للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذْ لَا يَجُوزُ الْقَتْلُ بِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَتَلَ بِهَا كَمَا يَأْتِي لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْذِيبِ الْمُحَرَّمِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» ، وَالتَّصْرِيحُ بِوُجُوبِ التَّفَقُّدِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ (وَيُسْتَحَبُّ) لَهُ (أَنْ يُشْهِدَ) عَلَى الِاسْتِيفَاءِ (عَدْلَيْنِ) لِيَشْهَدَا عَلَى الْمُقْتَصِّ إنْ أَنْكَرَ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ إنْ كَانَ التَّرَافُعُ إلَيْهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ بِحَضْرَةِ النَّاسِ لِيَنْتَشِرَ الْخَبَرُ فَيَحْصُلُ الزَّجْرُ، وَأَقَلُّ مَنْ يَحْضُرُهُ عَدْلَانِ.

(فَإِنْ قَتَلَهُ بِكَالٍّ، وَلَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ بِمِثْلِهِ، أَوْ) قَتَلَهُ بِشَيْءٍ (مَسْمُومٍ) كَذَلِكَ (عُزِّرَ) لِتَعَدِّيهِ (وَالْوَلِيُّ إنْ تَعَمَّدَ غَيْرَ الرَّقَبَةِ) فِي اقْتِصَاصِهِ بِضَرْبِهَا (عُزِّرَ) لِذَلِكَ (وَلَمْ يُعْزَلْ) لِأَهْلِيَّتِهِ وَإِنْ تَعَدَّى بِفِعْلِهِ (كَمَا لَوْ جَرَحَهُ ثُمَّ رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي لَا يُمْنَعُ الِاسْتِيفَاءُ، وَإِنْ أَخْطَأَ، وَأَمْكَنَ) خَطَؤُهُ عَادَةً بِأَنْ أَمَرَهُ الْإِمَامُ بِضَرْبِ الرَّقَبَةِ فَضَرَبَ كَتِفَهُ، أَوْ رَأْسَهُ مِمَّا يَلِيهَا (فَعَكْسُهُ) أَيْ فَلَا يُعَزَّرُ إذَا حَلَفَ وَيُعْزَلُ؛ لِأَنَّ يُشْعِرُ بِعَجْزِهِ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يُخْطِئَ ثَانِيًا (وَلَا يُعْزَلُ مَاهِرٌ) فِي ضَرْبِ الرِّقَابِ (اتَّفَقَ خَطَؤُهُ) فَإِنْ ادَّعَى الْخَطَأَ فِيمَا لَا يُمَكَّنُ فِيهِ كَأَنْ ضَرَبَ رِجْلَهُ، أَوْ وَسَطَهُ فَهُوَ كَتَعَمُّدِهِ لِظُهُورِ كَذِبِهِ (وَإِنْ اسْتَوْفَى طَرَفًا بِمَسْمُومٍ فَمَاتَ لَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ مُسْتَحِقٍّ وَغَيْرِهِ (فِي مَالِهِ) لِتَعَمُّدِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ (فَإِنْ كَانَ) السُّمُّ (مُوحِيًا فَالْقِصَاصُ) وَاجِبٌ عَلَيْهِ.

[فَرْعٌ تَنْصِيبْ الْإِمَامُ مَنْ يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ وَالْحُدُودَ]

