الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَبَاحَهُ وَكَمَا لَوْ رَأَى مَاءً بِالطَّرِيقِ، وَعَلَيْهِ أَمَارَةُ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّ لَهُ شُرْبُهُ فَفَائِدَةُ اعْتِبَارِ الْإِبَاحَةِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِهَا دَفْعُ الضَّمَانِ.
(وَتَحْرُمُ الْمَنْذُورَةُ) أَيْ أَكْلُهَا (عَلَى أَغْنِيَاءِ الْقَافِلَةِ) وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ مُسْتَحَقٌّ لِلْفُقَرَاءِ، وَلَا حَقَّ لِلْأَغْنِيَاءِ فِيهِ (وَكَذَا فُقَرَاؤُهَا) أَيْ الْقَافِلَةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ هَذَا (إنْ رُجِيَ مَارَّةٌ) مِنْ فُقَرَاءِ غَيْرِ الْقَافِلَةِ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ أَكْلُ فُقَرَائِهَا مِنْهَا، وَهَذَا التَّقْيِيدُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَكَلَامُهُمْ يَأْبَاهُ وَقَدْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنْ قِيلَ إذَا لَمْ يَجُزْ لِأَهْلِ الْقَافِلَةِ أَكْلُهُ وَتُرِكَ بِالْبَرِّيَّةِ كَانَ طُعْمَةً لِلسِّبَاعِ، وَهُوَ إضَاعَةُ مَالٍ قُلْنَا: لَيْسَ فِيهِ إضَاعَةٌ بَلْ الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ أَنَّ سُكَّانَ الْبَوَادِي يَتَّبِعُونَ مَنَازِلَ الْحَجِيجِ لِالْتِقَاطِ سَاقِطَةٍ وَنَحْوِهَا وَقَدْ تَأْتِي قَافِلَةٌ إثْرَ قَافِلَةٍ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالْمَنْعُ مُخْتَصٌّ بِمَا الْكَلَامُ فِيهِ، وَهُوَ مَا عَطِبَ أَمَّا الْبَالِغُ مَحِلُّهُ فَفِي حِلِّ الْأَكْلِ مِنْهُ أَوْجُهٌ مَشْهُورَةٌ أَرْجَحُهَا حِلُّهُ فِي الْمُعَيَّنِ ابْتِدَاءً دُونَ الْمُعَيَّنِ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ عَلَى اضْطِرَابٍ يَأْتِي فِي الْأُضْحِيَّةِ، قَالَ: وَسَكَتَ يَعْنِي الرَّافِعِيَّ عَنْ الْغُرْمِ فِي الْأَكْلِ الْمُمْتَنِعِ مِمَّا عَطِبَ وَفِي التَّقْرِيبِ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ لَهُمْ أَصَالَةً، وَإِنَّمَا أَكَلَهُ فُقَرَاءُ الْمَوْضِعِ لِتَعَذُّرِ الْإِيصَالِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْقِيَاسُ أَنَّهُ يَغْرَمُهُ لِفُقَرَاءِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ،. اهـ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْصُوصُ كَمَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وَنَقَلَ الْقِيَاسَ الْمَذْكُورَ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إيصَالُ ثَمَنِهِ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ بِخِلَافِ الذَّبِيحَةِ، وَكَمَا يَجِبُ إيصَالُ الْوَلَدِ إلَيْهِمْ دُونَ اللَّبَنِ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَقَرَّهُ.
(وَوَقْتُهُ) أَيْ ذَبْحِ الْهَدْيِ (وَقْتُ) ذَبْحِ (الْأُضْحِيَّةِ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ فِي الْكِتَابِ الْآتِي قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي تَعَيُّنِ هَذَا الْوَقْتِ لِهَدْيِ الْمُعْتَمِرِ أَيْضًا، وَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ؛ لِأَنَّا لَا نَشُكُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَسَاقَ الْهَدْيَ» إنَّمَا قَصَدَ ذَبْحَهُ عَقِبَ تَحَلُّلِهِ وَأَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ بِمَكَّةَ حَيًّا وَيَرْجِعُ إلَى الْمَدِينَةِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَمَحَلُّ وُجُوبِ ذَبْحِهِ فِي وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ إذَا عَيَّنَهُ لَهُ أَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ عَيَّنَ لَهُ يَوْمًا آخَرَ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ وَقْتٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَعْيِينِ الْيَوْمِ قُرْبَةٌ نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ (فَإِنْ تَأَخَّرَ) ذَبْحُهُ عَنْ وَقْتِهَا (وَهُوَ وَاجِبٌ قَضَاهُ) وُجُوبًا لِإِخْرَاجِهِ لَهُ عَنْ وَقْتِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَقَدْ فَاتَ فَإِنْ ذَبَحَهُ (فَشَاةُ لَحْمٍ) كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ
(كِتَابُ الضَّحَايَا) جَمْعُ ضَحِيَّةٍ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا وَيُقَالُ أُضْحِيَّةٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا وَجَمْعُهَا أَضَاحِيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا، وَيُقَالُ أَضْحَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَجَمْعُهَا أَضْحَى كَأَرْطَاةٍ وَأَرْطَى وَبِهَا سُمِّيَ يَوْمُ الْأَضْحَى، وَهِيَ: مَا يُذْبَحُ مِنْ النَّعَمِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَمَا سَيَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: ٢] أَيْ صَلِّ صَلَاةَ الْعِيدِ وَانْحَرْ النُّسُكَ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «ضَحَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» وَالْأَمْلَحُ قِيلَ: الْأَبْيَضُ الْخَالِصُ وَقِيلَ: الَّذِي بَيَاضُهُ أَكْثَرُ مِنْ سَوَادِهِ وَقِيلَ: الَّذِي يَعْلُوهُ حُمْرَةٌ وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ (وَهِيَ) أَيْ التَّضْحِيَةُ (سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) عَلَى الْكِفَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (وَلَوْ بِمِنًى) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ضَحَّى فِي مِنًى عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَلَا تَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ مَخَافَةَ أَنْ يَرَى النَّاسُ ذَلِكَ وَاجِبًا؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا لِمَنْ تُسَنُّ لَهُ، وَإِنَّمَا تُسَنُّ لِمُسْلِمٍ قَادِرٍ حُرٍّ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَهِيَ مِنْهُ تَبَرُّعٌ فَيَجْرِي فِيهَا مَا يَجْرِي فِي سَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ (وَيُحَافَظُ عَلَيْهَا الْقَادِرُ) أَمَّا غَيْرُهُ فَلَا تُسَنُّ لَهُ كَمَا مَرَّ (وَتَجِبُ بِالنَّذْرِ) كَسَائِرِ الْقُرَبِ وَكَذَا بِقَوْلِهِ جُعِلَتْ هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ كَمَا سَيَأْتِي (فَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ إنْ اشْتَرَيْت شَاةً أَنْ أَجْعَلَهَا أُضْحِيَّةً وَاشْتَرَى) شَاةً (لَزِمَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا) أُضْحِيَّةً وَفَاءً عَمَّا الْتَزَمَهُ فِي ذِمَّتِهِ هَذَا إنْ قَصَدَ الشُّكْرَ عَلَى حُصُولِ الْمِلْكِ فَإِنْ قَصَدَ الِامْتِنَاعَ فَنَذْرُ لَجَاجٍ وَسَيَأْتِي (فَإِنْ عَيَّنَهَا) فَقَالَ إنْ اشْتَرَيْت هَذِهِ الشَّاةَ فَعَلَيَّ أَنْ أَجْعَلَهَا أُضْحِيَّةً (فَفِي لُزُومِ جَعْلِهَا) أُضْحِيَّةً (وَجْهَانِ) أَحَدُهُمَا لَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ أَقْيَسُ تَغْلِيبًا
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَمَحَلُّ وُجُوبِ ذَبْحِهِ) أَيْ الْمَنْذُورِ (قَوْلُهُ أَوْ أَطْلَقَ) وَقُلْنَا: يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ شَرْعًا (قَوْلُهُ نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْمُتَوَلِّي إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
[كِتَابُ الضَّحَايَا]
(قَوْلُهُ «ضَحَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشَيْنِ» إلَخْ) وَحَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ «أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ يُضَحِّي» (قَوْلُهُ، وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) بَلْ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ الْأَفْضَلُ مَا كَانَ أَعَمَّ نَفْعًا وَأَعْوَدَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ تَكُونُ التَّضْحِيَةُ أَفْضَلَ فِي وَقْتٍ مِنْ الصَّدَقَةِ وَبِالْعَكْسِ وَأَقُولُ لَوْ كَانَ مَعَهُ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ مِنْ أَوَّلِ الْعَشْرِ مَثَلًا وَوَجَدَ مُحْتَاجِينَ إلَى الصَّدَقَةِ لِعُرْيٍ أَوْ جُوعٍ أَوْ غُرْمٍ قَدْ حُبِسُوا عَلَيْهِ مَثَلًا أَنَّ الْبِدَارَ إلَى الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ مِنْ التَّأْخِيرِ لِلتَّضْحِيَةِ بِهِ وَإِنَّمَا يَنْقَدِحُ تَفْضِيلُهَا لَوْ كَانَ فِي وَقْتِهَا، وَلَمْ يَظْهَرْ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ أَعْظَمُ نَفْعًا مِنْهَا (قَوْلُهُ فَلَا تَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ) لِقَوْلِهِ: وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ وَقَوْلُهُ: لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ «؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا ضَحَّى ضَحَّى عَنْ أُمَّتِهِ فَأَسْقَطَهَا عَنْهُمْ» ؛ وَلِأَنَّ الذَّبْحَ لَا يَتَعَيَّنُ لِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ لِلتَّصَدُّقِ فَمُحَالٌ أَنْ يَجِبَ الذَّبْحُ (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِهَا) ؛ وَلِأَنَّهَا إرَاقَةُ دَمٍ لَمْ يَلْزَمْ الْمُسَافِرَ فَكَذَا الْمُقِيمَ كَالْعَقِيقَةِ (قَوْلُهُ قَادِرٍ عَلَيْهَا) بِأَنْ تَكُونَ فَاضِلَةً عَنْ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ عَلَى مَا سَبَقَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَلَوْ حَاجًّا بِمِنًى وَمَعَهُ هَدْيٌ (قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا لَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْعُبَابِ قَالَ شَيْخُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ فِي هَذِهِ لَمْ يَشْغَلْ ذِمَّتَهُ بِشَيْءٍ لِوُرُودِ النَّذْرِ عَلَى مُعَيَّنٍ قَبْلَ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْأَوْلَى حَيْثُ اشْتَغَلَتْ ذِمَّتُهُ بِهَا بِسَبَبِ النَّذْرِ فَلَزِمَ الْجُعْلُ عَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute