للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَرْحَى.

(فَرْعٌ يَحْرُمُ السَّفَرُ عَلَى مَدْيُونٍ مُوسِرٍ بِغَيْرِ إذْنِ غَرِيمِهِ) أَيْ الدَّائِنِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا وَكَالْمَدْيُونِ وَلِيُّهُ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ الْمُطَالَبُ (وَلِلْغَرِيمِ مَنْعُهُ) مِنْ السَّفَرِ لِتَوَجُّهِ مُطَالَبَتِهِ وَحَبْسِهِ إنْ امْتَنَعَ بِخِلَافِ الْمُعْسِرِ (وَلَا يَمْنَعُهُ) مِنْ السَّفَرِ (قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ وَلَوْ) كَانَ سَفَرُهُ (فِي خَطَرٍ كَالْجِهَادِ وَرُكُوبِ الْبَحْرِ) إذْ لَا مُطَالَبَةَ فِي الْحَالِ (فَإِنْ وَكَّلَ) الْمُوسِرُ (مَنْ يَقْضِيه) أَيْ الدَّيْنَ (مِنْ مَالٍ) لَهُ (حَاضِرٌ لَا غَائِبٌ جَازَ الْخُرُوجُ) لِلسَّفَرِ لِأَنَّ الدَّائِنَ يَصِلُ إلَى حَقِّهِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِهِ فِي الْغَائِبِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَصِلُ.

(فَرْعٌ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْخُرُوجِ لِلْجِهَادِ وَحَجِّ التَّطَوُّعِ لَا) حَجِّ (الْفَرْضِ إذْنُ سَائِرِ) أَيْ جَمِيعِ (أُصُولِهِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ وُجِدَ الْأَقْرَبُ) مِنْهُمْ وَأُذِنَ سَوَاءٌ كَانُوا أَحْرَارًا أَمْ أَرِقَّاءَ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا لِأَنَّ بِرَّهُمْ مُتَعَيِّنٌ عَلَيْهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمُسْتَأْذِنِهِ فِي الْجِهَادِ أَحَيٌّ وَالِدَاكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» بِخِلَافِ حَجِّ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ وَفِي تَأْخِيرِهِ خَطَرُ الْفَوَاتِ وَلَيْسَ الْخَوْفُ فِيهِ كَالْخَوْفِ فِي سَفَرِ الْجِهَادِ وَالْعُمْرَةُ فِي ذَلِكَ كَالْحَجِّ (لَا لِطَلَبِ الْعِلْمِ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْخُرُوجِ لَهُ مَعَ الْأَمْنِ إذْنُهُمْ (وَلَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ) طَلَبُ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَعَيَّنَ فَكَسَفَرِ الْحَجِّ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي أَوْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ فَلِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَحَبْسَهُ بَعِيدٌ وَلِأَنَّهُ بِالْخُرُوجِ يَدْفَعُ الْإِثْمَ عَنْ نَفْسِهِ كَالْفَرْضِ الْمُتَعَيِّنِ عَلَيْهِ وَفَارَقَ السَّفَرَ لِلْجِهَادِ بِعِظَمِ خَطَرِهِ (وَكَذَا) لَا يُشْتَرَطُ لَهُ ذَلِكَ (لَوْ وَجَدَهُ) أَيْ طَلَبَ الْعِلْمِ بِأَنْ وَجَدَ مِنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ (فِي الْبَلَدِ) الَّذِي هُوَ فِيهِ (لَكِنْ تَوَقَّعَ زِيَادَةَ فَرَاغٍ أَوْ إرْشَادٍ) مِنْ أُسْتَاذٍ أَوْ غَيْرِهِمَا كَمَا لَا يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْخُرُوجِ لِلتِّجَارَةِ أَنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهَا بِبَلَدِهِ بَلْ اكْتَفَى بِتَوَقُّعِ زِيَادَةِ رِبْحٍ أَوْ رَوَاجٍ وَقَيَّدَ الرَّافِعِيُّ الْخَارِجَ وَحْدَهُ بِالرَّشِيدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ أَمْرَدَ جَمِيلًا يُخْشَى عَلَيْهِ (وَلَا) يُشْتَرَطُ إذْنُهُمْ لِلْخُرُوجِ (لِسَفَرِ التِّجَارَةِ وَلَوْ بَعُدَ) كَيْ لَا يَنْقَطِعَ مَعَاشُهُ وَيَضْطَرِبَ أَمْرُهُ (إلَّا) لِلْخُرُوجِ (لِرُكُوبِ بَحْرٍ وَبَادِيَةٍ مُخَطَّرَةٍ) فَيُشْتَرَطُ ذَلِكَ لِشُمُولِ مَعْنَى الْبِرِّ وَالشَّفَقَةِ (وَالْوَالِدُ الْكَافِرُ) فِيمَا ذُكِرَ (كَالْمُسْلِمِ) لِذَلِكَ (إلَّا فِي الْجِهَادِ) لِتُهْمَةِ مَيْلِهِ لِأَهْلِ دِينِهِ (وَالرَّقِيقُ كَالْحُرِّ) لِشُمُولِ مَا ذُكِرَ وَهَذَا وَمَا قَبْلَهُ عِلْمًا مِمَّا مَرَّ مَعَ أَنَّ الْحُرَّ لَمْ يُصَرَّحْ بِهِ فِيمَا مَرَّ حَتَّى يُحِيلَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ السَّابِقُ شَامِلٌ لَهُمَا مَعًا.

