للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ) فَقِيَاسُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ رُجُوعٌ، وَقِيَاسُ الثَّانِي الْمَنْعُ. هَذَا وَقَدْ رَأَيْتُ الْأَصْحَابَ يُعَلِّلُونَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا. فَالْأَوْجَهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَعْلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ.

(وَلَوْ طَبَخَ) الْمُوصِي (اللَّحْمَ أَوْ شَوَاهُ أَوْ جَعَلَهُ) وَهُوَ لَا يَفْسُدُ (قَدِيدًا أَوْ) جَعَلَ (الْخُبْزَ فَتِيتًا أَوْ حَشَا بِالْقُطْنِ فِرَاشًا) أَوْ جُبَّةً (أَوْ غَزَلَهُ أَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ فَرُجُوعٌ) لِإِشْعَارِ ذَلِكَ بِالصَّرْفِ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَلِأَنَّ الْقَدِيدَ لَا يُسَمَّى لَحْمًا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا يُسَمَّى لَحْمٌ قَدِيدٌ (وَلَوْ تَمْرٌ) أَيْ جَفَّفَ (رُطَبًا أَوْ قَدَّدَ لَحْمًا قَدْ يَفْسُدُ فَلَا) يَكُونُ رُجُوعًا (فِي الْأَشْبَهِ) مِنْ وَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَوْنٌ لِلرُّطَبِ وَاللَّحْمِ عَنْ الْفَسَادِ فَلَا يُشْعِرُ بِتَغْيِيرِ الْقَصْدِ وَيُفَارِقُ خُبْزَ الْعَجِينِ عَلَى الْمَنْقُولِ بِأَنَّ فِيهِ مَعَ صَوْنِهِ عَنْ الْفَسَادِ تَهْيِئَتَهُ لِلْأَكْلِ بِخِلَافِ مَا هُنَا، وَمُقَابِلُ الْأَشْبَهِ أَنَّ ذَلِكَ رُجُوعٌ لِزَوَالِ الِاسْمِ.

(فَرْعٌ: هَدْمُ الدَّارِ الْمُبْطِلِ لِاسْمِهَا رُجُوعٌ) عَنْ الْوَصِيَّةِ (فِي النَّقْضِ) أَيْ الْمَنْقُوضِ مِنْ طُوبٍ وَخَشَبٍ (وَكَذَا فِي الْعَرْصَةِ) لِظُهُورِ ذَلِكَ فِي الصَّرْفِ عَنْ جِهَةِ الْوَصِيَّةِ (وَانْهِدَامُهَا) وَلَوْ بِهَدْمِ غَيْرِهِ (يُبْطِلُهَا فِي النَّقْضِ) بِبُطْلَانِ الِاسْمِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (فَقَطْ) أَيْ لَا فِي الْعَرْصَةِ وَالِاسْمِ إنْ بَقِيَ لِبَقَائِهِمَا بِحَالِهِمَا وَذِكْرُ حُكْمِ الِاسْمِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الصِّحَّةِ فِي الْعَرْصَةِ الْمُلْحَقِ بِهَا الِاسْمِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ تَصْحِيحِ الْمُتَوَلِّي وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّ الْقَوْلَ بِبَقَائِهَا فِي الْعَرْصَةِ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِدَارٍ فَذَهَبَ السَّيْلُ بِهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى دَارًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ: وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ الْبُطْلَانُ فِي الْجَمِيعِ هَذَا (إنْ بَطَلَ الِاسْمُ وَإلَّا بَطَلَ) الْإِيصَاءُ (فِي نَقْضِ الْمُنْهَدِم مِنْهَا) فَقَطْ. وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ فِيهِ أَيْضًا. وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ النَّصِّ وَقَطَعَ الْجُمْهُورُ (وَلَا أَثَرَ لِانْهِدَامِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ) وَقَبْلَ الْقَبُولِ وَإِنْ زَالَ اسْمُهَا بِذَلِكَ لِاسْتِقْرَارِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ وَبَقَاءِ اسْمِ الدَّارِ يَوْمَئِذٍ.