(فَرْعٌ: وَلْيُنَصِّبْ الْإِمَامُ مَنْ يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ وَالْحُدُودَ وَرِزْقُهُ مِنْ الْمَصَالِحِ) أَيْ مِنْ خُمُسِ خُمُسِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِحِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ شَيْءٌ، أَوْ كَانَ وَاحْتَاجَ إلَيْهِ لِأَهَمَّ مِنْهُ (فَالْأُجْرَةُ) لِلْمَنْصُوبِ (عَلَى الْجَانِي وَالْمَحْدُودِ) ؛ لِأَنَّهَا مُؤْنَةُ حَقٍّ لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ فَلَزِمَتْهُمَا كَأُجْرَةِ كَيَّالِ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ وَوَزَّانِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي (فَلَوْ قَالَ) الْجَانِي (أَنَا أَقْتَصُّ مِنْ نَفْسِي) ، وَلَا أُؤَدِّي الْأُجْرَةَ (مُنِعَ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّشَفِّي، وَهُوَ لَا يَتِمُّ بِفِعْلِ الْجَانِي؛ وَلِأَنَّهُ إذَا مَسَّتْهُ الْحَدِيدَةُ فَتَرَتْ يَدُهُ، وَلَا يَحْصُلُ الزَّهُوقُ إلَّا بِأَنْ يُعَذِّبَ نَفْسَهُ تَعْذِيبًا شَدِيدًا، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ (فَإِنْ أُجِيبَ) لِمَا قَالَهُ وَاقْتَصَّ مِنْ نَفْسِهِ (فَهَلْ يُجْزِئُ) عَنْ الْقِصَاصِ (وَجْهَانِ) أَحَدُهُمَا لَا كَمَا لَوْ جَلَدَ نَفْسَهُ فِي الزِّنَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَفِي الْقَذْفِ بِإِذْنِ الْمَقْذُوفِ كَمَا يَأْتِي، وَكَمَا لَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي.

وَالثَّانِي نَعَمْ وَصَحَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ لِحُصُولِ الزَّهُوقِ، وَإِزَالَةُ الطَّرَفِ بِخِلَافِ الْجَلْدِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يُؤْلِمُ نَفْسَهُ وَيُوهِمُ الْإِيلَامُ فَلَا يَتَحَقَّقُ حُصُولُ الْمَقْصُودِ وَبِخِلَافِ قَبْضِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ يَدِ الْبَائِعِ، وَلَمْ تَزُلْ (وَلَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ لِلسَّارِقِ) فِي قَطْعِ يَدِهِ (فَقَطَعَ يَدَهُ جَازَ وَيُجْزِئُ) عَنْ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ التَّنْكِيلُ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَمِنْ الْقِصَاصِ التَّشَفِّي، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ فَمَنَعَ الْإِجْزَاءَ عَلَى وَجْهٍ كَمَا مَرَّ. وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ مِنْ الْجَوَازِ نَاقِضُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ أَبْوَابِ الْوَكَالَةِ (بِخِلَافِ الزَّانِي وَالْقَاذِفِ) لَا يَجُوزُ فِيهِ ذَلِكَ، وَلَا يُجْزِئُ لِمَا مَرَّ.

(الطَّرَفُ الثَّانِي فِي وَقْتِ الْقِصَاصِ وَيَجِبُ) الْقِصَاصُ عَلَى مَنْ لَزِمَهُ (عَلَى الْفَوْرِ إنْ أَمْكَنَ) ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبُ الْإِتْلَافِ فَيَتَعَجَّلُ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ (فَيَقْتَصُّ فِي الْحَرَمِ) ، وَلَوْ فِي النَّفْسِ، أَوْ مَعَ الِالْتِجَاءِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ لَوْ وَقَعَ فِي الْحَرَمِ لَمْ يُوجِبْ ضَمَانًا فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ كَقَتْلِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: ٩٧] مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْجَانِي (لَا فِي مَسْجِدٍ) وَمِنْهُ الْكَعْبَةُ (وَ) لَا فِي (مِلْكِ إنْسَانٍ بَلْ يَخْرُجُ) مِنْهُمَا مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَيُسْتَوْفَى خَارِجَهُمَا لِلنَّهْيِ عَنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْمَسَاجِدِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ اسْتِعْمَالُ مِلْكِ الْإِنْسَانِ بِغَيْرِ إذْنِهِ مَعَ أَنَّ التَّأْخِيرَ الْمَذْكُورَ يَسِيرٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ فِي الْمَسْجِدِ حَرَامٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ خِيفَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ، وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ إطْلَاقُهُ كَأَصْلِهِ فِي بَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ كَرَاهَةُ إقَامَةِ الْحَدِّ فِي الْمَسْجِدِ.

