الْمُدَحْرِجِ) ؛ لِأَنَّ الْحَجَرَ إنَّمَا حَصَلَ هُنَاكَ بِفِعْلِهِ، وَقَوْلُهُ عُدْوَانًا مِنْ زِيَادَتِهِ، وَلَوْ تَرَكَهُ كَانَ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْوَاضِعِ بِلَا عُدْوَانٍ مَفْهُومًا بِالْأَوْلَى وَالتَّعْبِيرُ بِالِانْتِقَالِ مِنْ تَصَرُّفِهِ، وَهُوَ إنَّمَا يُنَاسِبُ زِيَادَتَهُ الْمَذْكُورَةَ.
(وَلَوْ وَضَعَ) إنْسَانٌ (حَجَرًا) فِي طَرِيقٍ عُدْوَانًا (وَآخَرَانِ حَجَرًا) بِجُبِّهِ كَذَلِكَ (فَعَثَرَ بِهِمَا) إنْسَانٌ، وَهَلَكَ (فَالضَّمَانُ أَثْلَاثٌ) ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ أَفْعَالُهُمْ كَالْجِرَاحَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ.
(وَإِنْ عَثَرَ الْمَاشِي بِوَاقِفٍ أَوْ قَاعِدٍ أَوْ نَائِمٍ فِي مِلْكِهِ) أَوْ نَحْوِهِ فَهَلَكَا أَوْ أَحَدُهُمَا (فَالْمَاشِي ضَامِنٌ، وَمُهْدَرٌ) ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ (دُونَهُمْ) فَلَيْسُوا بِضَامِنِينَ، وَلَا مُهْدِرِينَ، وَإِنَّمَا يُهْدَرُ الْمَاشِي (إنْ دَخَلَ بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمَالِكِ فَإِنْ دَخَلَ بِإِذْنِهِ لَمْ يُهْدَرْ وَذِكْرُ النَّائِمِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَيُهْدَرُ الْعَاثِرُ فَقَطْ بِقَاعِدٍ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ) أَوْ نَحْوِهِ بِحَيْثُ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَارَّةُ لِمَا مَرَّ، وَكَالْقَاعِدِ الْوَاقِفُ وَالنَّائِمُ كَمَا صَرَّحَ بِالْأَوَّلِ الْأَصْلُ، وَبِالثَّانِي الْمِنْهَاجُ، وَأَصْلُهُ. (وَمَتَى ضَاقَ الطَّرِيقُ أُهْدِرَ النَّائِمُ وَالْقَاعِدُ لَا الْعَاثِرُ بِهِمَا، وَالْقَائِمُ فِيهِ مَضْمُونٌ) عَلَى الْعَاثِرِ (وَالْعَاثِرُ بِهِ) أَيْ بِالْقَائِمِ (مُهْدَرٌ) ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ مِنْ مَرَافِقِ الشَّارِعِ كَالْمَشْيِ لَكِنَّ الْهَلَاكَ حَصَلَ بِحَرَكَةِ الْمَاشِي فَخُصَّ بِالضَّمَانِ، وَالْقُعُودُ وَالنَّوْمُ لَيْسَا مِنْ مَرَافِقِ الطَّرِيقِ فَمَنْ فَعَلَهُمَا فَقَدْ تَعَدَّى، وَعَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْهَلَاكِ (فَإِنْ تَنَحَّى) الْقَائِمُ أَيْ انْحَرَفَ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمَاشِي لَمَّا قَرُبَ مِنْهُ (لَا عَنْهُ) فَأَصَابَهُ فِي انْحِرَافِهِ (فَكَمَا شَيْئَيْنِ اصْطَدَمَا) وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا انْحَرَفَ عَنْهُ فَأَصَابَهُ فِي انْحِرَافِهِ أَوْ انْحَرَفَ إلَيْهِ فَأَصَابَهُ بَعْدَ تَمَامِ انْحِرَافِهِ فَحُكْمُهُ كَمَا لَوْ كَانَ وَاقِفًا لَا يَتَحَرَّكُ وَالْقَائِمُ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ أَوْ ضَيِّقٍ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ كَسَرِقَةٍ أَوْ أَذًى كَالْقَاعِدِ فِي ضَيِّقٍ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ (وَالْمَسْجِدُ) بِالنِّسْبَةِ (لِقَاعِدٍ) أَوْ قَائِمٍ فِيهِ (وَكَذَا نَائِمٌ مُعْتَكِفٌ فِيهِ كَالْمِلْكِ) لَهُمْ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْعَاثِرِ دِيَتُهُمْ، وَهُوَ مُهْدَرٌ، وَفِي تَشْبِيهِ ذَلِكَ بِالْمِلْكِ رَمْزٌ إلَى أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَنْ لَهُ الْمُكْثُ بِالْمَسْجِدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ كَجُنُبٍ، وَحَائِضٍ، وَكَافِرٍ دَخَلَ بِلَا إذْنٍ (وَ) الْمَسْجِدُ (لِنَائِمٍ) فِيهِ (غَيْرِ مُعْتَكِفٍ، وَقَاعِدٍ) أَوْ قَائِمٍ فِيهِ (لِمَا يُنَزَّهُ عَنْهُ الْمَسْجِدُ كَالطَّرِيقِ) فَيُفَصَّلُ فِيهِ بَيْنَ الْوَاسِعِ وَالضَّيِّقِ كَمَا مَرَّ، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ الْقَائِمُ فِيهِ لِذَلِكَ فَكَالْقَاعِدِ فِي ضَيِّقٍ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَضْمِينِ وَاضِعِ الْقُمَامَةِ وَالْحَجَرِ وَالْحَافِزِ وَالْمُدَحْرِجِ وَالْعَاثِرِ وَغَيْرِهِمْ الْمُرَادُ بِهِ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ بِالدِّيَةِ أَوْ بَعْضِهَا.
(فَصْلٌ) لَوْ (وَقَعَ) إنْسَانٌ (فِي بِئْرٍ فَوَقَعَ عَلَيْهِ آخَرُ عَمْدًا بِغَيْرِ جَذْبٍ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ (فَقَتَلَهُ فَالْقِصَاصُ) عَلَيْهِ (إنْ قَتَلَ) مِثْلُهُ (مِثْلَهُ غَالِبًا) لِضَخَامَتِهِ، وَعُمْقِ الْبِئْرِ وَضِيقِهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ فَقَتَلَهُ فَإِنْ مَاتَ الْآخَرُ فَالضَّمَانُ فِي مَالِهِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُقْتَلْ مِثْلُهُ غَالِبًا (فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَإِنْ سَقَطَ) عَلَيْهِ (خَطَأً) بِأَنْ لَمْ يَخْتَرْ الْوُقُوعَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وُقُوعَ الْأَوَّلِ، وَمَاتَ بِثِقَلِهِ عَلَيْهِ، وَبِانْصِدَامِهِ بِالْبِئْرِ (فَنِصْفُ الدِّيَةِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ (وَنِصْفٌ) أَيْ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ (عَلَى) عَاقِلَةِ (الْحَافِرِ) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِهِ فِي الْبِئْرِ، وَبِوُقُوعِ الثَّانِي عَلَيْهِ هَذَا إنْ كَانَ الْحَفْرُ (عُدْوَانًا، وَإِلَّا فَهَدَرٌ) أَيْ النِّصْفُ الْآخَرُ، وَإِذَا غَرِمَ عَاقِلَةُ الثَّانِي فِي صُورَةِ الْحَفْرِ عُدْوَانًا رَجَعُوا بِمَا غَرِمُوهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ مُخْتَارٍ فِي وُقُوعِهِ عَلَيْهِ بَلْ أَلْجَأَهُ الْحَفْرُ إلَيْهِ فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ مَعَ الْمُكْرِهِ لَهُ عَلَى إتْلَافِ مَالٍ بَلْ أَوْلَى لِانْتِفَاءِ قَصْدِهِ هُنَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ لِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ مُطَالَبَةَ عَاقِلَةِ الْحَافِرِ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ، وَلَا رُجُوعَ لَهُمْ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْقَرَارَ عَلَيْهِمْ ذَكَرَ ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ.
