للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكْمَهُ) أَوْ لَا (وَجْهَانِ) أَصَحُّهُمَا فِي الْأَنْوَارِ الْأَوَّلُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْأَشْبَهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِمْ كُلُّ مِنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى لَوْ أَقَرَّ بِمَطْلُوبِهَا لَزِمَهُ حَلِفٌ

(الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي الْإِكْرَامِ) لَهُمَا (وَ) جَوَابُ (السَّلَامِ) عَلَيْهِمَا (وَالنَّظَرُ) إلَيْهِمَا (وَغَيْرُهُ) مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِكْرَامِ كَاسْتِمَاعٍ وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ وَقِيَامٍ لَهُمَا فَلَا يُخَصُّ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَصَّ بِفَضِيلَةٍ لِئَلَّا يَنْكَسِرَ قَلْبُ الْآخَرِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ إقَامَةِ حُجَّتِهِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَعَثَهُ قَاضِيًا إلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ إذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْك الْخَصْمَانِ فَلَا تَقْضِ حَتَّى تَسْمَعَ مِنْ الْآخَرِ كَمَا سَمِعْت مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُبَيَّنَ لَك الْقَضَاءُ» وَعَطْفُ مَا بَعْدَ الْإِكْرَامِ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (فَإِنْ سَلَّمَ) عَلَيْهِ (أَحَدُهُمَا انْتَظَرَ الْآخَرُ أَوْ قَالَ لَهُ سَلِّمْ لِيُجِيبَهُمَا) مَعًا إذَا سَلَّمَ وَكَأَنَّهُمْ احْتَمَلُوا هَذَا الْفَصْلَ لِئَلَّا يَبْطُلَ مَعْنَى التَّسْوِيَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَرُدُّهُ عَلَى الْمُسَلِّمِ وَحْدَهُ فِي الْحَالِ ثَانِيهِمَا بَعْدَ الْحُكْمِ ثَالِثُهَا يَرُدُّهُ عَلَيْهِمَا مَعًا فِي الْحَالِ وَلَمْ يَحْكِ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ وَجْهًا بَلْ عَزَاهُ لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَصْحَابِنَا.

وَالْمُخْتَارُ مَا مَالَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مِنْ وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَشُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ ثُمَّ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ هُنَا لَا يُوَافِقُ مَا جَزَمَا بِهِ فِي السِّيَرِ مِنْ أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةُ كِفَايَةٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ ارْتَكَبُوا ذَلِكَ هُنَا حَذَرًا مِنْ التَّخْصِيصِ وَتَوَهُّمِ الْمَيْلِ وَلَا يَرْتَفِعُ الْمُوَكِّلُ عَنْ الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ أَيْضًا بِدَلِيلِ تَحْلِيفِهِ إذَا وَجَبَتْ يَمِينٌ حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الزَّبِيلِيِّ وَأَقَرَّهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ حَسَنٌ وَالْبَلْوَى بِهِ عَامَّةٌ وَقَدْ رَأَيْنَا مَنْ يُوَكِّلُ فِرَارًا مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ (وَيَرْفَعُ فِي الْمَجْلِسِ) جَوَازًا (مُسْلِمًا عَلَى كَافِرٍ) بِأَنْ يُجْلِسَ مَثَلًا الْمُسْلِمَ أَقْرَبَ إلَيْهِ كَمَا جَلَسَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِجَنْبِ شُرَيْحٍ فِي خُصُومَةٍ لَهُ مَعَ يَهُودِيٍّ وَقَالَ لَوْ كَانَ خَصْمِي مُسْلِمًا لَجَلَسْت مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْك وَلَكِنِّي سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تُسَاوُوهُمْ فِي الْمَجْلِسِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ.

وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَيُشْبِهُ أَنْ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ أَصَحُّهُمَا فِي الْأَنْوَارِ الْأَوَّلُ) وَهُوَ الرَّاجِحُ

[الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ]

(الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ) (قَوْلُهُ وَطَلَاقَةُ وَجْهٍ) أَيْ وَدُخُولٌ عَلَيْهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا جَاءَ مَعًا وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي إلَّا خَصْمٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْقَاضِي وَدَخَلَ فِي حَاجَتِهِ فَإِنْ حَضَرَ بِطَلَبِ إحْضَارِ خَصْمِهِ أَدْخَلَهُ وَلَوْ كَانَ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقَامَ دَعْوَى وَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي خُصُومٌ فَدَخَلَ مَعَ أَحَدِهِمْ وَتَأَخَّرَ الْبَاقُونَ لَمْ يُمْنَعْ ذَلِكَ وَفِي الْأُمِّ وَإِذَا قُدِّمَ الَّذِي جَاءَ أَوَّلًا وَخَصْمُهُ وَكَانَ لَهُ خُصُومٌ فَأَرَادُوا أَنْ يَتَقَدَّمُوا مَعَهُ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَسْتَمِعَ إلَّا مِنْهُ وَمِنْ خَصْمٍ وَاحِدٍ فَإِذَا فَرَغَا أَقَامَهُ وَدَعَا الَّذِي جَاءَ بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ كَبِيرُ أَخْذٍ قَالَ وَفِي النَّصِّ الْإِشَارَةُ إلَى مَا قَرَّرْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْقَاضِي مِمَّنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ لِمَصْلَحَةٍ فَعَرَضَتْ لَهُ بِهِ حَاجَةٌ فَطَلَبَ لَهَا لَمْ يَحْرُمْ لَكِنْ الْأَوْلَى لِلْقَاضِي إذَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ مَعَ خَصْمٍ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ طَلَبِهِ ذَلِكَ الْوَقْفَ حَتَّى تَنْفَصِلَ الْخُصُومَةُ قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ.

