للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَلِأَنَّ عَزْمَهُ عَلَى الْعَوْدِ إلَى الْقِتَالِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ (وَالْمُتَحَرِّفُ مَنْ يَخْرُجُ) مِنْ الصَّفِّ (لِيَكْمُنَ) بِمَوْضِعٍ وَيَهْجُمَ (أَوْ يَنْحَرِفَ إلَى مَوْضِعٍ أَصْلَحَ لِلْقِتَالِ) كَأَنْ يَفِرَّ مِنْ مَضِيقٍ لِيَتْبَعَهُ الْعَدُوُّ إلَى مُتَّسِعٍ سَهْلٍ لِلْقِتَالِ أَوْ يَنْصَرِفَ مِنْ مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ أَوْ الرِّيحِ إلَى مَحَلٍّ يَسْهُلُ فِيهِ الْقِتَالُ (وَالْمُتَحَيِّزُ مَنْ يَقْصِدُ الِاسْتِنْجَادَ بِفِئَةٍ) لِلْقِتَالِ (سَوَاءٌ قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ بَعُدَتْ أَوْ قَرُبَتْ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ بَعُدْت قَالَ فِي الْأَصْلِ وَمَنْ عَجَزَ بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ أَوْ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ سِلَاحٌ فَلَهُ الِانْصِرَافُ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ أَيْضًا فِي الطَّرَفِ الثَّانِي مِنْ الْبَابِ السَّابِقِ.

(وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ فَرَّ) لِعَجْزٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ (قَصْدُ التَّحَيُّزِ) أَوْ التَّحَرُّفِ لِيَخْرُجَ عَنْ صُورَةِ الْفِرَارِ الْمُحَرَّمِ وَهَذَا قَدَّمَهُ فِي الْعَجْزِ ثُمَّ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالِاسْتِحْبَابِ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَلِّيَ مُنْحَرِفًا أَوْ مُتَحَيِّزًا.

(وَلَيْسَ لِمُتَحَيِّزٍ بَعْدُ) فِي تَحَيُّزِهِ إلَى فِئَةٍ (حَقٌّ فِيمَا يَغْنَمَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ تَحَيُّزِهِ لِعَدَمِ نُصْرَتِهِ بِخِلَافِ مَا يَغْنَمُ قَبْلَ تَحَيُّزِهِ لِبَقَائِهَا وَبِخِلَافِ الْمُتَحَيِّزِ إلَى فِئَةٍ قَرِيبَةٍ يُشَارِكُ فِيمَا غَنِمَ مُطْلَقًا لِذَلِكَ فَهُوَ كَالسَّرِيَّةِ الْقَرِيبَةِ تُشَارِكُ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَهُ وَالْمُرَادُ بِالْقَرِيبَةِ أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ يُدْرِكُ غَوْثَهَا الْمُتَحَيِّزُ عَنْهَا عِنْدَ الِاسْتِغَاثَةِ.

(وَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ) لِيُقَاتِلَ (مَعَ الْفِئَةِ) ؛ لِأَنَّ عَزْمَهُ الْعَوْدَ لِذَلِكَ رَخَّصَ لَهُ الِانْصِرَافَ فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ بَعْدُ وَالْجِهَادُ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ.

(وَلَوْ ذَهَبَ سِلَاحُهُ وَأَمْكَنَهُ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ لَمْ يَنْصَرِفْ) عَنْ الصَّفِّ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّمْيُ بِهَا.

(أَوْ) ذَهَبَ (فَرَسُهُ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّرَجُّلِ) أَيْ عَلَى قِتَالِهِ رَاجِلًا (انْصَرَفَ) جَوَازًا أَوْ وُجُوبًا عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ.

(وَإِنْ زَادُوا) أَيْ الْكُفَّارُ (عَلَى الضِّعْفِ وَرُجِيَ الظَّفَرُ) بِأَنْ ظَنَنَّاهُ إنْ ثَبَتْنَا (اُسْتُحِبَّ) لَنَا (الثَّبَاتُ وَلَوْ غَلَبَ) عَلَى ظَنِّنَا (الْهَلَاكُ بِلَا نِكَايَةٍ فِيهِمْ وَجَبَ) عَلَيْنَا (الْفِرَارُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] (أَوْ بِنِكَايَةٍ) فِيهِمْ (اُسْتُحِبَّ) لَنَا الْفِرَارُ.

