للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مِلَلًا) مُخْتَلِفَةً (جُعِلَ مِنْ أَقْرَبِهِمْ إلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنْ ادَّعَى ذِمِّيٌّ) أَوْ نَحْوُهُ (نَسَبَهُ لَحِقَهُ) وَتَبِعَهُ فِي الْكُفْرِ وَارْتَفَعَ مَا كُنَّا ظَنَنَّاهُ إذْ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةٌ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ كُفْرُ وَلَدِ الْكَافِرِ (لَكِنْ إنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ) بِذَلِكَ (لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ) وَإِنْ لَحِقَهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ مُسْلِمَةٍ وَلِأَنَّهُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فَلَا يُغَيَّرُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى كَمَا فِي إسْلَامِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَيُحَالُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ وَصَفَ الْمُمَيِّزُ الْإِسْلَامَ، ثُمَّ إذَا بَلَغَ وَوَصَفَ الْكُفْرَ قُرِّرَ لَكِنَّهُ يُهَدَّدُ لَعَلَّهُ يُسْلِمُ (وَيُنْفَقُ عَلَى) اللَّقِيطِ (الْمَحْكُومِ بِكُفْرِهِ) إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) إذْ لَا وَجْهَ لِتَضْيِيعِهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَنْفَعُنَا بِالْجِزْيَةِ إذَا بَلَغَ هَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْأَصْلِ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بَلْ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الْمَنْعُ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مَصْرُوفٌ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ الْمُشْرِكِينَ فَعَلَيْهِ إنْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ بِنَفَقَتِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا جَمَعَ الْإِمَامُ أَغْنِيَاءَ أَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَقَسَّطَ نَفَقَتَهُ عَلَيْهِمْ قَرْضًا يَرْجِعُونَ بِهَا.

(فَصْلٌ: يَصِحُّ الْإِسْلَامُ) أَيْ مُبَاشَرَتُهُ مِنْ مُكَلَّفٍ (بِالنُّطْقِ) لِلنَّاطِقِ (وَالْإِشَارَةِ لِلْعَاجِزِ) عَنْ النُّطْقِ (لَا مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ وَلَوْ مُمَيِّزًا) كَسَائِرِ الْعُقُودِ قَالُوا وَلَا تُقَاسُ صِحَّتُهُ مِنْ الْمُمَيِّزِ عَلَى صِحَّةِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ مِنْهُ لِأَنَّهَا تَقَعُ مِنْهُ نَفْلًا، وَالْإِسْلَامُ لَا يُتَنَفَّلُ بِهِ وَأَمَّا صِحَّةُ إسْلَامِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ صِغَرِهِ فَأُجِيبَ عَنْهَا بِأَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا صَارَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْبُلُوغِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فِي عَامِ الْخَنْدَقِ أَمَّا قَبْلَهَا فَكَانَتْ مَنُوطَةً بِالتَّمْيِيزِ، وَإِذَا لَمْ نُصَحِّحْ إسْلَامَهُ فَلَا نَمْنَعُهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ (وَيَدْخُلُ الْمُمَيِّزُ بِهِ) أَيْ بِإِسْلَامِهِ مُبَاشَرَةً (الْجَنَّةَ) قَطْعًا (إذَا أَسَرَّهُ كَمَا أَظْهَرَهُ) وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِصِحَّةِ إسْلَامِهِ بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا وَفِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ إذَا مَاتُوا وَلَمْ يَتَلَفَّظُوا بِالْإِسْلَامِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ أَيْضًا كَمَا مَرَّ (وَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبَوَيْهِ) وَأَهْلِهِ الْكُفَّارِ (اسْتِحْبَابًا) لِئَلَّا يَفْتِنُوهُ وَطَمَعًا فِي أَنْ يَثْبُتَ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى مَا وَصَفَهُ (فَإِنْ بَلَغَ كَافِرًا) بِأَنْ وَصَفَ الْكُفْرَ بَعْدَ بُلُوغِهِ (هُدِّدَ) وَطُولِبَ بِالْإِسْلَامِ (فَإِنْ أَصَرَّ رُدَّ إلَيْهِمَا) .

(فَصْلٌ: وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ صَغِيرٍ وَذِي جُنُونٍ وَلَوْ طَرَأَ) جُنُونُهُ (فِي الْكِبَرِ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ وَكَذَا لِسَائِرِ أُصُولِهِ) وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا وَارِثِينَ (كَجَدٍّ أَوْ جَدَّةٍ لِأَبٍ، أَوْ أُمٍّ، وَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ حَيًّا) سَوَاءٌ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْعُلُوقِ أَمْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جُزْءٌ مِنْ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِوَسَطٍ وَلِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ لِلْفَرْعِيَّةِ وَهِيَ لَا تَخْتَلِفُ بِمَا ذُكِرَ، فَإِنْ قُلْتَ إطْلَاقُ ذَلِكَ يَقْتَضِي إسْلَامَ جَمِيعِ الْأَطْفَالِ بِإِسْلَامِ جَدِّهِمْ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قُلْت أَجَابَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي جَدٍّ يُعْرَفُ النَّسَبُ إلَيْهِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بَيْنَهُمَا التَّوَارُثُ وَبِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ فِي الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ حُكْمٌ جَدِيدٌ لِخَبَرِ «وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ» .

