للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَا يَجُوزُ دُخُولُ) يَعْنِي إدْخَالَ (الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ شَيْئًا بِخِلَافِ إدْخَالِهِ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ يَسْتَفِيدُ بِهِ الْوُقُوفَ وَالرَّمْيَ وَالْمَبِيتَ؛ وَلِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ إدْخَالُ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ كَفِرَاشِ النِّكَاحِ مَعَ فِرَاشِ الْمِلْكِ لِقُوَّتِهِ عَلَيْهِ جَازَ إدْخَالُهُ عَلَيْهِ دُونَ الْعَكْسِ حَتَّى لَوْ نَكَحَ أُخْتَ أَمَتِهِ جَازَ وَطْؤُهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ (وَلَوْ قَرَنَ بِمَكَّةَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ) تَغْلِيبًا لِلْحَجِّ لِانْدِرَاجِ الْعُمْرَةِ فِيهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِحْرَامِ بِهَا مِنْ الْحِلِّ مَعَ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ بِوُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ (وَعَلَى الْقَارِنِ) إذَا كَانَ مِنْ (غَيْرِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ دَمٌ كَالتَّمَتُّعِ) أَيْ كَالدَّمِ اللَّازِمِ فِي صِفَتِهِ وَبَدَلُهُ عَنْ الْعَجْزِ عَنْهُ لِتَرَفُّهِهِ بِتَرْكِ أَحَدِ الْعَمَلَيْنِ فَهُوَ أَشَدُّ تَرَفُّهًا مِنْ الْمُتَمَتِّعِ التَّارِكِ لِأَحَدِ الْمِيقَاتَيْنِ وَلِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ وَكُنَّ قَارِنَاتٍ» أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّ دَمَ الْقِرَانِ فَرْعُ دَمِ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَدَمُ التَّمَتُّعِ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَاضِرِ فَفَرْعُهُ أَوْلَى.

(فَرْعٌ) لَوْ أَحْرَمَ آفَاقِيٌّ بِالْعُمْرَةِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ وَأَتَمَّهَا، ثُمَّ قَرَنَ مِنْ عَامِهِ لَزِمَهُ دَمَانِ دَمٌ لِتَمَتُّعِهِ وَدَمٌ لِقِرَانِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ، وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ فَأَجَابَ بِأَنَّ الصَّوَابَ لُزُومُ دَمٍ وَاحِدٍ لِلتَّمَتُّعِ، وَلَا شَيْءَ لِلْقِرَانِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَلْحَقَ بِهِمْ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي ذَلِكَ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ، وَدَمُهُمَا مُتَجَانِسٌ فَيَتَدَاخَلَانِ وَمَا قَالَاهُ يُتَلَقَّى مَأْخَذُهُ، وَتَحْرِيرَهُ مِمَّا يَأْتِي فِيمَا لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ، ثُمَّ أَحْرَمَ.

[فَصْلٌ التَّمَتُّعُ الْمُطْلَقُ بِالْحَجِّ]

(فَصْلٌ وَالتَّمَتُّعُ) الْمُطْلَقُ (وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ) الشَّخْصُ (بِالْعُمْرَةِ) وَيُتِمَّهَا، ثُمَّ يَحُجَّ وَأَمَّا التَّمَتُّعُ الْمُوجِبُ لِلدَّمِ فَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِهَا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (مِنْ الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَفْرُغُ مِنْهَا، ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فِي عَامِهِ، وَلَوْ كَانَ أَجِيرًا فِيهِمَا لِشَخْصَيْنِ) لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَسُمِّيَ تَمَتَّعَا لِتَمَتُّعِ صَاحِبِهِ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَيْنَهُمَا أَوْ لِتَمَتُّعِهِ لِسُقُوطِ الْعَوْدِ إلَى الْمِيقَاتِ لِلْحَجِّ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] ، التَّقْدِيرُ تَمَتَّعَ بِالْإِحْلَالِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَالْمَعْنَى فِيهِ كَوْنُهُ رَبِحَ مِيقَاتًا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا مِنْ مِيقَاتِهِ لَاحْتَاجَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ إلَى أَنْ يَخْرُجَ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ فَيُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَإِذَا تَمَتَّعَ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَخَرَجَ بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ أَنْ يُسَمَّى تَمَتُّعًا مُوجِبًا لِلدَّمِ أَشْيَاءُ سَتَأْتِي فِي كَلَامِهِ.

