للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَإِنْ أَخْرَجَ الْيَسَارَ، وَقَالَ ظَنَنْتهَا تُجْزِئُ) عَنْ الْيَمِينِ فَجَعَلْتهَا بَدَلًا عَنْهَا (فَلَا قِصَاصَ فِي الْيَسَارِ عَلَى الْقَاطِعِ) لَهَا (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهُ أَبَاحَهَا، أَوْ أَنَّهَا الْيَمِينُ، أَوْ عَلِمْت أَنَّهَا الْيَسَارُ، وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ أَمْ قَطَعْتهَا عَنْ الْيُمْنَى وَظَنَنْت أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهَا لِشُبْهَةِ بَذْلِهَا (فَإِنْ قَالَ قَطَعْتهَا عِوَضًا) عَنْ الْيَمِينِ (وَعَلِمْت) أَيْ، أَوْ عَلِمْت (أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ) عَنْهَا، أَوْ ظَنَنْته أَبَاحَهَا (وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي الْيَسَارِ) ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يَبْذُلْهَا مَجَّانًا، وَهَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ بَعْدُ: وَحَيْثُ سَقَطَ فِي الْيَسَارِ وَجَبَتْ دِيَتُهَا.

(فَإِنْ قَالَ الْمُخْرِجُ دَهَشْت) فَظَنَنْتهَا الْيَمِينَ (أَوْ ظَنَنْته قَالَ أَخْرِجْ يَسَارَك فَكَذَلِكَ) أَيْ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْيَسَارِ، وَهَذَا دَاخِلٌ فِيمَا ذُكِرَ أَيْضًا فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَلَا قِصَاصَ (إنْ قَالَ الْقَاطِعُ ظَنَنْتهَا تُجْزِئُ) عَنْهَا (أَوْ أَنَّهَا الْيَمِينُ) ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاشْتِبَاهَ قَرِيبٌ (فَإِنْ قَالَ ظَنَنْته أَبَاحَهَا، أَوْ دَهَشْت) أَيْضًا (أَوْ عَلِمْت أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ) عَنْهَا (لَزِمَهُ الْقِصَاصُ فِي الْيَسَارِ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَكَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا، وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهُ أَذِنَ فِي قَتْلِهِ وَيُفَارِقُ عَدَمَ لُزُومِهِ فِيمَا لَوْ ظَنَّ إبَاحَتَهَا مَعَ قَصْدِ الْمُخْرِجِ جَعْلَهَا عَنْ الْيَمِينِ بِأَنَّ جَعْلَهَا عَنْ الْيَمِينِ تَسْلِيطٌ بِخِلَافِ إخْرَاجِهَا دَهْشَةً، أَوْ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَخْرِجْ يَسَارَك، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الدَّهْشَةَ لَا تَلِيقُ بِحَالِ الْقَاطِعِ، وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُخْرِجِ تَسْلِيطٌ (ثُمَّ) فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ (لَا يَسْقُطُ قِصَاصُ الْيَمِينِ إلَّا إنْ قَالَ) الْقَاطِعُ (ظَنَنْتهَا تُجْزِئُ) عَنْ الْيَمِينِ، أَوْ جَعَلْتهَا عِوَضًا عَنْهَا كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى. (وَحَيْثُ سَقَطَ) الْقِصَاصُ (فِي الْيَسَارِ) بِغَيْرِ الْإِبَاحَةِ (وَجَبَتْ دِيَتُهَا، وَإِنْ قَالَ) لَهُ الْجَانِي (خُذْ الدِّيَةَ عِوَضًا عَنْ الْيَمِينِ فَأَخَذَهَا، وَلَوْ سَاكِنًا سَقَطَ الْقِصَاصُ) وَجُعِلَ الْأَخْذُ عَفْوًا (فَإِنْ كَانَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ مَجْنُونًا فَكَمَنْ قَالَ) بَعْدَ إخْرَاجِهِ الْيَسَارَ (دَهَشْت، أَوْ) كَانَ (الْمُسْتَحِقُّ) لِلْقِصَاصِ (مَجْنُونًا، وَقَالَ) لِلْجَانِي (أَخْرِجْ يَسَارَك، أَوْ يَمِينَك فَأَخْرَجَهَا) لَهُ، وَقَطَعَهَا (أُهْدِرَتْ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِتَسْلِيطِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِيفَاؤُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ (وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا لَهُ، وَقَطَعَ يَمِينَهُ لَمْ يَصِحَّ اسْتِيفَاؤُهُ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لَهُ.