(فَرْعٌ) لَوْ (رَجَعَ الْوَالِدُ أَوْ الْغَرِيمُ عَنْ الْإِذْنِ) لَهُ (أَوْ أَسْلَمَ أَصْلُهُ الْكَافِرُ) وَلَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَهُ وَعَلِمَ هُوَ بِالْحَالِ (فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ) عَنْ الْقِتَالِ إلْحَاقًا لِلدَّوَامِ بِالِابْتِدَاءِ لَكِنْ قَيَّدَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَخِيرَةِ بِأَنْ يَأْمُرَ الْأَصْلُ فَرْعَهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِالرُّجُوعِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ يَحْرُمُ السَّفَرُ عَلَى مَدْيُونٍ مُوسِرٍ بِغَيْرِ إذْنِ غَرِيمِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إلَّا الدَّيْنَ» وَلِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ عَلَيْهِ وَالْجِهَادُ عَلَى الْكِفَايَةِ وَفَرْضُ الْعَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ وَكَالْمَدْيُونِ وَلِيُّهُ فِيمَا يَظْهَرُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُعْسِرِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَوْ كَانَ مُوسِرًا بِمَتَاعٍ كَاسِدٍ لَا يَرْغَبُ فِيهِ حِينَئِذٍ أَوْ بِعَقَارٍ كَذَلِكَ هَلْ يُقَالُ: إنَّهُ كَالْمُعْسِرِ أَوْ يُقَالُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ جَزْمًا لِأَنَّهُ يُخْلِفُ وَفَاءً عِنْدَ تَيَسُّرِ الْبَيْعِ فِيهِ نَظَرٌ وَكَتَبَ أَيْضًا لِيُنْظَرْ فِيمَا لَوْ كَانَ مُوسِرًا بِبِضَاعَةٍ كَاسِدَةٍ لَا يَرْغَبُ فِيهَا مُشْتَرٍ أَوْ بِعَقَارٍ وَلَا يَجِدُ مَنْ يَشْتَرِيه هَلْ يُقَالُ: إنَّهُ كَالْمُعْسِرِ أَوْ يُقَالُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ جَزْمًا لِأَنَّهُ يُخْلِفُ وَفَاءً عِنْدَ إمْكَانِ الْبَيْعِ غ وَقَوْلُهُ أَوْ يُقَالُ لَيْسَ لَهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ وَكَّلَ مَنْ يَقْضِيه مِنْ مَالٍ حَاضِرٍ إلَخْ) أَلْحَقَ بِهِ بَعْضُهُمْ قِيَامَ كَفِيلٍ بِهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِهِ فِي الْغَائِبِ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَالُ الْغَائِبُ عَقَارًا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ التَّلَفُ أَنَّهُ يَكْتَفِي مِنْهُ بِالِاسْتِنَابَةِ فِي بَيْعِهِ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ كَالْمَالِ الْحَاضِرِ ع وَقَوْلُهُ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[فَرْعٌ شُرُوطُ جَوَازِ الْخُرُوجِ لِلْجِهَادِ وَحَجِّ التَّطَوُّعِ]