(أَمَّا حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ مِنْ دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ الْحَرَمِ) وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٦] وَالْقَرِيبُ مِنْ الشَّيْءِ يُقَالُ: إنَّهُ حَاضِرُهُ قَالَ تَعَالَى {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف: ١٦٣] أَيْ قَرِيبَةً مِنْهُ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرْبَحُوا مِيقَاتًا أَيْ عَامًّا لِأَهْلِهِ، وَمَنْ مَرَّ بِهِ فَلَا يَشْكُلُ بِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ إذَا عَنَّ لَهُ النُّسُكُ، ثُمَّ فَاتَهُ، وَإِنْ رَبِحَ مِيقَاتًا بِتَمَتُّعِهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِيقَاتًا عَامًّا، وَلَا يَشْكُلُ أَيْضًا بِأَنَّهُمْ جَعَلُوا مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَالْمَوْضِعِ الْوَاحِدِ فِي هَذَا، وَلَمْ يَجْعَلُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِسَاءَةِ، وَهُوَ إذَا كَانَ مَسْكَنُهُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ الْحَرَمِ وَجَاوَزَهُ وَأَحْرَمَ كَالْمَوْضُوعِ الْوَاحِدِ حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ كَالْمَكِّيِّ إذَا أَحْرَمَ مِنْ سَائِرِ بِقَاعِ مَكَّةَ بَلْ أَلْزَمُوهُ الدَّمَ وَجَعَلُوهُ مُسِيئًا كَالْآفَاقِيِّ؛ لِأَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ مَكَّةَ مِمَّا ذُكِرَ تَابِعٌ لَهَا وَالتَّابِعُ لَا يُعْطَى حُكْمَ الْمَتْبُوعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِأَنَّهُمْ عَمِلُوا بِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَهُنَا لَا يَلْزَمُ دَمٌ لِعَدَمِ إسَاءَتِهِ بِعَدَمِ عَوْدِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَاضِرِينَ بِمُقْتَضَى الْآيَةِ.

وَهُنَاكَ يَلْزَمُهُ دَمُ لِإِسَاءَتِهِ بِمُجَاوَزَتِهِ مَا عُيِّنَ لَهُ بِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ «وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» وَعَلَى أَنَّ الْمَسْكَنَ الْمَذْكُورَةَ كَالْقَرْيَةِ بِمَنْزِلَةِ مَكَّةَ فِي جَوَازِ الْإِحْرَامِ مِنْ سَائِرِ بِقَاعِهِ وَعَدَمِ جَوَازِ مُجَاوَزَتِهِ بِلَا إحْرَامٍ لِمُرِيدِ النُّسُكِ وَاعْتَبَرُوا الْمَسَافَةَ مِنْ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ ذَكَرَ اللَّهُ فِيهِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَهُوَ الْحَرَمُ إلَّا قَوْلَهُ {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤] فَهُوَ نَفْسُ الْكَعْبَةِ وَاعْتَبَرَهَا فِي الْمُحَرَّرِ مِنْ مَكَّةَ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ فِيمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ فَصْلِ دَمِ التَّمَتُّعِ كَدَمِ الْأُضْحِيَّةِ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَبِهِ الْفَتْوَى فَقَدْ نَقَلَهُ فِي التَّقْرِيبِ عَنْ نَصِّ الْإِمْلَاءِ وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَيَّدَهُ بِأَنَّ اعْتِبَارَهَا مِنْ الْحَرَمِ يُؤَدِّي إلَى إدْخَالِ الْبَعِيدِ عَنْ مَكَّةَ وَإِخْرَاجِ الْقَرِيبِ لِاخْتِلَافِ الْمَوَاقِيتِ يَعْنِي حُدُودَ الْحَرَمِ قُلْت وَإِلَى أَنَّ مَنْ بِذَاتِ عِرْقٍ مِنْ الْحَاضِرِينَ؛ لِأَنَّهَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ الْحَرَمِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِهَا أَحَدٌ مِنْ حُكْمِ الْمَوَاقِيتِ (فَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[فَرْعٌ أَحْرَمَ آفَاقِيٌّ بِالْعُمْرَةِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ وَأَتَمَّهَا، ثُمَّ قَرَنَ مِنْ عَامِهِ]

قَوْلُهُ وَالتَّمَتُّعُ وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَيُتِمَّهَا ثُمَّ يَحُجَّ) شَمَلَ مَا إذَا اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ، وَقَدْ سَبَقَ عَنْ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ أَنَّهَا إفْرَادٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَسَنَذْكُرُ أَنَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَوْلَى (قَوْلُهُ ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فِي عَامِهِ) إذَا أَحْرَمَ الْآفَاقِيُّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ قَرَنَ مِنْ عَامِهِ هَلْ عَلَيْهِ دَمٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ أَمْ دَمَانِ كَمَا فِي تَجْرِيدِ الْمَحَامِلِيِّ عَنْ الْمُزَنِيّ فِي الْمَنْثُورِ د وَقَوْلُهُ أَمْ دَمَانِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>