(وَلَا يُؤَخَّرُ) الْقِصَاصُ (لِحَرٍّ وَبَرْدٍ وَمَرَضٍ، وَلَوْ) كَانَ الْقِصَاصُ (فِي الْأَطْرَافِ) قَالَ فِي الْأَصْلِ، وَكَذَا لَا يُؤَخَّرُ لِذَلِكَ الْجَلْدُ فِي الْقَذْفِ بِخِلَافِ قَطْعِ السَّرِقَةِ وَالْجَلْدِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ حُقُوقَهُ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَحُقُوقَ الْعِبَادِ عَلَى الْمُضَايَقَةِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَفِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلرُّويَانِيِّ أَنَّهُ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يُؤَخَّرُ قِصَاصُ الطَّرَفِ لِذَلِكَ أَيْضًا. انْتَهَى. وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ. (وَيَقْطَعُهَا) أَيْ وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إنْ قَطَعَ الْأَطْرَافَ (مُتَوَالِيَةً، وَلَوْ فُرِّقَتْ) مِنْ الْجَانِي؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ.

(وَيُؤَخَّرُ) الِاسْتِيفَاءُ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

وَأَنْ يُحْضِرَ مَعَهُ عَوْنًا فَرُبَّمَا حَدَثَ مَا يَحْتَاجُ إلَى كَفٍّ أَوْ رَدْعٍ، وَأَنْ يَأْمُرَ الْمُقْتَصَّ مِنْهُ بِمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةِ يَوْمِهِ، وَأَنْ يَأْمُرَهُ بِالْوَصِيَّةِ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ مِنْ حَقٍّ، وَأَنْ يُؤْمَرَ بِالتَّوْبَةِ مِنْ ذُنُوبِهِ، وَأَنْ يُسَاقَ إلَى مَوْضِعِ الْقِصَاصِ بِرِفْقٍ، وَأَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ، وَأَنْ يَشُدَّ عَيْنَاهُ بِعِصَابَةٍ، وَيُتْرَكَ مَمْدُودَ الْعُنُقِ لِئَلَّا يَعْدِلَ السَّيْفُ عَنْهُ وَالْعَاشِرُ أَنْ يَكُونَ السَّيْفُ صَارِمًا لَيْسَ بِكَالٍّ، وَلَا مَسْمُومٍ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا هَذِهِ الشُّرُوطَ وَالْأَوْصَافَ إحْسَانًا فِي الِاسْتِيفَاءِ وَمَنْعًا مِنْ التَّعْذِيبِ لِحَدِيثِ «فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» وَلِلنَّهْيِ عَنْ تَعْذِيبِ الْبَهَائِمِ فَالْآدَمِيُّ أَحَقُّ. اهـ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَأَكْثَرُ مَا ذَكَرَهُ عَدُّوهُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ

(قَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا لَا) وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْحِجَازِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي نَعَمْ) ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَصَحَّحَهُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ مِنْ الْجَوَازِ نَاقِضُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ أَبْوَابِ الْوَكَالَةِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَا قَالَ هُنَا أَنَّهُ الْأَقْرَبُ لَا يُخَالِفُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْوَكَالَةِ مِنْ مَنْعِ التَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَمْكِينٌ يَكُونُ فِيهِ مُسْتَقِلًّا وَذَاكَ تَوْكِيلٌ وَالتَّوْكِيلُ يَسْتَدْعِي عَدَمَ الِاتِّحَادِ بِخِلَافِ التَّمْكِينِ، وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُ هَذَا عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالصِّيغَةِ أَوْ الْمَعْنَى وَلِهَذَا لَا يَنْعَقِدُ قَوْلُهُ: بِعْتُك بِلَا ثَمَنٍ هِبَةً، وَإِنْ كَانَ هُوَ مَعْنَى الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ بِعْت تَسْتَدْعِي مُقَابِلًا. اهـ.

[وَقْتِ الْقِصَاصِ]

(قَوْلُهُ: لَا فِي مَسْجِدٍ إلَخْ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَكَذَا مَقَابِرُ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يُمْكِنْ قَتْلُهُ إلَّا بِإِرَاقَةِ الدَّمِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤَخَّرُ لِحَرٍّ وَبَرْدٍ وَمَرَضٍ) ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُرْجَى زَوَالُهُ أَمْ لَا، وَهُوَ قِيَاسُ حَدِّ الْقَذْفِ (قَوْلُهُ: وَيَقْطَعُهَا مُتَوَالِيَةً، وَلَوْ فُرِّقَتْ مِنْ الْجَانِي إلَخْ) أَمَّا إذَا كَانَ الْقِصَاصُ

<<  <  ج: ص:  >  >>