(قَوْلُهُ أُصُولِهِ الْمُسْلِمِينَ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ الَّذِي تُعَلَّقُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ لَكِنْ لَوْ عَلِمَ الْوَلَدُ نِفَاقَهُمَا جَازَ لَهُ سَفَرُ الْجِهَادِ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا وَلَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فِي الظَّاهِرِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَهُوَ الرَّاجِحُ (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مَمْلُوكًا وَالْأَبَوَانِ حُرَّيْنِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَالِاعْتِبَارُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَمَنْعِهِ دُونَهُمَا وَإِنْ كَانَ مُبَعَّضًا لَزِمَهُ اسْتِئْذَانُ السَّيِّدِ وَالْأَبَوَيْنِ فَإِنْ أَذِنُوا جَمِيعًا جَاهَدَ وَإِلَّا فَلَا وَقَوْلُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَالِاعْتِبَارُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ لَا لِطَلَبِ الْعِلْمِ وَلَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ) يُسْتَثْنَى مَا إذَا كَانَتْ نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَازِمَةً لَهُ فَيَجِبُ اسْتِئْذَانُهُمَا إلَّا أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا مِنْ مَالٍ حَاضِرٍ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْفَرْعُ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَصْلِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ إلَّا بِإِذْنِهِ إنْ كَانَ الْفَرْعُ أَهْلًا لِلْإِذْنِ أَوْ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ حَاضِرٍ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّهُ إذَا أَدَّاهُ نَفَقَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَسَافَرَ فِي بَقِيَّتِهِ كَانَ كَالْمَدْيُونِ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ اهـ وَقَوْلُهُ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْقِيَاسَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ الرَّافِعِيُّ الْخَارِجَ وَحْدَهُ بِالرُّشْدِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا وَجْهَ لِلْإِخْلَالِ بِهِ وَتَتَعَيَّنُ زِيَادَةُ أَنْ لَا يَكُونَ أَمْرَدَ إلَخْ (قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ أَمْرَدَ جَمِيلًا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ ثُمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى قَاضِي خان مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ لِلْأَبِ مَنْعَ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ الصُّورَةِ مِنْ الْخُرُوجِ لِطَلَبِ الْعِلْمِ دُونَ الْمُلْتَحِي وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ بَلْ مُتَعَيِّنٌ (قَوْلُهُ لِتُهْمَةِ مَيْلِهِ لِأَهْلِ دِينِهِ) فَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ وَلَا نَهْيُهُ (قَوْلُهُ وَالرَّقِيقُ كَالْحُرِّ) فَيُعْتَبَرُ فِي سَفَرِ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ إذْنُ سَيِّدِهِ لَا أَبَوَيْهِ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ قَالَ وَيَلْزَمُ الْمُبَعَّضَ اسْتِئْذَانُ الْأَبَوَيْنِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالسَّيِّدِ بِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ.

(قَوْلُهُ لَكِنْ قَيَّدَهُ الشَّافِعِيُّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَلَفْظُ الشَّامِلِ وَالذَّخَائِرِ أَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَأَسْلَمَا وَمَنَعَاهُ وَلَفْظُ الْمُعْتَمَدِ فَلَهُمَا مَنْعُهُ وَعِبَارَةُ عُمْدَةِ الْفُورَانِيِّ أَسْلَمَا وَأَمَرَاهُ بِالرُّجُوعِ، وَعِبَارَةُ الْبَسِيطِ أَوْ أَسْلَمَ أَبَوَاهُ وَتَجَدَّدَ مَنْعٌ وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ نَاصِبَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الرُّجُوعُ بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِمَا وَإِنَّمَا يَجِبُ بِمَنْعٍ مَحْدُودٍ لِإِخْفَاءِ أَنَّ مَنْعَ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ إسْلَامَهُ كَمَنْعِهِمَا أَوْ إسْلَامِهِمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>