للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ (فَإِنْ أَشَلَّ الرِّجْلَيْنِ) مِنْهُ (بِذَلِكَ) أَيْ بِكَسْرِ صُلْبِهِ (أَوْ) أَشَلَّ (ذَكَرَهُ فَدِيَةٌ) فِي الْإِشْلَالِ (وَحُكُومَةٌ فِي) كَسْرِ (الصُّلْبِ) ، وَفَارَقَتْ مَا قَبْلَهَا بِأَنَّ ذَهَابَ الْمَشْيِ فِي الْأُولَى لِخَلَلِ الصُّلْبِ فَلَا يُفْرَدُ بِحُكُومَةٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ لِشَلَلِ الرِّجْلِ فَأَفْرَدَ كَسْرَ الصُّلْبِ بِحُكُومَةٍ (وَلَوْ ذَهَبَ) بِكَسْرِ صُلْبِهِ (مَشْيُهُ، وَإِمْنَاؤُهُ) أَوْ وَجِمَاعُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ، وَعَبَّرَ بَدَلَ الْإِمْنَاءِ بِالْمَنِيِّ (فَدِيَتَانِ) تَجِبَانِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ؛ وَلِأَنَّ الْمَشْيَ فِي الرِّجْلِ لَا فِي الصُّلْبِ، وَالْمَنِيُّ لَيْسَ مُسْتَقَرًّا فِي الصُّلْبِ، وَلَا لَهُ مَحَلٌّ مَخْصُوصٌ مِنْ الْبَدَنِ، وَإِنَّمَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الْأَغْذِيَةِ الصَّحِيحَةِ (وَيُمْتَحَنُ) مَنْ ادَّعَى ذَهَابَ مَشْيِهِ (بِأَنْ يُفَاجَأَ بِمُهْلِكٍ) كَسَيْفٍ فَإِنْ مَشَى عَلِمْنَا كَذِبَهُ، وَإِلَّا حَلَفَ، وَأَخَذَ الدِّيَةَ.

[فَصْلٌ فُعِلَ بِهِ مُوجِبُ دِيَاتٍ وَانْدَمَلَتْ فَحَزَّ رَقَبَتِهِ]

(فَصْلٌ) لَوْ (فُعِلَ بِهِ مُوجِبُ دِيَاتٍ) مِنْ إزَالَةِ أَطْرَافٍ وَنَحْوِهَا (وَانْدَمَلَتْ) جِرَاحَتُهُ (فَحَزَّهُ) مِنْ رَقَبَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا (لَزِمَتْهُ) الدِّيَاتُ (مَعَ دِيَةِ النَّفْسِ) لِاسْتِقْرَارِ دِيَاتِ الْأَطْرَافِ بِالِانْدِمَالِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ تَنْدَمِلْ، وَمَاتَ بِسُقُوطِهِ مِنْ سَطْحٍ وَنَحْوِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اعْتِبَارِ التَّبَرُّعِ فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ مِنْ الثُّلُثِ لَوْ مَاتَ بِذَلِكَ بِأَنَّ التَّبَرُّعَ صَدَرَ عِنْدَ الْخَوْفِ مِنْ الْمَوْتِ فَاسْتَمَرَّ حُكْمُهُ (وَإِنْ مَاتَ مِنْهَا) أَوْ مِنْ بَعْضِهَا كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنْ سَرَتْ إلَى النَّفْسِ (فَالدِّيَةُ) لِلنَّفْسِ وَاجِبَةٌ وَسَقَطَ بَدَلُ الْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَفْسًا (أَوْ حَزَّهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ وَاتَّفَقَتْ) أَيْ الْجِنَايَاتُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ (فَالدِّيَةُ) تَجِبُ لِلنَّفْسِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ بَدَلَ الْأَطْرَافِ فَيَدْخُلُ فِيهَا بَدَلُهَا كَالسِّرَايَةِ؛ وَلِأَنَّ السِّرَايَةَ إذَا لَمْ تَنْقَطِعْ بِالِانْدِمَالِ كَانَتْ الْجِنَايَاتُ كُلُّهَا قَتْلًا وَاحِدًا، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا لَوْ قَطَعَ أَطْرَافَ حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ وَسَرَتْ الْجِنَايَةُ إلَى النَّفْسِ أَوْ عَادَ فَقَتَلَهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ حَيْثُ تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ مَوْتِهِ، وَلَا يَنْدَرِجُ فِيهَا قِيمَةُ أَطْرَافِهِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِمَا نَقَصَ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِالْكَمَالِ وَالنُّقْصَانِ وَالْآدَمِيُّ مَضْمُونٌ بِمُقَدَّرٍ، وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ فِي ضَمَانِهِ التَّعَبُّدُ (فَلَوْ كَانَتْ) أَيْ الْجِنَايَاتُ (خَطَأً أَوْ عَمْدًا) أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ (دَخَلَتْ الْأَطْرَافُ) أَيْ دِيَتُهَا (فِي) دِيَةِ (النَّفْسِ، وَلَا يَتَدَاخَلُ الْخَطَأُ وَالْعَمْدُ) لِاخْتِلَافِهِمَا وَاخْتِلَافِ مَنْ يَجِبَانِ عَلَيْهِ (فَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ خَطَأً ثُمَّ حَزَّهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ عَمْدًا، وَعَفَا الْوَلِيُّ) عَنْ الْقِصَاصِ (فَلَهُ نِصْفُ دِيَةِ الْخَطَأِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مُخَفَّفَةٌ، وَدِيَةُ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ) .