(فَرْعٌ: قَطْعُ الثَّوْبِ قَمِيصًا وَصَبْغُهُ وَقِصَارَتُهُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهَا إذَا صَدَرَ مِنْ الْمُوصِي (رُجُوعٌ) عَنْ الْوَصِيَّةِ بِهِ لِظُهُورِهِ فِي الصَّرْفِ عَنْ جِهَتِهَا (لَا غُسْلُهُ) كَتَعْلِيمِ الْعَبْدِ (وَلَا نَقْلُهُ) مِنْ مَكَانِهِ (إلَى بُعْدٍ) أَيْ مَكَان بَعِيدِ عَنْ مَكَانِ الْمُوصَى لَهُ وَلَوْ بِلَا عُذْرِ (وَلَا خِيَاطَتُهُ وَهُوَ مَقْطُوعٌ) حِينَ الْوَصِيَّةِ بِهِ إذْ لَا إشْعَارَ لِكُلٍّ مِنْهَا بِالرُّجُوعِ (وَجَعْلُ الْخَشَبِ بَابًا كَالثَّوْبِ) أَيْ كَجَعْلِهِ (قَمِيصًا) فَيَكُونُ رُجُوعًا.

(فَرْعٌ) لَوْ (أَوْصَى بِصَاعِ حِنْطَةٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ خَلَطَهُ) بِمَا يَتَعَذَّرُ تَمْيِيزُهُ مِنْهُ (فَهُوَ رُجُوعٌ) وَإِنْ خُلِطَ بِأَرْدَأَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ إمْكَانِ التَّسْلِيمِ (وَكَذَا إنْ كَانَ) الصَّاعُ (مِنْ صُبْرَةٍ وَخَلَطَهَا بِأَجْوَدَ) مِنْهَا فَإِنَّهُ رُجُوعٌ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْهَا الْوَصِيَّةُ وَلَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهَا بِدُونِهَا (لَا مِثْلِهَا) أَيْ لَا إنْ خَلَطَهَا بِمِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ شَائِعٌ مَخْلُوطٌ بِغَيْرِهِ فَلَا تَضُرُّ زِيَادَةُ خَلْطِهِ وَلَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْغَرَضُ (وَأَرْدَأَ) أَيْ وَلَا إنْ خَلَطَهَا بِأَرْدَأَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ تَغْيِيرَ الْمُوصَى بِهِ بِالنُّقْصَانِ بِخَلْطِهِ بِالْأَرْدَإِ تَعْيِيبٌ فَلَا يُؤَثِّرُ (وَإِنْ خَلَطَهَا غَيْرُهُ) أَوْ اخْتَلَطَتْ بِنَفْسِهَا وَلَوْ بِأَجْوَدَ (فَوَجْهَانِ) أَوْجَهُهَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ وَالزِّيَادَةُ الْحَاصِلَةُ بِالْجَوْدَةِ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ فَتَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ وَمَا ذَكَرَهُ لَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ اخْتِلَاطِهَا بِنَفْسِهَا فَقَالَ وَلَوْ اخْتَلَطَتْ بِنَفْسِهَا بِالْأَجْوَدِ فَعَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي نَظَائِرِهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ بَلَّهَا بِالْمَاءِ كَانَ رُجُوعًا (أَوْ) أَوْصَى (بِصَاعٍ حِنْطَةٍ وَلَمْ يَصِفْهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ الصَّاعَ أَعْطَاهُ الْوَارِثُ مِمَّا شَاءَ) مِنْ حِنْطَةِ التَّرِكَةِ إنْ كَانَ قَالَ مِنْ حِنْطَتِي وَإِلَّا فَمِنْ أَيِّ حِنْطَةٍ شَاءَ وَلَا أَثَرَ لِلْخَلْطِ فَلَوْ وَصَفَهَا وَقَالَ مِنْ حِنْطَتِي الْفُلَانِيَّةِ فَالْوَصْفُ مَرْعِيٌّ فَإِنْ بَطَلَ بِالْخَلْطِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ.

(فَرْعٌ: لَوْ أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ عَبْدِهِ) مَثَلَا (سَنَةً ثُمَّ أَجَّرَهُ سَنَةً وَمَاتَ فَوْرًا) أَيْ عَقِبَ الْإِجَارَةِ (بَطَلَتْ) وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ مَنْفَعَةُ السَّنَةِ الْأُولَى فَإِذَا انْصَرَفَتْ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ (أَوْ) مَاتَ (بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَطَلَ النِّصْفُ) الْأَوَّلُ أَيْ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِيهِ (وَلَوْ حَبَسَهُ) أَيْ الْعَبْدَ (الْوَارِثَ السَّنَةَ بِلَا عُذْرٍ غَرِمَ) لِلْمُوصَى لَهُ (الْأُجْرَةَ وَلَا أَثَرَ لِانْقِضَائِهَا) أَيْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ (قَبْلَ مَوْتِهِ) أَوْ مَعَهُ فِي بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا.