(وَيَحْرُمُ انْصِرَافُ مِائَةِ بَطَلٍ) مِنَّا (عَنْ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدٍ) مِنْهُمْ (ضُعَفَاءَ لَا مِائَةٍ ضُعَفَاءَ مِنَّا عَنْ مِائَةٍ وَتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَطَلًا) مِنْهُمْ نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَإِنَّمَا نُرَاعِي الْعَدَدَ عِنْدَ تَقَارُبِ الْأَوْصَافِ وَظَاهِرٌ أَنَّ ذِكْرَ الْوَاحِدِ مِثَالٌ وَالْعِبْرَةُ بِأَنْ يَكُونَ مَعَنَا مِنْ الْقُوَّةِ مَا يَغْلِبُ بِهِ الظَّنُّ أَنَّا نُقَاوِمُ مَنْ بِإِزَائِنَا مِنْ الْعَدُوِّ وَنَرْجُو الظَّفَرَ بِهِ وَبِالْعَكْسِ.

(وَهَلْ لِرَجَّالَةٍ عِنْدَ الْفُرْسَانِ كَالضُّعَفَاءِ عِنْدَ الْأَبْطَالِ أَوْ يَسْتَوُونَ، فِيهِ تَرَدُّدٌ) أَخَذَهُ مِنْ بَحْثِ الرَّوْضَةِ حَيْثُ نَقَلَ فِيهَا عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ أَنَّهُ تَجُوزُ الْهَزِيمَةُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ الْمِثْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ فُرْسَانًا وَالْكُفَّارُ رَجَّالَةً وَيَحْرُمُ مِنْ الْمِثْلَيْنِ وَإِنْ كَانُوا بِالْعَكْسِ ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ أَيْ فِي الضُّعَفَاءِ مَعَ الْأَبْطَالِ فِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمَعْنَى أَوْ بِالْعَدَدِ.

(فَرْعٌ الثَّبَاتُ) إنَّمَا هُوَ (مَشْرُوطٌ فِي الْجَمَاعَةِ فَإِنْ لَقِيَ مُسْلِمٌ) شَخْصَيْنِ (مُشْرِكَيْنِ جَازَ) لَهُ (الْفِرَارُ) مِنْهُمَا (ولَوْ طَلَبَهُمَا) هُوَ وَلَمْ يَطْلُبَاهُ.

(وَإِنْ تَحَصَّنَتْ الْجَمَاعَةُ قَبْلَ اللِّقَاءِ فِي قَلْعَةٍ حَتَّى يَجِيءَ) لَهُمْ (مَدَدٌ جَازَ) أَيْ لَوْ قَصَدَ الْكُفَّارُ بَلَدًا فَتَحَصَّنَ أَهْلُهُ إلَى أَنْ يَجِدُوا قُوَّةً وَمَدَدًا لَمْ يَأْثَمُوا إنَّمَا الْإِثْمُ عَلَى مَنْ فَرَّ بَعْدَ اللِّقَاءِ.

[فَصْلٌ الْمُبَارَزَةُ لِلْقِتَالِ]

(فَصْلٌ الْمُبَارَزَةُ) لِلْقِتَالِ وَهِيَ ظُهُورُ اثْنَيْنِ مِنْ الصَّفَّيْنِ لِلْقِتَالِ (مُبَاحَةٌ) لَنَا؛ لِأَنَّ «عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ وَابْنَيْ عَفْرَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ سَمِعَتْ أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ قَسَمًا أَنَّ {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: ١٩] نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ وَعُبَيْدَةِ بْنِ الْحَارِثِ وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ.

