للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَلِيمَةِ (وَأَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَقِيبَهُ) أَيْ الْأَكْلِ فَيَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ وَفِي الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ، وَلَا مَكْفُورٍ، وَلَا مُوَدَّعٍ، وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ» رَبُّنَا بِرَفْعِهِ بِالِابْتِدَائِيَّةِ أَوْ بِالْخَبَرِيَّةِ وَبِنَصَبِهِ بِالِاخْتِصَاصِ أَوْ النِّدَاءِ وَبِجَرِّهِ بِالْبَدَلِ مِنْ لِلَّهِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَكَلَ وَشَرِبَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا» (وَ) أَنْ (يُكْرِمَ الضَّيْفَ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ قَالُوا: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ يَوْمُهُ، وَلَيْلَتُهُ، وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ» .

(وَالثِّمَارُ وَالزَّرْعُ فِي التَّحْرِيمِ) عَلَى غَيْرِ مَالِكِهَا وَالْحِلِّ لَهُ (كَغَيْرِهَا) فَلَا يُبَاحُ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا إلَّا عِنْدَ اضْطِرَارِهِ فَيَأْكُلُ وَيَضْمَنُ (فَلَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِ مَا تَسَاقَطَ) مِنْهَا (جَازَ) إجْرَاءً لَهَا مَجْرَى الْإِبَاحَةِ لِحُصُولِ الظَّنِّ بِهَا كَمَا يَحْصُلُ بِحَمْلِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الْهَدِيَّةَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ لِمَنْ لَا يَعْتَبِرُ إذْنَهُ كَيَتِيمٍ وَأَوْقَافٍ عَامَّةٍ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ إذْنِهِ لَا يُؤَثِّرُ فَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ أَوْلَى قَالَ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الشُّرْبِ مِنْ الْجَدَاوِلِ وَالْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْهُ (إلَّا إنْ حُوِّطَ عَلَيْهِ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ (أَوْ مَنَعَ) مِنْهُ (الْمَالِكُ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى شُحِّهِ وَعَدَمِ مُسَامَحَتِهِ.

(وَلَهُ الْأَكْلُ مِنْ طَعَامٍ يَعْلَمُ رِضَا مَالِكِهِ) بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، فَقَدْ تَظَاهَرَتْ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَفِعْلُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} [النور: ٦١] إلَى قَوْلِهِ {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: ٦١] وَثَبَتَتْ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ بِنَحْوِ الْآيَةِ (فَإِنْ تَشَكَّكَ) فِي رِضَاهُ بِذَلِكَ (حَرُمَ) فَالْمُرَادُ بِعِلْمِهِ مَا يَشْمَلُ ظَنَّهُ وَبِهِ عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ

(وَتَرْكُ التَّبَسُّطِ فِي الطَّعَامِ) الْمُبَاحِ (مُسْتَحَبٌّ) فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ السَّلَفِ (إلَّا فِي قِرَى الضَّيْفِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَالْقَصْرِ وَبِفَتْحِهَا وَالْمَدِّ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْسُطَ لَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّعَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ إكْرَامِهِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّهِ (وَأَوْقَاتِ التَّوْسِعَةِ عَلَى الْعِيَالِ) كَيَوْمِ عَاشُورَاءَ وَيَوْمَيْ الْعِيدِ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ هَذَا إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ أَيْ التَّبَسُّطِ حَاجَةٌ كَقِرَى الضَّيْفِ وَالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْعِيَالِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَعْرُوفَةِ، وَبِالصِّفَاتِ الْمَعْرُوفَةِ أَيْ كَانَ لَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ التَّفَاخُرَ وَالتَّكَاثُرَ بَلْ تَطْيِيبَ خَاطِرِ الْعِيَالِ وَقَضَاءَ وَطَرِهِمْ مِمَّا يَشْتَهُونَهُ.

(وَيُسْتَحَبُّ الْحُلْوُ) مِنْ الْأَطْعِمَةِ (وَكَثْرَةُ الْأَيْدِي عَلَى الطَّعَامِ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَأْكُلُ، وَلَا نَشْبَعُ قَالَ فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ» .

(وَ) يُسْتَحَبُّ (الْحَدِيثُ الْحَسَنُ) عَلَى الْأَكْلِ كَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ فِي الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ أَهْلَهُ الْأُدُمَ فَقَالُوا مَا عِنْدَنَا إلَّا خَلٌّ فَدَعَا بِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ الْأُدُمُ الْخَلُّ» وَمَعَ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ تَقْلِيلُهُ فَقَدْ نَقَلَ الْعَبَّادِيُّ أَنَّ الرَّبِيعَ رَوَى عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ الْأَدَبِ فِي الطَّعَامِ قِلَّةُ الْكَلَامِ وَسَيَأْتِي بَعْضُ هَذِهِ الْأُمُورِ مَعَ زِيَادَةٍ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ.

[كِتَابُ النَّذْرِ]

(كِتَابُ النَّذْرِ) بِالْمُعْجَمَةِ هُوَ لُغَةً: الْوَعْدُ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَشَرْعًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: الْوَعْدُ بِخَيْرٍ خَاصَّةً وَقَالَ غَيْرُهُمَا: الْتِزَامُ قُرْبَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ عَيْنًا كَمَا سَيَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: ٢٩] وَقَوْله {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: ٧] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» وَخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ» وَعَنْ النَّصِّ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لَهُ آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهُ وَقَالَ: إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مَنْ الْبَخِيلِ» وَقَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ إنَّهُ قُرْبَةٌ، وَهُوَ قَضِيَّةُ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ: وَالنَّذْرُ تَقَرُّبٌ فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ وَقَوْلِ النَّوَوِيِّ النَّذْرُ عَمْدًا فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا، فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ مُنَاجَاةُ اللَّهِ تَعَالَى كَالدُّعَاءِ، وَأُجِيبَ عَنْ النَّهْيِ بِحَمْلِهِ عَلَى مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَقُومُ بِمَا الْتَزَمَهُ أَوْ أَنَّ لِلنَّذْرِ تَأْثِيرًا كَمَا يُلَوِّحُ بِهِ الْخَبَرُ أَوْ عَلَى الْمُعَلَّقِ بِشَيْءٍ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ الْمَكْرُوهُ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (خَاتِمَةٌ)

لَوْ عَمَّ الْأَرْضَ الْحَرَامُ جَازَ اسْتِعْمَالُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الضَّرُورَةِ قَالَ الْإِمَامُ، وَلَا يَتَبَسَّطُ فِيهِ كَمَا يَتَبَسَّطُ فِي الْحَلَالِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَتَوَقَّعَ مَعْرِفَةَ الْمُسْتَحِقِّينَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَمَّا عِنْدَ الْيَأْسِ فَالْمَالُ حِينَئِذٍ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَلَوْ وَقَعَتْ ذُبَابَةٌ أَوْ نَمْلَةٌ أَوْ نَحْوُهُمَا أَوْ جُزْءٌ مِنْ لَحْمِ آدَمِيٍّ مَيِّتٍ فِي قِدْرِ طَبِيخٍ وَاسْتُهْلِكَتْ فِيهِ لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهُ قَالَ شَيْخُنَا، وَلَوْ وَجَدَ الْعَطْشَانُ بَوْلًا وَمَاءً نَجِسًا شَرِبَ الْمَاءَ، وَلَوْ وَجَدَ بَوْلَ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَبَوْلَ إبِلٍ أَوْ غَنَمٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَالْأَوْجَهُ شُرْبُ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَقَوْلُهُ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(كِتَابُ النَّذْرِ) (قَوْلُهُ وَقَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ أَنَّهُ قُرْبَةٌ) وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ عَنْ جَمَاعَةٍ وَقَالَ إنَّهُ الْقِيَاسُ وَفِي الْمُهِمَّاتِ إنَّهُ يُعَضِّدُهُ النَّصُّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة: ٢٧٠] وَالْقِيَاسُ، وَهُوَ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْقُرْبَةِ وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَهُوَ يَزِيدُ عَلَى النَّفْلِ بِسَبْعِينَ دَرَجَةً كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي النِّكَاحِ عَنْ حِكَايَةِ الْإِمَامِ وَقَوْلُهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ أَيْ يُجَازِي عَلَيْهِ فَوَضَعَ الْعِلْمَ مَوْضِعَ الْجَزَاءِ، وَالْجَزَاءُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْقُرَبِ، وَلِهَذَا قَرَنَهُ بِالْإِنْفَاقِ إقَامَةً لِسَبَبِ الشَّيْءِ مَقَامَهُ (قَوْلُهُ وَأُجِيبَ عَنْ النَّهْيِ بِحَمْلِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ إلَخْ) وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ دُونَ غَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ لَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ قُرْبَةً إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا، وَإِلَّا فَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ، وَهَذَا مُرَادُهُ بِمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ، وَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>