(وَلَيْسَ التَّزْوِيجُ وَالْخِتَانُ وَالتَّعْلِيمُ) وَالِاسْتِخْدَامُ (وَالْإِعَارَةُ وَالْإِجَارَةُ) لِلْمُوصَى بِهِ (وَالرُّكُوبُ) لِلْمَرْكُوبِ (وَاللُّبْسُ) لِلثَّوْبِ (وَالْإِذْنُ) لِلرَّقِيقِ (فِي التِّجَارَةِ رُجُوعًا) إذْ لَا إشْعَارَ لَهَا بِهِ بَلْ هِيَ إمَّا انْتِفَاعٌ وَلَهُ الْمَنْفَعَةُ وَالرَّقَبَةُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَإِمَّا اسْتِصْلَاحٌ مَحْضٌ وَرُبَّمَا قَصَدَ بِهِ إفَادَةَ الْمُوصِي -

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

مَالًا وَكَانَ قَبْل الدَّبْغِ يُسَمَّى إهَابًا وَبَعْدَهُ يُسَمَّى أَدِيمًا فَتَغَيَّرَ الِاسْمُ م (قَوْلُهُ فَالْأَوْجَهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَعْلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ حَشَا بِالْقُطْنِ فِرَاشًا) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَوْصَى بِالْفِرَاشِ وَالْجُبَّةِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْقُطْنِ فَلَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَصَدَ إصْلَاحَهُمَا لَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَمْرٌ رُطَبًا) أَوْ عِنَبًا (قَوْلُهُ أَوْ قَدَّدَ لَحْمًا إلَخْ) أَوْ ثَوْبًا فَغَسَلَهُ أَوْ كَانَ مَقْطُوعًا فَخَاطَهُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَوْنُ الرُّطَبِ وَاللَّحْمِ عَنْ الْفَسَادَ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ قَدْ يُقَالُ مِثْلَ هَذَا فِيمَا لَوْ مَرِضَتْ الشَّاةُ أَوْ جُرِحَتْ وَخِيفَ مَوْتُهَا فَذَبَحَهَا خَشْيَةَ مَوْتِهَا.

[فَرْعٌ هَدْمُ الدَّارِ الْمُبْطِلِ لِاسْمِهَا رُجُوع فِي الْوَصِيَّة]

(قَوْلُهُ: فَرْعٌ هَدْمُ الدَّارِ إلَخْ) لَوْ أَوْصَى بِدَارٍ ثُمَّ بَنَى عَلَيْهَا لِلْمُوصِي بَيْتًا آخَرَ فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّا نَقُولُ حَيْثُ أَبْطَلْنَا الْوَصِيَّةَ فِيمَا يَنْفَصِلُ بِالِانْهِدَامِ فَالْبَيْتُ الْمُلْحَقُ خَارِجٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَحَيْثُ قُلْنَا لَا تَبْطُلُ فَالْبَيْتُ الْمُلْحَقُ لِلْمُوصَى لَهُ قَالَهُ فِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ.

[فَرْعٌ أَوْصَى بِصَاعِ حِنْطَةٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ خَلَطَهُ بِمَا يَتَعَذَّرُ تَمْيِيزُهُ مِنْهُ]

(قَوْلُهُ أَوْجَهُهُمَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إذَا خَلَطَهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا.

[فَرْعٌ أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ عَبْدِهِ مَثَلَا سَنَةً ثُمَّ أَجَّرَهُ سَنَةً وَمَاتَ فَوْرًا]

(قَوْلُهُ فَإِذَا انْصَرَفَتْ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِاسْتِغْرَاقِ الْإِجَارَةِ مُدَّةَ الْوَصِيَّةِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَ الْعَيْنَ مُدَّةً طَوِيلَةً لَا يَعِيشُ إلَيْهَا الْمُوصَى لَهُ غَالِبًا كَانَ رَاجِعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>