(فَإِنْ طَلَبَهَا كَافِرٌ اُسْتُحِبَّ لِمَنْ فِيهِ قُوَّةٌ) بِأَنْ عَرَفَهَا مِنْ نَفْسِهِ (مُبَارَزَتُهُ) ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهَا حِينَئِذٍ إضْعَافًا لَنَا وَتَقْوِيَةً لَهُمْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِحْبَابِ أَنْ لَا يَدْخُلَ بِقَتْلِهِ ضَرَرٌ عَلَيْنَا بِهَزِيمَةٍ تَحْصُلُ لَنَا لِكَوْنِهِ كَبِيرَنَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ عَبْدًا وَلَا فَرْعًا مَأْذُونًا لَهُمَا فِي الْجِهَادِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالْإِذْنِ فِي الْبَرَازِ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ لَهُمَا ابْتِدَاءً وَإِجَابَةً وَمِثْلُهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ الْمَدِينُ (وَكُرِهَتْ) مُبَارَزَتُهُ (لِغَيْرِهِ) أَيْ لِغَيْرِ مَنْ فِيهِ قُوَّةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ لَنَا بِهِ ضَعْفٌ.

(وَلَوْ بَارَزَ) مُسْلِمٌ (بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ كُرِهَ) ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ نَظَرًا فِي تَعْيِينِ الْأَبْطَالِ، وَذِكْرُ الْكَرَاهَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ.

(وَيُكْرَهُ نَقْلُ رُءُوسِ الْكُفَّارِ) وَنَحْوِهَا مِنْ بِلَادِهِمْ (إلَى بِلَادِنَا) لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ «أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْكَرَ عَلَى

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

عَلَيْهَا وَلَا يَجِبُ فِعْلُهَا سِوَى الْفَارِّ مِنْ الصَّفِّ يَقْصِدُ التَّحَيُّزَ إلَى فِئَةٍ يَجُوزُ وَإِذَا تَحَيَّزَ إلَيْهَا لَا يَلْزَمُ الْقِتَالُ مَعَهَا فِي الْأَصَحِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ أَرَ تَصْرِيحًا بِبَيَانِ الْقَرِيبَةِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ الْقَرِيبَةُ مَنْ يُمْكِنُ كُرْهًا وَالِاسْتِنْجَادُ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْعُرْفِ فِي الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ شَيْخُنَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ الْجَزْمُ بِهِ

(قَوْلُهُ: لَا مِائَةٍ ضُعَفَاءَ مِنَّا عَنْ مِائَةٍ وَتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ إنَّ تَكَلُّفَ هَذَا الْمِثَالِ تَبَعًا لِلْبَسِيطِ مَعَ إمْكَانِ التَّعْبِيرِ بِالْمِائَتَيْنِ ذُهُولٌ عَنْ جَوَازِ الِانْصِرَافِ عَنْ الضَّعْفِ اهـ جَوَازُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَعْبِيرِهِمَا وَلَوْ عَبَّرَا بِالْمِائَتَيْنِ لَمْ يُسْتَفَدْ مِنْهُ حُكْمُ مَا ذَكَرَاهُ فَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الذُّهُولُ (قَوْله بَطَلًا مِنْهُمْ) وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ ضُعَفَائِهِمْ وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ وَالصَّوَابُ مِنْ أَبْطَالِهِمْ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرٌ أَنَّ ذِكْرَ الْوَاحِدِ مِثَالٌ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ: أَوْ يَسْتَوُونَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

[فَرْعٌ الثَّبَاتُ فِي الْجِهَاد]

(قَوْلُهُ: الْمُبَارَزَةُ مُبَاحَةٌ) أَيْ فَلَيْسَتْ مَكْرُوهَةً

(قَوْلُهُ: فَإِنْ طَلَبَهَا كَافِرٌ اُسْتُحِبَّ لِمَنْ فِيهِ قُوَّةٌ مُبَارَزَتُهُ) أَيْ إذَا أَذِنَ لَهُ فِيهَا الْإِمَامُ (قَوْلُهُ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِحْبَابِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ: فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَارِزَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِالْكَرَاهَةِ خَاصَّةً. اهـ. وَالرَّاجِحُ عَدَمُ الْجَوَازِ

(قَوْلُهُ: قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ الْمَدِينُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَلْ الْإِذْنُ فِي الْقِتَالِ يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ وَقَدْ لَا يَكُونُ الْآذِنَ حَاضِرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>