وَإِنْ قَتَلَهُ قِصَاصًا فَلَهُ نِصْفُ دِيَةِ الْيَدِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مُخَفَّفَةٌ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ خَطَأً قَبْلَ الِانْدِمَالِ فَلِلْوَلِيِّ قَطْعُ يَدِهِ، وَدِيَةُ النَّفْسِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مُخَفَّفَةٌ، وَإِنْ عُفِيَ عَنْ الْقَطْعِ فَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ لِلْيَدِ، وَدِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِلنَّفْسِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ.

(الْبَابُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ الْحُكُومَاتِ وَالْجِنَايَةِ عَلَى الرَّقِيقِ، وَفِيهِ طَرَفَانِ) (الْأَوَّلُ الْحُكُومَةُ) هِيَ فُعُولَةٌ مِنْ الْحُكْمِ لِاسْتِقْرَارِهَا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ (وَهِيَ جُزْءٌ) مِنْ الدِّيَةِ (نِسْبَتُهُ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ) أَيْ نَفْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إلَيْهَا (نِسْبَةُ مَا نَقَصَ) بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ (مِنْ قِيمَتِهِ) إلَيْهَا (بِفَرْضِ الرِّقِّ) أَيْ بِفَرْضِهِ رَقِيقًا إذْ الْحُرُّ لَا قِيمَةَ لَهُ وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَوَّمَ بَعْدَ بُرْئِهِ سَلِيمًا مِنْ أَثَرِ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يُقَوَّمَ، وَبِهِ أَثَرُهَا، وَيُنْظَرَ إلَى التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَهَا مِائَةً، وَبَعْدَهَا تِسْعِينَ فَالتَّفَاوُتُ عُشْرٌ فَيَجِبُ عُشْرُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ مَضْمُونَةٌ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ فَتُضْمَنُ الْأَجْزَاءُ بِالْأَجْزَاءِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ عَيْبِ الْمَبِيعِ وَلِلْحَاجَةِ فِي مَعْرِفَةِ الْحُكُومَةِ إلَى تَقْدِيرِ الرِّقِّ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْعَبْدُ أَصْلُ الْحُرِّ فِي الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَا يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا كَمَا أَنَّ الْحُرَّ أَصْلُ الْعَبْدِ فِي الْجِنَايَاتِ الَّتِي يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا (وَتَجِبُ) الْحُكُومَةُ (إبِلًا) لَا نَقْدًا كَالدِّيَةِ، وَأَمَّا التَّقْوِيمُ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ بِالنَّقْدِ لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ بِالْإِبِلِ فَقَالَ فِي إذْهَابِ الْعُذْرَةِ فَيُقَالُ لَوْ كَانَتْ أَمَةً تُسَاوِي خَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ كَمْ يُنْقِصُهَا ذَهَابُ الْعُذْرَةِ مِنْ الْقِيمَةِ فَإِنْ قِيلَ الْعُشْرُ وَجَبَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَإِنْ قِيلَ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ وَجَبَ، حَكَاهُ الْبُلْقِينِيُّ ثُمَّ قَالَ، وَهُوَ جَارٍ عَلَى أَصْلِهِ فِي الدِّيَاتِ أَنَّ الْإِبِلَ هِيَ الْأَصْلُ. انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يُوصِلُ إلَى الْغَرَضِ.