(فَصْلٌ)

فِي تَبَعِيَّةِ السَّابِي (وَإِنْ سَبَى مُسْلِمٌ لَا ذِمِّيٌّ صَبِيًّا) أَوْ مَجْنُونًا (دُونَ) أَحَدِ (أَبَوَيْهِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلسَّابِي) لِأَنَّهُ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ وَلَيْسَ مَعَهُ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْهُ فَتَبِعَهُ كَالْأَبِ قَالَ الْإِمَامُ: وَكَأَنَّ السَّابِيَ لَمَّا أَبْطَلَ حُرِّيَّتَهُ قَلَبَهُ قَلْبًا كُلِّيًّا فَعُدِمَ عَمَّا كَانَ وَافْتُتِحَ لَهُ وُجُودٌ تَحْتَ يَدِ السَّابِي وَوِلَايَتِهِ فَأَشْبَهَ تَوَلُّدَهُ -.

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

كَوْنِ الْمُسْلِمِ بِهَا وَقْتَ إمْكَانِ الْعُلُوقِ أَمَّا لَوْ طَرَقَهَا مُسْلِمٌ، ثُمَّ بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلًا وُجِدَ فِيهَا مَنْبُوذٌ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ مِنْهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالسُّكْنَى ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ الظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِيطَانَ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ مَنْ انْقَطَعَ عَنْهُ حُكْمُ السَّفَرِ كَالسَّاكِنِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُقِيمُ بَعْضَ يَوْمٍ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ إنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ) شَمِلَ ذَلِكَ مَا لَوْ شَهِدَتْ بِهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: وَيُحَالُ بَيْنَهُمَا إلَخْ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ وُجُوبُ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُمَا لَكِنْ فِي الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَسْلِيمُهُ لِمُسْلِمٍ.

[فَصْلٌ مُبَاشَرَة الْإِسْلَامُ مِنْ مُكَلَّفٍ بِالنُّطْقِ]

(قَوْلُهُ: وَصَبِيٍّ) لِأَنَّ نُطْقَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ إمَّا خَبَرٌ أَوْ إنْشَاءٌ فَإِنْ كَانَ خَبَرًا فَخَبَرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، أَوْ إنْشَاءً فَكَعُقُودِهِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْأَحْكَامَ إلَخْ) وَبِأَنَّهُ كَانَ بَالِغًا عِنْدَ إسْلَامِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (قَوْلُهُ: قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ) قَالَ لِشَيْخِنَا فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ الْمُمَيِّزُ بِهِ الْجَنَّةَ إلَخْ) قَالَ الْجَارْبُرْدِيُّ: وَيَرِدُ فِي خَاطِرِي أَنَّ الْجَوَابَ أَنْ يُقَالَ اعْتِبَارُ الْقَوْلِ إنَّمَا هُوَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَا فِي الْقَلْبِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ

إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا ... جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلَا

وَإِذَا كَانَ اعْتِبَارُهُ لِدَلَالَةِ مَا فِي الْقَلْبِ وَغَيْرُ الْبَالِغِ لَا يَدُلُّ كَلَامُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْقَلْبِ؛ إذْ لَا اعْتِدَادَ بِإِخْبَارِهِ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنْ كَانَ قَلْبُهُ مُوَافِقًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ سِرٌّ لَا نَعْلَمُهُ وَلَمَّا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى مُطَّلِعًا عَلَى ضَمِيرِهِ وَكَانَ مُوَافَقَةُ قَلْبِهِ لِلِسَانِهِ مَعْلُومًا عِنْدَهُ تَعَالَى كَانَ فَائِزًا بِالْجَنَّةِ لَا مَحَالَةَ.

[فَصْلٌ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ صَغِيرٍ وَذِي جُنُونٍ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ]

(قَوْلُهُ: تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ إلَخْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: ٢١] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ» فَجَعَلَ مُوجِبَ كُفْرِهِ كُفْرَهُمَا جَمِيعًا وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ فِي إسْلَامِ الْأَبِ وَكَذَلِكَ الْأُمُّ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ: وَكَذَا لِسَائِرِ أُصُولِهِ) قَالَ النَّاشِرِيُّ يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ أَحَدَ أُصُولِهِ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ زَنَى بِكَافِرَةٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ مِنْهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى أَصْلًا؛ إذْ يَصِحُّ وَيَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْعَلَائِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ إنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَوْلُهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جُزْءٌ مِنْ مُسْلِمٍ) هَذِهِ عِلَّةٌ صَحِيحَةٌ إنْ كَانَ الْأَبُ مُسْلِمًا أَوْ الْأُمُّ وَقُلْنَا الْوَلَدُ مِنْ مَائِهِمَا فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إنَّهُ مِنْ الرَّجُلِ فَقَطْ فَلَا. .

[فَصْلٌ تَبَعِيَّةِ السَّابِي وَإِنْ سَبَى مُسْلِمٌ لَا ذِمِّيٌّ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا دُونَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ]

(قَوْلُهُ: وَكَأَنَّ السَّابِيَ لَمَّا أَبْطَلَ حُرِّيَّتَهُ إلَخْ) لَوْ كَانَ الْمَسْبِيُّ عَبْدًا فَهَلْ نَقُولُ يَتْبَعُ السَّابِيَ فِي الْإِسْلَامِ كَالْمَسْبِيِّ الْحُرِّ أَمْ نَقُولُ لَا يَتْبَعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ رِقٌّ يَقْلِبُهُ إلَى تَبَعِيَّةِ السَّابِي هَذَا مُحْتَمَلٌ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ قَالَ النَّاشِرِيُّ قَدْ يُقَالُ انْتِقَالُ الْمِلْكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>