للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَلْبَسْ ثَوْبَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ أَنْ يَزَّيَّنَ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيَتَّزِرْ إذَا صَلَّى وَلَا يَشْتَمِلْ اشْتِمَالَ الْيَهُودِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ (ثُمَّ) إنْ اقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدٍ، فَالْأَوْلَى (قَمِيصٌ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لِلْبَدَنِ، ثُمَّ رِدَاءٌ (ثُمَّ إزَارٌ، ثُمَّ سَرَاوِيلُ) وَإِنَّمَا كَانَ الْإِزَارُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَتَجَافَى عَنْهُ وَلَا يُبَيِّنُ مِنْهُ حَجْمَ أَعْضَائِهِ بِخِلَافِ السَّرَاوِيلِ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ عَكْسَهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْمَحَامِلِيِّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ عَنْ النَّصِّ؛ لِأَنَّ السَّرَاوِيلَ أَجْمَعُ فِي السَّتْرِ (وَيَلْتَحِفُ بِإِزَارِهِ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ: ثُمَّ الثَّوْبُ الْوَاحِدُ يَلْتَحِفُ بِهِ (إنْ اتَّسَعَ وَيُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ) كَمَا يَفْعَلُهُ الْقَصَّارُ فِي الْمَاءِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ ضَاقَ (اتَّزَرَ بِهِ وَجَعَلَ شَيْئًا مِنْهُ) عَلَى (عَاتِقِهِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا صَلَّيْت وَعَلَيْك ثَوْبٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا، فَالْتَحِفْ بِهِ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ» وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «، فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حِقْوَيْك» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ خَبَرُ «لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ وَشَرْحِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا يَجْعَلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ جَعَلَ حَبْلًا حَتَّى لَا يَخْلُوَ مِنْ شَيْءٍ وَيُكْرَهُ تَرْكُ ذَلِكَ.

(وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ) فِي الصَّلَاةِ (قَمِيصٌ سَابِغٌ) لِجَمِيعِ بَدَنِهَا (وَخِمَارٌ وَجِلْبَابٌ كَثِيفٌ) فَوْقَ ثِيَابِهَا لِيَتَجَافَى عَنْهَا وَلَا يُبَيِّنَ حَجْمَ أَعْضَائِهَا، وَالْجِلْبَابُ الْمِلْحَفَةُ، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ (وَ) يَجِبُ (عَلَيْهِ) إذَا لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً (عَمَلُ سُتْرَةٍ) يَسْتَتِرُ بِهَا (حَتَّى مِنْ حَشِيشٍ) وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً وَوَجَدَ حَشِيشًا يُمْكِنُهُ عَمَلُ سُتْرَةٍ مِنْهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ.

(وَإِتْلَافُ الثَّوْبِ وَبَيْعُهُ) الْمَزِيدُ عَلَى الْأَصْلِ (فِي الْوَقْتِ كَالْمَاءِ) إذَا أَتْلَفَهُ، أَوْ بَاعَهُ فِيهِ فَيَعْصِي بِذَلِكَ إنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ وَيُصَلِّي عُرْيَانًا فِي الْأُولَى وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي الثَّانِيَةِ مَا قَدَرَ عَلَى الثَّوْبِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَكَالْبَيْعِ الْهِبَةُ وَنَحْوُهَا (وَلَا يُبَاعُ لَهُ) أَيْ لِلسِّتْرِ (مَسْكَنٌ) وَلَا خَادِمٌ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ فِي الْكَفَّارَاتِ وَأَقَرَّهُ وَغَلِطَ مَنْ خَالَفَهُ وَهَذِهِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الرَّوْضَةِ.

(وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ) الرَّجُلُ (مُتَلَثِّمًا وَالْمَرْأَةُ مُتَنَقِّبَةً، أَوْ مُغَطِّيًا) الْمُصَلِّي (فَاهُ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ فِي الصَّلَاةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقِيسَ بِالرَّجُلِ غَيْرُهُ (فَإِنْ تَثَاءَبَ) الْمُصَلِّي (سُنَّ) لَهُ أَنْ يُغَطِّيَ فَاهُ وَفِي نُسْخَةٍ سَدَّ أَيْ فَاهُ (بِيَدِهِ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِك بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ» وَهَذِهِ أَعَادَهَا فِي السِّيَرِ (وَيُكْرَه) أَنْ يُصَلِّيَ (فِي ثَوْبٍ فِيهِ تَصْوِيرٌ) أَيْ صُورَةٌ وَأَنْ يُصَلِّيَ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ كَمَا سَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الشَّرْطِ السَّابِعِ (وَ) أَنْ يُصَلِّيَ (بِالِاضْطِبَاعِ) بِأَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَطَرَفَيْهِ عَلَى الْأَيْسَرِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ (وَاشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ) بِأَنْ يُخَلِّلَ بَدَنَهُ بِالثَّوْبِ، ثُمَّ يَرْفَعُ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ (وَ) اشْتِمَالُ (الْيَهُودِ) بِأَنْ يُخَلِّلَ بَدَنَهُ بِالثَّوْبِ بِدُونِ رَفْعِ طَرَفَيْهِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ؛ وَلِأَنَّهُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ إذَا أَتَاهُ مَا يَتَوَفَّاهُ لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُ يَدِهِ بِسُرْعَةٍ وَإِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ رُبَّمَا انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ.

الشَّرْطُ (السَّادِسُ تَرْكُ الْكَلَامِ) أَيْ كَلَامِ النَّاسِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ خِطَابَهُمْ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: ٢٣٨] فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ» «، وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَقُلْت يَرْحَمُك اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْت وَاثُكْلَ أُمِّيَاهُ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» (فَإِنْ نَطَقَ) فِيهَا (بِحَرْفَيْنِ) فَأَكْثَرَ وَلَوْ بِغَيْرِ إفْهَامٍ (أَوْ حَرْفٍ يُفْهَمُ) نَحْوَ قِ مِنْ الْوِقَايَةِ وَعِ مِنْ الْوَعْيِ (أَوْ) حَرْفٍ (مَمْدُودٍ) ، وَإِنْ لَمْ يُفْهَمْ نَحْوَ (آ) وَالْمَدُّ أَلِفٌ، أَوْ وَاوٌ أَوْ يَاءٌ، فَالْمَمْدُودُ فِي الْحَقِيقَةِ حَرْفَانِ (وَلَوْ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ) كَقَوْلِهِ لِإِمَامِهِ قُمْ أَوْ اُقْعُدْ (بَطَلَتْ) ؛ لِأَنَّ الْحَرْفَيْنِ مِنْ جِنْسِ الْكَلَامِ، وَالْكَلَامُ يَقَعُ عَلَى الْمُفْهِمِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ حَرْفَانِ فَأَكْثَرُ وَتَخْصِيصُهُ بِالْمُفْهِمِ اصْطِلَاحٌ لِلنُّحَاةِ، وَالْحَرْفُ الْمُفْهِمُ مُتَضَمِّنٌ لِمَقْصُودِ الْكَلَامِ، وَإِنْ أَخْطَأَ بِحَذْفِ هَاءِ السَّكْتِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُفْهِمِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ أَقَلُّ مَا يُبْنَى عَلَيْهِ الْكَلَامُ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ حَرْفَانِ.

(وَلَوْ تَنَحْنَحَ مَغْلُوبًا) عَلَيْهِ (أَوْ لِلْعَجْزِ عَنْ الْقِرَاءَةِ لَا) عَنْ (الْجَهْرِ فَمَعْذُورٌ) فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْذَرْ فِي الْعَجْزِ عَنْ الْجَهْرِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ لَا ضَرُورَةَ إلَى التَّنَحْنُحِ لَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْقِرَاءَةِ الْقِرَاءَةُ الْوَاجِبَةُ وَفِي مَعْنَاهَا بَدَلُهَا وَكُلُّ وَاجِبٍ قَوْلِيٍّ كَالتَّشَهُّدِ وَفِي مَعْنَى الْجَهْرِ سَائِرُ السُّنَنِ كَقِرَاءَةِ السُّورَةِ، وَالْقُنُوتِ لَكِنْ الْمُتَّجَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ جَوَازُ التَّنَحْنُحِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «صَلَاةٌ بِعِمَامَةٍ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةً بِلَا عِمَامَةٍ» .

(قَوْلُهُ: فَإِنْ تَثَاءَبَ سُنَّ لَهُ أَنْ يُغَطِّيَ فَاهُ بِيَدِهِ) قَالَ ابْنُ الْمُلَقَّنِ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا الْيُسْرَى؛ لِأَنَّهَا لِتَنْحِيَةِ الْأَذَى قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ التَّجَشُّؤُ، وَهَلْ يُلْحَقُ الْأَبْخَرُ فِي الْجَمَاعَةِ بِذَلِكَ لِئَلَّا يُؤْذِيَ بِرِيحِ فَمِهِ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا.

[الشَّرْطُ السَّادِسُ تَرْكُ الْكَلَامِ]

(قَوْلُهُ: فَإِنْ نَطَقَ فِيهَا بِحَرْفَيْنِ إلَخْ) لَوْ قَصَدَ أَنْ يَأْتِيَ فِي صَلَاتِهِ بِكَلَامٍ مُبْطِلٍ لَهَا ثُمَّ نَطَقَ مِنْهُ بِحَرْفٍ وَلَوْ غَيْرَ مُفْهِمٍ بَطَلَتْ وَسُئِلَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ عَنْ مُصَلٍّ قَالَ بَعْدَ قِرَاءَةِ إمَامِهِ صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فَأَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ لَيْسَ فِيهِ خِطَابُ آدَمِيٍّ.

(قَوْلُهُ: أَوْ لِلْعَجْزِ عَنْ الْقِرَاءَةِ) قَالَ فِي رِسَالَةِ النُّورِ وَلَوْ نَزَلَتْ نُخَامَةٌ مِنْ دِمَاغِهِ إلَى ظَاهِرِ الْفَمِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَابْتَلَعَهَا بَطَلَتْ، فَلَوْ تَشَعَّبَتْ فِي حَلْقِهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إخْرَاجُهَا إلَّا بِالتَّنَحْنُحِ وَظُهُورِ حَرْفَيْنِ وَمَتَى تَرَكَهَا نَزَلَتْ إلَى بَاطِنِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَنَحْنَحَ وَيُخْرِجَهَا وَإِنْ ظَهَرَ حَرْفَانِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ الْمُتَّجَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ إلَخْ) ضَعِيفٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ لَحَنَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>