(قَوْلُهُ وَقِيَامٌ لَهُمَا) أَيْ إمَّا أَنْ يَقُومَ لَهُمَا أَوْ يَتْرُكَهُ لَهُمَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ عِنْدِي أَنَّهُ يُكْرَهُ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا شَرِيفًا وَالْآخَرُ وَضِيعًا فَإِذَا قَامَ عَلِمَا أَنَّهُ إنَّمَا قَامَ لِلشَّرِيفِ فَتَرْكُ الْقِيَامِ لَهُمَا أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ وَأَنْفَى لِلتُّهْمَةِ وَعَلَى هَذَا جَرَى سُنَنُ الْحُكَّامِ الْمَاضِينَ فَإِنْ دَخَلَ ذُو هَيْئَةٍ فَقَامَ لَهُ ظَنًّا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي خُصُومَةٍ فَإِمَّا أَنْ يَقُومَ لِخَصْمِهِ كَقِيَامِهِ لَهُ أَيْ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُقَامُ لَهُ وَإِمَّا أَنْ يَعْتَذِرَ بِأَنَّهُ لَمْ يَشْعُرْ بِمَجِيئِهِ مُخَاصِمًا حَكَاهُ عَنْهُ فِي الْمَطْلَبِ قَالَ، وَهُوَ يُؤْخَذُ مِنْ مَنْعِهِ مِنْ ضِيَافَةِ الْخَصْمَيْنِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ يُعْتَادُ الْقِيَامُ لَهُ دُونَ الْآخَرِ فَيَنْبَغِي تَرْكُ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَامَ عِنْدَ دُخُولِهِمَا ظَهَرَ لِلْحَاضِرِينَ وَلِلْخَصْمِ أَنَّ الْقِيَامَ إنَّمَا هُوَ لِلْكَبِيرِ فَلَا تَحْصُلُ التَّسْوِيَةُ قَالَ وَهَذَا أَخَصُّ مِمَّا قَالَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ وَقَوْلُهُ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إذَا كَانَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَلَا يُخَصُّ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) ، وَإِنْ اخْتَصَّ بِفَضِيلَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: ١٣٥] قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ نَزَلَتْ فِي الْخَصْمَيْنِ يَجْلِسَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي فَيَلْوِي عَنْ أَحَدِهِمَا وَيُقْبِلُ عَلَى الْآخَرِ

(تَنْبِيهٌ) فِي الْأَمْثِلَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْأَفْعَالِ دُونَ الْقَلْبِ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَالَ فَإِنْ كَانَ يَمِيلُ إلَى أَحَدِهِمَا بِقَلْبِهِ وَيُحِبُّ أَنْ يُلْحِنَ بِحُجَّتِهِ عَلَى الْآخَرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا تُمْكِنُهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الْأَفْعَالِ دُونَ الْقَلْبِ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَالَ فَإِنْ كَانَ يَمِيلُ إلَى أَحَدِهِمَا بِقَلْبِهِ وَيُحِبُّ أَنْ يُلْحِنَ بِحُجَّتِهِ عَلَى الْآخَرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا تُمْكِنُهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ وَمَجْلِسٌ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُمَا قَائِمَيْنِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ لَا يَسْتَمِعُ الدَّعْوَى وَهُمَا قَائِمَانِ حَتَّى يَجْلِسَا بَيْنَ يَدَيْهِ اهـ مَا ذَكَرَهُ هُوَ الْأَوْلَى وَالْأَدَبُ (قَوْلُهُ فَإِنْ سَلَّمَ أَحَدُهُمَا انْتَظَرَ الْآخَرُ إلَخْ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرُدُّ السَّلَامَ وَيُوَجِّهُهُ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةُ كِفَايَةٍ فَإِذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا فَقَدْ قَامَ بِالسُّنَّةِ عَنْ الْآخَرِ فَجَوَابُ الْحَاكِمِ رَدٌّ عَلَى الْمُسَلِّمِ حَقِيقَةً وَعَلَى الْآخَرِ حُكْمًا. اهـ. وَالصَّحِيحُ مَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ) فَتَلَخَّصَ أَنَّ مَا نَسَبَهُ الرَّافِعِيُّ إلَى الْأَصْحَابِ غَلَطٌ أَوْقَعَهُ فِيهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ التَّابِعُ لِلْقَاضِي. اهـ. جَزَمَ بِهِ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيِّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ مِنْ أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةُ كِفَايَةٍ) فَإِذَا حَضَرَ جَمَاعَةٌ وَسَلَّمَ أَحَدُهُمْ كَفَى عَنْ سَلَامِ الْبَاقِينَ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَرْتَفِعُ الْمُوَكِّلُ عَنْ الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ إلَخْ) نَعَمْ لَوْ وَكَّلَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَكِيلًا وَحَضَرَ الْأَرْبَعَةُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ جَلَسَ الْخَصْمَانِ عَلَى السَّوَاءِ وَجَلَسَ الْوَكِيلَانِ فِي مَجْلِسٍ دُونَهُمَا أَوْ جَلَسَ الْخَصْمَانِ وَقَامَ الْوَكِيلَانِ أَنَّهُ يَجُوزُ غ وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ بِأَنْ يُجْلِسُ مَثَلًا الْمُسْلِمَ أَقْرَبَ إلَيْهِ) فَإِنْ تَحَاكَمَا مِنْ قِيَامٍ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ قُدِّمَ الْمُسْلِمُ عَلَيْهِ فِي الْمَوْقِفِ وَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ فِي حَالِ دُخُولِهِمَا جَمِيعًا بِخُطُوَاتٍ مَثَلًا (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَيُشْبِهُ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>