للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّحَلُّلَيْنِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَحِلُّهُ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» وَالدُّهْنُ مُلْحَقٌ بِالطِّيبِ (وَيَحْصُلُ) التَّحَلُّلُ (الثَّانِي بِالثَّالِثِ) مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ فَيَحِلُّ بِهِ بَاقِي الْمُحَرَّمَاتِ وَهِيَ الْجِمَاعُ وَمُقَدِّمَاتُهُ وَعَقْدُهُ.

(وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْوَطْءِ عَنْ رَمْيِ بَاقِي الْأَيَّامِ) أَيْ أَيَّامِ الرَّمْيِ وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ لِيَزُولَ عَنْهُ أَثَرُ الْإِحْرَامِ كَذَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ، وَلَا مَعْنَى لَهُ وَيَشْكُلُ عَلَيْهِ خَبَرُ «أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ» وَخَبَرُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أُمَّ سَلَمَةَ لِتَطُوفَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَكَانَ يَوْمَهَا فَأَحَبَّ أَنْ تُوَفِّيهِ لِيُوَاقِعَهَا» وَعَلَيْهِ بَوَّبَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَّةِ بَابِ الرَّجُلِ يَزُورُ الْبَيْتَ، ثُمَّ يُوَاقِعُ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مِنًى فَذَكَرَهُ (فَلَوْ فَاتَهُ الرَّمْيُ) أَيْ رَمْيُ يَوْمِ النَّحْرِ بِأَنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَزِمَهُ بَدَلُهُ (تَوَقَّفَ التَّحَلُّلُ عَلَى الْبَدَلِ) ، وَلَوْ صَوْمًا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ التَّوَقُّفِ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَنَقَلَ فِي الْكِفَايَةِ فِيهِ عَنْ بَعْضِهِمْ الْإِجْمَاعَ، قَالَ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ عَلَى الْأَوَّلِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمُحْصَرِ إذَا عَدِمَ الْهَدْيَ فَإِنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ تَوَقُّفِ التَّحَلُّلِ عَلَى بَدَلِهِ، وَهُوَ الصَّوْمُ قُلْنَا: الْفَرْقُ أَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَصْرِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَتَضَرَّرَ بِالْمَقَامِ عَلَى الْإِحْرَامِ فَلَوْ أَمَرْنَاهُ بِالصَّبْرِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِالْبَدَلِ لَتَضَرَّرَ، وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْمُحْصَرَ لَيْسَ لَهُ إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ فَلَوْ تَوَقَّفَ تَحَلُّلُهُ عَلَى الْبَدَلِ لَشَقَّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ عَلَى سَائِرِ مُحَرَّمَاتِ الْحَجِّ إلَى الْإِتْيَانِ بِالْبَدَلِ وَاَلَّذِي يَفُوتُهُ الرَّمْيُ يُمْكِنُهُ الشُّرُوعُ فِي التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَإِذَا أَتَى بِهِ حَلَّ لَهُ مَا عَدَا النِّكَاحَ وَمُقَدِّمَاتِهِ وَعَقْدَهُ فَلَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي الْإِقَامَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْبَدَلِ.

[فَرْعٌ التَّحَلُّل مِنْ الْعُمْرَة]

(فَرْعٌ يَحِلُّ مِنْ الْعُمْرَةِ) الْمُحْرِمُ بِهَا (بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَكَذَا الْحَلْقِ) أَوْ التَّقْصِيرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَعُدُّوا السَّعْيَ فِي الْحَجِّ مُسْتَقِلًّا كَمَا فِي الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ لَهُ فِيهِ إذْ يُمْكِنُ وُقُوعُهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِخِلَافِهِ فِي الْعُمْرَةِ (فَيُفْسِدُهَا الْجِمَاعُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْحَلْقِ لِوُقُوعِهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ (وَوَقْتُ الْحَلْقِ) لِلْمُعْتَمِرِ (بَعْدَ السَّعْيِ) فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ.