(وَوَجَبَ لِكُلٍّ) مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ (دِيَةٌ وَتَقَاصَّا) وَفِيهِ مَا قَدَّمْته أَوَّلَ الْفَصْلِ (وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا قِصَاصَ الْيَمِينِ فَوَقْتُهُ بَعْدَ انْدِمَالِ الْيَسَارِ) لِمَا فِي تَوَالِي الْقَطْعَيْنِ مِنْ خَطَرِ الْهَلَاكِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ لَهُ التَّوَالِيَ فِيمَا إذَا كَانَ الْجَانِي مُسْتَحِقَّ الْقَتْلِ كَالْقَتْلِ فِي الْحِرَابَةِ (وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا دِيَةَ الْيَسَارِ فِي الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهِيَ فِي مَالِهِ) لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ مُتَعَمِّدًا (وَكَذَا مَنْ قَطَعَ أُنْمُلَتَيْنِ بِأُنْمُلَةٍ وَادَّعَى الْخَطَأَ) كَأَنْ قَالَ أَخْطَأْت وَتَوَهَّمْت أَنِّي أَقْطَعُ أُنْمُلَةً وَاحِدَةً تَجِبُ دِيَةٌ لِأُنْمُلَةِ الزَّائِدَةِ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَسْرِي عَلَيْهَا، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِتَعَمُّدِهِ قُطِعَتْ مِنْهُ الْأُنْمُلَةُ الزَّائِدَةُ (وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ) فِي أَنَّهُ أَخْطَأَ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِفِعْلِهِ (وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُخْرِجِ يَدَهُ فِيمَا نَوَى) فَلَوْ قَالَ قَصَدْت بِالْإِخْرَاجِ إيقَاعَهَا عَنْ الْيَمِينِ، وَقَالَ الْقَاطِعُ بَلْ قَصَدْت الْإِبَاحَةَ صُدِّقَ الْمُخْرِجُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ.

(بَابُ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ) (وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: ٤٠] وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رُفِعَ إلَيْهِ قِصَاصٌ قَطُّ إلَّا أَمَرَ فِيهِ بِالْعَفْوِ» (وَيَسْرِي) الْعَفْوُ (إنْ تَبَعَّضَ)

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: أَيْ سَوَاءٌ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهُ أَبَاحَهَا) بَقِيَ قِصَاصُهَا، وَلَا قِصَاصَ فِي الْيَسَارِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ (قَوْلُهُ: وَظَنَنْت أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهَا) أَوْ قَالَ لَهُ لَمْ تَظُنَّ إجْزَاءَهَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ الْمُخْرِجُ دَهَشْت أَوْ ظَنَنْته قَالَ أَخْرِجْ يَسَارَك فَكَذَلِكَ) قَالَ الشَّيْخَانِ لَكِنَّ مُقْتَضَى مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُطَابِقَ لِلسُّؤَالِ كَالْإِذْنِ لَفْظًا أَنْ يَلْحَقَ ذَلِكَ بِصُوَرِ الْإِبَاحَةِ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُخْرِجَ لَمْ يَقْصِدْ الْإِبَاحَةَ هُنَا بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَالْفِعْلُ الْمُطَابِقُ، وَإِنْ اقْتَضَى الْإِذْنَ لَكِنْ لَا يَقْتَضِيهِ عَلَى جِهَةِ الْإِبَاحَةِ بِخُصُوصِهَا بَلْ الْقَرِينَةُ تَصْرِفُهُ إلَى جِهَةِ الْقِصَاصِ، وَإِنَّمَا صَرَفْنَاهُ إلَى الْإِبَاحَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِقَصْدِ الْمُخْرِجِ الْإِبَاحَةَ كَمَا سَبَقَ (قَوْلُهُ: إنْ قَالَ الْقَاطِعُ ظَنَنْتهَا تُجْزِئُ عَنْهَا) أَوْ أَخَذْتهَا عِوَضًا عَنْهَا، وَهُوَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَفِي جَمِيعِ الصُّوَرِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ ظَنَنْته أَبَاحَهَا قَالَا فَقِيَاسُ مَا مَرَّ انْتِفَاءُ قِصَاصِ الْيَسَارِ) ، وَقَالَ الْبَغَوِيّ: يَجِبُ كَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا، وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهُ أَذِنَ لِي، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِاحْتِمَالِ الْإِمَامِ، وَهُوَ الْمُتَّجَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. اهـ. قَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْكِنَانِيُّ كَيْفَ يُوَافِقُهُ، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا بَدَلٌ، وَلَا رَضِيَ بِقَطْعِ الْيَسَارِ وَثَمَّ بَدَلٌ، وَوَافَقَ الْبَدَلُ ظَنَّ الْإِبَاحَةِ فَالْمَعْنَى هُنَا مُفَارِقٌ غَيْرُ مُوَافِقٍ، وَهَذَا التَّوْجِيهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ غَيْرُ مُتَوَجِّهٍ بَلْ هُوَ مُتَوَجِّهٌ هُنَا وَغَيْرُ مُتَوَجِّهٍ ثَمَّ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: وَجَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ دِيَةٌ) قَالَ فِي الْأَصْلِ فَدِيَةُ الْيَسَارِ عَلَى عَاقِلَتِهِ قَالَ جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ وَهْمٌ سَبَقَ إلَيْهِ الْقَلَمُ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ فِدْيَةُ الْيَمِينِ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُقْتَصَّ الْمَجْنُونَ قُطِعَ بِيَمِينِ الْعَاقِلِ مُكْرَهًا (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ لَهُ التَّوَالِيَ إلَخْ) ، وَهُوَ وَاضِحٌ أَيْ إنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ لِلَقْطِهِ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلنَّفْسِ أَوْ غَيْرَهُ وَعَفَا عَنْ النَّفْسِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ التَّوَالِي لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ التَّشَفِّي عَلَى مُسْتَحِقِّ النَّفْسِ بِتَقْدِيرِ السِّرَايَةِ.

(قَوْلُهُ: وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا دِيَةَ الْيَسَارِ فِي الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهِيَ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ) وَعَنْ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَذَكَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ تَفْصِيلًا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هَلْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ أَوْ عَلَى الْعَاقِلَةِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي صُورَةِ الْجَهْلِ بِأَنَّهَا الْيَسَارُ فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ الْجَهْلِ بِأَنَّهَا تُجْزِئُ فَيُتَّجَهُ أَنْ يَتَخَرَّجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي قَتْلِهِ قَاتِلُ أَبِيهِ بَعْدَ عَفْوِ أَخِيهِ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ الْقَتْلِ.

[بَابُ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ]

(بَابُ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ) يُشْتَرَطُ فِي الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ مَعْرِفَةُ الْعَافِي عَيْنَ الْمَقْطُوعِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَقِلُّ، وَقَدْ تَكْثُرُ، وَقَدْ تَكُونُ عَلَى أَطْرَافٍ وَمَعَانٍ، وَفِيهَا مِثْلُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ فِيهِ الْغَرَرُ (قَوْلُهُ: وَيَسْرِي إنْ تَبَعَّضَ) كَقَوْلِهِ عَفَوْت عَنْ بَعْضِ دَمِك أَوْ رَأْسِك أَوْ يَدِك أَوْ عَفَوْت عَنْ نِصْفِ الْجِرَاحَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>