(وَلَا

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اعْتِبَارِ التَّبَرُّعِ إلَخْ) قَالَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ. اهـ. قَدْ تَعَرَّضُوا لَهُ فِي تَعْلِيلِهِمْ التَّدَاخُلَ لِلسِّرَايَةِ وَحَزِّ الْجَانِي قَبْلَ الْبُرْءِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَنْشَأَ مِنْ الْجَانِي قَبْلَ تَقَرُّرِ بَدَلِ الْجِنَايَاتِ السَّابِقَةِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَتَى بِهَا وَبِالْحَزِّ مَعًا، وَفِي قَوْلِهِمْ لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَمَاتَ فَقَالَ الْجَانِي مَاتَ بِالسِّرَايَةِ أَوْ قَتَلْته أَنَا قَبْلَ الِانْدِمَالِ فَعَلَيَّ دِيَةٌ، وَقَالَ الْوَلِيُّ بَلْ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ كَأَنْ قَالَ قَتَلَ نَفْسَهُ أَوْ قَتَلَهُ آخَرُ أَوْ شَرِبَ سُمًّا مُوحِيًا صُدِّقَ الْوَلِيُّ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الدِّيَتَيْنِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ ذَلِكَ التَّعْلِيلَ لَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ السُّقُوطِ، وَأَنَّ السُّقُوطَ سَبَبٌ آخَرُ س (قَوْلُهُ:، وَإِنْ مَاتَ مِنْهَا أَوْ مِنْ بَعْضِهَا إلَخْ) أَيْ قَبْلَ انْدِمَالِ شَيْءٌ مِنْهَا كَمَا لَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا خَفِيفًا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي السِّرَايَةِ، وَجَائِفَةٌ فَمَاتَ مِنْهَا قَبْلَ انْدِمَالِ ذَلِكَ الْجُرْحِ (قَوْلُهُ: وَسَقَطَ بَدَلُ الْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَفْسًا) أَيْ، وَإِنْ اقْتَضَى قَوْلُ الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ، وَأَصْلُهَا فَمَاتَ مِنْهَا إنَّ أَرْشَ ذَلِكَ الْجُرْحِ الْخَفِيفِ لَا يَدْخُلُ فِي دِيَةِ النَّفْسِ.

[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ الْحُكُومَاتِ وَالْجِنَايَةِ عَلَى الرَّقِيقِ]

[الطَّرَف الْأَوَّلُ الْحُكُومَةُ]

(الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْحُكُومَاتِ) . لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْمُقَدَّرَاتِ شَرَعَ فِيمَا لَا تَقْدِيرَ فِيهِ فَإِنَّ وَاجِبَهُ الْحُكُومَةُ، وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا عَنْ الدِّيَةِ لِتَأَخُّرِهَا عَنْهَا فِي الرُّتْبَةِ؛ لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْهَا، وَإِذَا تَقَدَّرَتْ الْحُكُومَةُ بِاجْتِهَادِ حَاكِمٍ لَمْ يَصِرْ ذَلِكَ حُكْمًا مُقَدَّرًا فِي كُلِّ أَحَدٍ بِخِلَافِ مَا أُورِدَ فِي تَقْدِيرِ جَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَالْفَرْقُ قُصُورُ رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ عَنْ النَّصِّ؛ وَلِأَنَّ الشَّيْنَ مُعْتَبَرٌ فِي الِاجْتِهَادِ، وَهُوَ يَقِلُّ فِي شَخْصٍ وَيَكْثُرُ فِي آخَرَ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ جَائِزٌ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَتَجِبُ الْحُكُومَةُ إبِلًا) مَحَلُّ اعْتِبَارِ الْإِبِلِ فِي الْحُكُومَةِ وَالتَّقْوِيمُ بِهَا إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْحُرِّ أَمَّا الْحُكُومَةُ الْوَاجِبَةُ لِلْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ فِيهَا النَّقْدَ قَطْعًا وَكَذَا التَّقْوِيمُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِيهِ كَالدِّيَةِ فس

<<  <  ج: ص:  >  >>