بِالْأُجْرَةِ سَوَاءٌ أَفَسَخَ أَمْ لَا، قُلْت: إذَا لَمْ يَفْسَخْ فَهُوَ مُقَصِّرٌ فَسَقَطَ حَقُّهُ إمَّا مِنْ الْحَبْسِ وَالرَّهْنِيَّةِ، أَوْ مِنْ الرَّهْنِيَّةِ فَقَطْ، وَبَقِيَ حَقُّ الْحَبْسِ كَمَا هُوَ فِي حَقِّ حَبْسِ الْمَبِيعِ (وَلَا يَزِيدُ حَقُّ الْقَصَّارِ بِزِيَادَةِ رَاغِبٍ بِخِلَافِ صَاحِبِ الصَّبْغِ) يَزِيدُ حَقُّهُ بِزِيَادَتِهِ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ مُسْتَحَقٌّ لِلصَّبَّاغِ بِخِلَافِ الْقِصَارَةِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ لِلْقَصَّارِ، وَإِنَّمَا هِيَ مَرْهُونَةٌ بِحَقِّهِ فَلَا يَسْتَوْفِي مِنْهَا زِيَادَةً عَلَى مَا رُهِنَ بِهَا، وَهُوَ الْأُجْرَةُ (فَلَوْ رَغِبَ رَاغِبٌ فِي مِثَالِنَا) الْمُسَاوِي فِيهِ الثَّوْبُ مَصْبُوغًا أَوْ مَقْصُورًا خَمْسَةَ عَشَرَ (فَاشْتَرَاهُ بِثَلَاثِينَ فَلِصَاحِبِ الثَّوْبُ عِشْرُونَ وَلِلصَّبْغِ) فِي صُورَتِهِ (دِرْهَمَانِ أَوْ الْقِصَارَةُ) فِي صُورَتِهَا (دِرْهَمٌ وَثَمَانِيَةٌ لِلْمُفْلِسِ) فِي الْأُولَى (أَوْ تِسْعَةٌ) فِي الثَّانِيَةِ لِمَا مَرَّ آنِفًا (وَلَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ لِلْقَصَّارِ) أَوْ الصَّبَّاغِ (نُقَدِّمُك بِالْأُجْرَةِ) وَدَعْنَا نَكُنْ شُرَكَاءَ صَاحِبِ الثَّوْبِ (لَمْ يُجْبَرْ) صَوَابُهُ أُجْبِرَ (عَلَى الْقَبُولِ) .
وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ أُجْبِرَ عَلَى الْأَصَحِّ كَالْبَائِعِ إذَا قَدَّمَهُ الْغُرَمَاءُ بِالثَّمَنِ وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَرْجِيحِ جَوَازِ الْفَسْخِ عِنْدَ تَقْدِيمِهِمْ بِالثَّمَنِ وَبِأَنَّ الرَّافِعِيَّ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ كَالْبَائِعِ إلَى آخِرِهِ تَعْلِيلًا لِلْإِجْبَارِ بَلْ لِمُقَابِلِهِ وَرَجَّحَ الْإِجْبَارَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقِصَارَةَ مَمْلُوكَةٌ لِلْمُفْلِسِ مَرْهُونَةٌ بِحَقِّ الْأَجِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ الْمَرْهُونَ بَعْدَ أَدَاءِ حَقِّهِ فَصَوَابُ الْعِبَارَةِ أَنْ يَزِيدَ فِي الرَّوْضَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالثَّانِي لَا كَالْبَائِعِ إلَى آخِرِهِ انْتَهَى وَعَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ الْقَصَّارَ يُجْبَرُ دُونَ الْبَائِعِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ حَقَّ الْقَصَّارِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ الرَّهْنِ، فَإِذَا أَدَّى حَقَّهُ زَالَ تَعَلُّقَهُ بِهَا فَأُجْبِرَ بِخِلَافِ حَقِّ الْبَائِعِ، وَمَا أُجِيبَ بِهِ عَنْ اعْتِرَاضِ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّ مَا هُنَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَالَ الْغُرَمَاءُ فِي الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ نُقَدِّمُك مِنْ مَالِنَا لَيْسَ بِشَيْءٍ
(فَصْلٌ وَإِنْ أَخْفَى رَجُلٌ) مَدْيُونٌ (مَالِهِ) أَيْ بَعْضَهُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ وَنَقَصَ الْمَوْجُودُ عَنْ دَيْنِهِ (فَحُجِرَ عَلَيْهِ) وَرَجَعَ الْبَائِعُ فِي عَيْنِ مَالِهِ (وَتَصَرَّفَ الْقَاضِي) فِي بَاقِي مَالِهِ بِبَيْعِهِ وَقِسْمَةِ ثَمَنِهِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ ثُمَّ (بَانَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ لَمْ يُنْقَضْ) تَصَرُّفُهُ (؛ إذْ لِلْقَاضِي بَيْعُ مَالِ الْمُمْتَنِعِ) مِنْ أَدَاءِ دَيْنِهِ وَصَرْفُهُ فِي دَيْنِهِ (وَرُجُوعُ الْبَائِعِ فِي الْعَيْنِ) الْمَبِيعَةِ (لِامْتِنَاعِ الْمُشْتَرِي) مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ (مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَقَدْ حَكَمَ) بِهِ (الْقَاضِي مُعْتَقِدُ نُفُوذِهِ) أَيْ الْحَاكِمُ أَيْ جَوَازُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ فَيُنْقَضُ تَصَرُّفُهُ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ مِنْ تَفَقُّهِ الشَّيْخَيْنِ فَإِنَّهُمَا قَالَا: فَإِذَا حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي نَفَذَ كَذَا فِي التَّتِمَّةِ، وَفِيهِ تَوَقُّفٌ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ رُبَّمَا لَا يَعْتَقِدُ جَوَازَ ذَلِكَ انْتَهَى، وَسَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ قَبْلَ الْبَابِ الثَّانِي مَا يُؤَيِّدُ التَّوَقُّفَ فَالْمُعْتَمَدُ التَّقْيِيدُ.
[كِتَاب الْحَجْرِ]
(كِتَاب الْحَجْرِ) هُوَ لُغَةً الْمَنْعُ وَشَرْعًا الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: ٦] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا} [البقرة: ٢٨٢] الْآيَةَ وَالسَّفِيهُ الْمُبَذِّرُ وَالضَّعِيفُ الصَّبِيُّ وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ وَالْحَجْرُ نَوْعَانِ نَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْغَيْرِ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ لِلْغُرَمَاءِ وَالرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْمَرْهُونِ وَالْمَرِيضِ لِلْوَرَثَةِ فِي ثُلْثَيْ مَالِهِ وَالْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ وَالْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ وَلِلَّهِ - تَعَالَى، وَالْمُرْتَدِّ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَهَا أَبْوَابٌ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا، وَبَعْضُهَا يَأْتِي وَنَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ حَجْرُ الْجُنُونِ وَالصِّبَا وَالسَّفَهِ، وَكُلٌّ مِنْهَا
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَلَا يَزِيدُ حَقُّ الْقَصَّارِ بِزِيَادَةِ رَاغِبٍ بِخِلَافِ صَاحِبِ الصَّبْغِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ غَرِيبٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْفَرْعِ أَنَّا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْقِصَارَةَ عَيْنٌ وَزَادَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَائِعِ وَالْأَجِيرِ الرُّجُوعَ إلَى عَيْنِ مَالِهِ فَجَعَلَاهُ مُسْتَحِقًّا لَهُ فَكَيْفَ يَجِيءُ هَذَا، وَاعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ أَنَّ الْأَجِيرَ يَرْجِعُ فِي زِيَادَةٍ عَلَى أُجْرَتِهِ بَلْ قَالَ هُنَاكَ: إنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُفْلِسِ اهـ وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: هَذَا لَا يُعَارِضُ مَا سَبَقَ، وَالِاسْتِدْلَالُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ مَا سَبَقَ هُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ خَمْسَةً، وَالثَّوْبُ بِعَشَرَةٍ، وَبَعْدَ الْقِصَارَةِ يُسَاوِي أَحَدَ عَشَرَ فَإِنْ فَسَخَ الْأَجِيرُ الْإِجَارَةَ فَعَشَرَةٌ لِلْبَائِعِ، وَدِرْهَمٌ لِلْأَجِيرِ، وَيُضَارِبُ بِأَرْبَعَةٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقِصَارَةَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنْ لَا يَزِيدَ الثَّوْبُ بِسَبَبِهَا فَتَتَعَيَّنُ الْمُضَارَبَةُ، وَصَاحِبُهَا فَاقِدٌ كَمَا أَنَّ صَاحِبَ الصَّبْغِ فَاقِدٌ، إذَا لَمْ تَزِدْ الْعَيْنُ