[فَصْلٌ مَبِيتُ لَيَالِي أَيَّام التَّشْرِيق وَاجِب]

(فَصْلٌ مَبِيتُ لَيَالِي مِنًى) وَهِيَ لَيَالِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (وَاجِبٌ) لِلِاتِّبَاعِ مَعَ خَبَرِ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلْعَبَّاسِ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ لِأَجْلِ السِّقَايَةِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ تَرْكُهُ (مُعْظَمَ اللَّيْلِ) كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ بِمَكَانٍ لَا يَحْنَثُ بِمَبِيتِهِ مُعْظَمَ اللَّيْلِ وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِسَاعَةٍ فِي نِصْفِ الثَّانِي بِمُزْدَلِفَةَ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَقَعَ فِيهَا بِخُصُوصِهَا إذْ بَقِيَّةُ الْمَنَاسِكِ يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِالنِّصْفِ وَهِيَ كَثِيرَةُ مَشَقَّةٍ فَسُومِحَ فِي التَّخْفِيفِ لِأَجْلِهَا (فَيَجِبُ بِتَرْكِهِ) أَيْ مَبِيتِ لَيَالِيِ مِنًى (دَمٌ) لِتَرْكِهِ الْمَبِيتَ الْوَاجِبَ كَنَظِيرِهِ تَرْكَ مَبِيتِ مُزْدَلِفَةَ (وَفِي) تَرْكِ مَبِيتِ (اللَّيْلَةِ) الْوَاحِدَةِ مِنْ لَيَالِيِ مِنًى (مُدٌّ وَاللَّيْلَتَيْنِ مُدَّانِ) مِنْ الطَّعَامِ وَفِي تَرْكِ الثَّلَاثِ مَعَ لَيْلَةِ مُزْدَلِفَةَ دَمَانِ لِاخْتِلَافِ الْمَبِيتَيْنِ زَمَانًا وَمَكَانًا وَيُفَارِقُ مَا يَأْتِي فِي تَرْكِ الرَّمْيَيْنِ بِأَنَّ تَرْكَهَا يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ مَكَانَيْنِ وَزَمَانَيْنِ وَتَرْكَ الرَّمْيَيْنِ لَا يَسْتَلْزِمُ إلَّا تَرْكَ زَمَانَيْنِ (فَلَوْ نَفَرَ مَعَ ذَلِكَ) أَيْ مَعَ تَرْكِهِ مَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ مِنْ أَيَّامِ مِنًى (فِي) الْيَوْمِ (الثَّانِي فَدَمٌ) يَلْزَمُهُ (أَوْ فِي) الْيَوْمِ (الْأَوَّلِ) وَفِي نُسْخَةٍ أَوْ فِي اللَّيْلِ أَيْ لَيْلِ الثَّالِثِ (فَدَمٌ) أَيْضًا لِتَرْكِهِ جِنْسَ الْمَبِيتِ بِمِنًى فِيهِمَا، وَلَوْ قَالَ فِي الثَّانِي أَوْ فِي الْأَوَّلِ فَدَمٌ لَكَانَ أَوْضَحَ وَأَخْصَرَ.

(وَيَسْقُطُ الْمَبِيتُ) بِمُزْدَلِفَةُ وَمِنًى (وَالدَّمُ عَنْ الرِّعَاءِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْمَدِّ (إنْ خَرَجُوا) مِنْهَا (قَبْلَ الْغُرُوبِ) «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ أَنْ يَتْرُكُوا الْمَبِيتَ بِمِنًى» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقِيسَ بِمِنًى مُزْدَلِفَةَ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجُوا قَبْلَ الْغُرُوبِ بِأَنْ كَانُوا بِهِمَا بَعْدَهُ وَلَزِمَهُمْ مَبِيتُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَالرَّمْيُ مِنْ الْغَدِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْخُرُوجِ قَبْلَ الْغُرُوبِ فِي مَبِيتِ مُزْدَلِفَةَ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَأْتِيَهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا حِينَئِذٍ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ (وَعَنْ أَهْلِ السِّقَايَةِ) بِكَسْرِ السِّينِ مَوْضِعٌ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يُسْقَى فِيهِ الْمَاءُ وَيُجْعَلُ فِي حِيَاضِ يُسَبَّلُ لِلشَّارِبِينَ (مُطْلَقًا) عَنْ تَقْيِيدِ خُرُوجِهِمْ بِقَبْلِ الْغُرُوبِ (وَلَوْ كَانَتْ) أَيْ السِّقَايَةُ (مُحْدَثَةً) «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلْعَبَّاسِ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى» لِأَجْلِ السِّقَايَةِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُ الْعَبَّاسِ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ السِّقَايَةِ فِي مَعْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَبَّاسِيًّا، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِمْ قَبْلَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ بِاللَّيْلِ بِخِلَافِ الرَّعْيِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي السِّقَايَةِ الْحَادِثَةِ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ -

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[فَرْعٌ لِلْحَجِّ تَحَلُّلَانِ]

قَوْلُهُ، وَلَوْ قَالَ فِي الثَّانِي أَوْ فِي الْأَوَّلِ فَدَمٌ إلَخْ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَلَوْ نَفَرَ مَعَ ذَلِكَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ فَدَمٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>