(فَإِنْ نَزَلَ الْأَوَّلُ) فِي الْبِئْرِ (وَلَمْ يَنْصَدِمْ) فَوَقَعَ عَلَيْهِ آخَرُ فَقَتَلَهُ (فَالْكُلُّ) أَيْ كُلُّ دِيَةِ الْأَوَّلِ (عَلَى) عَاقِلَةِ (الثَّانِي) ؛ لِأَنَّهُ الْقَاتِلُ (فَإِنْ مَاتَ الثَّانِي فَضَمَانُهُ عَلَى) عَاقِلَةِ (الْحَافِرِ الْمُتَعَدِّي) بِحَفْرِهِ (لَا إنْ أَلْقَى نَفْسَهُ) فِي الْبِئْرِ (عَمْدًا) فَلَا ضَمَانَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ الْقَاتِلُ لِنَفْسِهِ (وَإِنْ مَاتَا مَعًا فَالْحُكْمُ) فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا (كَمَا سَبَقَ) فِيمَا إذَا مَاتَ وَحْدَهُ.
(وَلَوْ حُفِرَتْ) بِئْرٌ (عُدْوَانًا وَسَقَطَ فِيهَا ثَلَاثَةٌ وَتَرَتَّبُوا) فِي السُّقُوطِ، وَمَاتُوا (فَثُلُثَا دِيَةِ الْأَوَّلِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَخِيرَيْنِ وَثُلُثٌ) أَيْ وَالثُّلُثُ الْبَاقِي (عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ) ، وَقِيلَ يَجِبُ دِيَةُ الْأَوَّلِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَخِيرَيْنِ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَى عَاقِلَتَيْ الثَّالِثِ وَالْحَافِرِ نِصْفَيْنِ، وَدِيَةُ الثَّالِثِ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ (وَإِنْ جَذَبَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ) إلَى الْبِئْرِ فَوَقَعَ فَوْقَهُ، وَمَاتَا (ضَمِنَتْهُ عَاقِلَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِجَذْبِهِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ، وَأَلْقَاهُ فِي الْبِئْرِ إلَّا أَنَّهُ قَصَدَ الِاسْتِمْسَاكَ وَالتَّحَرُّزَ عَنْ الْوُقُوعِ فَكَانَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
[فَرْعٌ يَتَنَاصَفُ الضَّمَانَ حَافِرٌ وَمُعَمِّقٌ لِبِئْرٍ بِأَنْ حَفَرَهَا وَاحِدٌ ثُمَّ عَمَّقَهَا آخَرُ]
قَوْلُهُ: فَإِنْ دَخَلَ بِإِذْنِهِ لَمْ يُهْدَرْ) أَخَذَهُ الشَّارِحُ مِنْ مَفْهُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ، وَهُوَ تَمْثِيلٌ لَا تَقْيِيدٌ فَيُهْدَرُ الْمَاشِي، وَإِنْ دَخَلَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ كَمَا يُؤْخَذُ بِالْأَوْلَى مِنْ الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ أَوْ نَحْوِهِ (قَوْلُهُ: وَمَتَى ضَاقَ الطَّرِيقُ أُهْدِرَ النَّائِمُ وَالْقَاعِدُ) ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ إهْدَارِ الْقَاعِدِ وَالنَّائِمِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي مَتْنِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ أَمَّا لَوْ كَانَ بِمُنْعَطَفٍ وَنَحْوِهِ بِحَيْثُ لَا يُنْسَبُ إلَى تَعَدٍّ، وَلَا تَقْصِيرٍ فَلَا، وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَنْبَغِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: فَيُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ الْوَاسِعِ وَالضَّيِّقِ كَمَا مَرَّ) فَإِنْ كَانَ النَّائِمُ فِي الْمَسْجِدِ فِي رَحْبَتِهِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَقْطَارِهِ الْوَاسِعَةِ فَكَالْجَالِسِ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ، وَإِنْ نَامَ أَوْ جَلَسَ فِي مَمَرٍّ ضَيِّقٍ كَبَابِهِ وَدِهْلِيزِهِ فَكَالْجَالِسِ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute