى فِيمَا لَا تُقْبَلُ فِيهِ النِّسَاءُ فَرُدَّ فَعَادَ وَقَالَ أَنَا رَجُلٌ فَيُحْكَمُ بِذُكُورَتِهِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ الْمَرْدُودَةُ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي الْإِقْرَارِ إلَّا أَنْ يَزُولَ إشْكَالُهُ بِعَلَامَةٍ قَطْعِيَّةٍ أَوْ ظَنِّيَّةٍ (قَوْلُهُ لِلتُّهْمَةِ) وَلِأَنَّ رَدَّ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ ثَبَتَ بِالِاجْتِهَادِ مَعَ جَوَازِ صِدْقِهِ فَرَدُّهُ تَعَلَّقَ بِاجْتِهَادِ الْقَاضِي فَلَوْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ الْمُعَادَةُ لِأَجْلِ عَدَالَتِهِ وَهِيَ أَيْضًا مُدْرَكَةٌ بِالِاجْتِهَادِ نُقِضَ الِاجْتِهَادُ بِالِاجْتِهَادِ

<<  <  ج: ص:  >  >>