الثَّانِي أَنْ يَزِيدَ الثَّوْبُ بِمِقْدَارِ الْأُجْرَةِ أَوْ أَقَلَّ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَجِيرُ إنْ فَسَحَ فَيُضَارِبُ بِالْبَاقِي مِنْ الْأَجِرَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْصِ
الثَّالِثُ: أَنْ يَزِيدَ عَلَى قِيمَةِ الْقِصَارَةِ فَلَا شَيْءَ لِلْأَجِيرِ إلَّا مِقْدَارُ الْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ: صَوَابُهُ أَجِيرٌ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ هُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ: وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ أُجْبِرَ عَلَى الْأَصَحِّ) كَمَا يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى قَبُولِ قَبْضِ دَيْنِهِ إذَا قَالَ لَهُ الْغُرَمَاءُ: خُذْ دَيْنَك وَدَعْ الْعَيْنَ، وَكَمَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى عَدَمِ الْفَسْخِ إذَا قَالَ لَهُ الْوَارِثُ: خُذْ الثَّمَنَ مِنْ مَالِي عَلَى الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ: وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ إلَخْ) اعْتَرَضَ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّهُ لَا تَخَالُفَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ هُنَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَالَ الْغُرَمَاءُ لِلْقَصَّارِ: خُذْ أُجْرَتَك مِنْ مَالِنَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ فِي الرَّوْضَةِ كَمَا إذَا قَدَّمَهُ الْغُرَمَاءُ بِالثَّمَنِ يَعْنِي مِنْ مَالِهِمْ فَيُجْبَرُ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ وَمَا ذَكَرَهُ فِي إجْبَارِ الْبَائِعِ فِي هَذِهِ غَلَطٌ فَإِنَّ لَهُ الْفَسْخَ فِيهَا قَطْعًا.
[فَصْلٌ بِيعَ مَالُ الْمُفْلِسِ إذَا أَخْفَى رَجُلٌ مَدْيُونٌ مَالَهُ]
(كِتَابُ الْحَجْرِ) (قَوْلُهُ {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: ٦] نَبَّهَ عَلَى الْحَجْرِ بِالِابْتِلَاءِ وَكَنَّى عَنْ الْبُلُوغِ بِالنِّكَاحِ (قَوْلُهُ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ لِلْغُرَمَاءِ إلَخْ) قَدْ أَنْهَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى نَحْوِ سَبْعِينَ صُورَةً بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هَذَا بَابٌ وَاسِعٌ لَا تَنْحَصِرُ إفْرَادُ مَسَائِلِهِ (قَوْلُهُ: وَالْمَرِيضُ الْمُورَثُ فِي ثُلُثَيْ مَالِهِ) حَيْثُ لَا دَيْنَ، وَفِي جَمِيعِهَا إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقَّنِ وَالْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ كَالْقَمُولِيِّ لَكِنْ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي الْوَصَايَا أَنَّ الْمَرِيضَ لَوْ وَفَّى دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ لَمْ يُزَاحِمْهُ غَيْرُهُ إنْ وَفَّى الْمَالُ بِجَمِيعِ الدُّيُونِ وَكَذَا إنْ لَمْ يُوفِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
(قَوْلُهُ حَجْرُ الْجُنُونِ) وَبِهِ تُسْلَبُ الْوِلَايَاتُ الثَّابِتَةُ بِالشَّرْعِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ أَوْ بِالتَّفْوِيضِ كَالْإِيصَاءِ وَالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُدَبِّرْ أَمْرَ نَفْسِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَاعْتِبَارُ الْأَقْوَالِ لَهُ، وَعَلَيْهِ سَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ بِالدِّينِ كَالْإِسْلَامِ أَمْ بِالدُّنْيَا كَالْمُعَامَلَاتِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ، وَأَمَّا أَفْعَالُهُ فَمِنْهَا مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ كَإِحْبَالِهِ وَإِتْلَافِهِ